فَهُوَ مُخَصَّصٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨] وَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ: مِنْ الْعِدَّةِ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِالْوَضْعِ بِشَرْطِ إمْكَانِ نِسْبَتِهِ إلَى صَاحِبِ الْعِدَّةِ زَوْجًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَلَوْ احْتِمَالًا كَمَنْفِيٍّ بِلِعَانٍ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي إمْكَانَ كَوْنِهِ مِنْهُ وَلِهَذَا لَوْ اسْتَلْحَقَهُ لَحِقَهُ.
فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ لَمْ تَنْقَضِ بِوَضْعِهِ، كَمَا إذَا مَاتَ صَبِيٌّ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْإِنْزَالُ أَوْ مَمْسُوحٌ عَنْ زَوْجَةٍ حَامِلٍ فَلَا تَعْتَدُّ بِوَضْعِ الْحَمْلِ كَمَا مَرَّ. وَكَذَا كُلُّ مَنْ أَتَتْ زَوْجَتُهُ الْحَامِلُ بِوَلَدٍ لَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ كَأَنْ وَضَعَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ النِّكَاحِ أَوْ لِأَكْثَرَ، وَكَانَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مَسَافَةٌ لَا تُقْطَعُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ أَوْ لِفَوْقِ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ الْفُرْقَةِ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا بِوَضْعِهِ. لَكِنْ لَوْ ادَّعَتْ فِي الْأَخِيرَةِ أَنَّهُ رَاجَعَهَا أَوْ جَدَّدَ نِكَاحَهَا أَوْ وَطْئِهَا بِشُبْهَةٍ وَأَمْكَنَ فَهُوَ وَإِنْ انْتَفَى عَنْهُ تَنْقَضِي بِهِ عِدَّتُهَا وَيُشْتَرَطُ انْفِصَالُ كُلِّ الْحَمْلِ فَلَا أَثَرَ لِخُرُوجِ بَعْضِهِ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ أَحْكَامِ الْجَنِينِ لِعَدَمِ تَمَامِ انْفِصَالِهِ وَلِظَاهِرِ الْآيَةِ.
وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ وُجُوبَ الْغُرَّةِ بِظُهُورِ شَيْءٍ مِنْهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَحَقُّقُ وُجُودِهِ وَوُجُوبُ الْقَوَدِ إذَا حَزَّ جَانٍ رَقَبَتَهُ وَهُوَ حَيٌّ وَوُجُوبُ الدِّيَةِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى أُمِّهِ إذَا مَاتَتْ بَعْدَ صِيَاحِهِ. وَتَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِمَيِّتٍ وَبِمُضْغَةٍ فِيهِمَا صُورَةُ آدَمِيٍّ خَفِيَّةٌ عَلَى غَيْرِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْوَلَدَ الْحَاصِلَ بِهِ مِنْ زَوْجَتِهِ لَاحِقٌ بِهِ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ.
وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ حَيْثُ الْفِرَاشُ اهـ. قَالَ سم وَلَيْسَ مِنْ الَّذِي خَرَجَ عَلَى وَجْهِ الْحِلِّ مَنِيُّهُ الَّذِي أَخْرَجَهُ بِيَدِهِ لِخَوْفِ الزِّنَا لِأَنَّ عَدَمَ الْإِثْمِ فِيهِ لِعَارِضٍ فَلَا نَظَرَ إلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ بِسَبَبِ اسْتِدْخَالِهِ الْعِدَّةُ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ اهـ. وَلَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ ظَانًّا أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ بِلَا إشْكَالٍ بَلْ لَوْ اسْتَدْخَلَتْ هَذَا الْمَاءَ زَوْجَةٌ أُخْرَى وَجَبَتْ الْعِدَّةُ أَيْضًا فِيمَا يَظْهَرُ سم. وَصُورَةُ ذَلِكَ: أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ يَطَأَهَا يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً، وَأَنَّ وَطْأَهُ إيَّاهَا زِنًا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَلَمْ يَتَّفِقْ لَهُ وَطْؤُهَا سِوَى ذَلِكَ فَتَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِطَلَاقِهِ، وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِ الْوَطْءِ بِقَصْدِ الزِّنَا فَيُقَالُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، لِكَوْنِهَا مُطَلَّقَةً قَبْلَ الدُّخُولِ، وَوَطْءُ الزِّنَا لَا يُوجِبُ عِدَّةً، اعْتِبَارًا بِكَوْنِ الْمَوْطُوءَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ زَوْجَةً وَمَا تَخَيَّلَهُ بَعْضُ ضَعَفَةِ الطَّلَبَةِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ مَنْ وَطِئَ بِذَلِكَ الظَّنِّ، وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ مَعَ بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ وَحَرُمَ عَلَى زَوْجِهَا وَطْؤُهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَهُوَ مِمَّا لَا مَعْنَى لَهُ، لِأَنَّهُ إنْ نَظَرَ إلَى كَوْنِ الْوَطْءِ بِاسْمِ الزِّنَا فَالزِّنَا لَا حُرْمَةَ لَهُ إنْ نَظَرَ إلَى كَوْنِهَا زَوْجَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَمْ يَكُنْ وَطْؤُهَا مُوجِبًا لِلْعِدَّةِ فَتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ
قَوْلُهُ: (أَوْ فَسْخٍ) الْمُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ الِانْفِسَاخَ بِقَرِينَةِ ذِكْرِ الرَّضَاعِ وَاللِّعَانِ قَالَهُ شَيْخُنَا. ثُمَّ قَالَ: وَيُحْتَمَلُ عَطْفُ رَضَاعٍ عَلَى طَلَاقٍ وَالْأَمْرُ حِينَئِذٍ ظَاهِرٌ قَوْلُهُ: (زَوْجًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ) الْمُنَاسِبُ حَذْفُ هَذَا التَّعْمِيمِ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِي الْمُفَارَقَةِ فَقَوْلُهُ أَوْ غَيْرَهُ مُرَادُهُ، الْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ وَهُوَ لَا يُنَاسِبُ. قَوْلُهُ: (كَمَنْفِيٍّ بِلِعَانٍ) الْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْحُرَّةِ فَلَا تَرِدُ الْأَمَةُ لِأَنَّ وَلَدَهَا إنَّمَا يُنْفَى بِالْحَلِفِ لَا بِاللِّعَانِ قَوْلُهُ: (كَمَا إذَا مَاتَ صَبِيٌّ) هُوَ تَنْظِيرٌ لَا تَمْثِيلٌ لِأَنَّ فَرْضَ الْكَلَامِ فِي فُرْقَةِ الْحَيَاةِ اهـ. مَرْحُومِيٌّ وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ: كَمَا إذَا مَاتَ صَبِيٌّ إلَخْ فِيهِ أَنَّ كَلَامَنَا فِي الْمُعْتَدَّةِ عَنْ الْفُرْقَةِ فِي الْحَيَاةِ لَا فُرْقَةً فِي الْمَوْتِ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: كَمَا لَوْ فُسِخَتْ بِعَيْبِ صِبًا.
قَوْلُهُ: (أَوْ مَمْسُوحٌ) أَيْ وَلَوْ سَاحَقَهَا حَتَّى نَزَلَ مَاؤُهُ فِي فَرْجِهَا عش عَلَى مَرَّ قَوْلُهُ: (مِنْ النِّكَاحِ) الْأَوْلَى مِنْ إمْكَانِ اجْتِمَاعِهَا كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ إلَخْ) : مَفْهُومُهُ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مَسَافَةٌ تُقْطَعُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَوَضَعَتْهُ لِذَلِكَ يَلْحَقُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ لَا بُدَّ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ مُضِيِّ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ مِنْ إمْكَانِ الِاجْتِمَاعِ قَوْلُهُ: (أَوْ لِفَوْقِ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ الْفُرْقَةِ) هَذَا مَحَلُّهُ فِي مَجْهُولِ الْبَقَاءِ، أَمَّا إذَا تَحَقَّقْنَا الْبَقَاءَ، بِأَنْ أَخْبَرَنَا بِالْحَمْلِ مَعْصُومٌ كَالْخَضِرِ وَلَمْ يُوجَدْ وَضْعٌ وَلَا وَطْءٌ، فَإِنَّهُ يُنْسَبُ لَهُ وَتَنْقَضِي بِهِ عِدَّتُهَا. كَمَا قَالَهُ سم وَقَالَ: إنَّهُ حَقٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى اهـ أج.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ انْتَفَى عَنْهُ) أَيْ لِعَدَمِ تَصْدِيقِهِ لَهَا فِيمَا ادَّعَتْهُ قَوْلُهُ: (وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا أَثَرَ لِخُرُوجِ بَعْضِهِ قَوْلُهُ: (إذَا حَزَّ جَانٌّ) أَيْ بَعْدَ خُرُوجِ بَعْضِهِ فَقَطْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ.
قَوْلُهُ: (إذَا مَاتَتْ) فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ بِإِلْحَاقِ الْفِعْلِ تَاءَ التَّأْنِيثِ وَالصَّوَابُ إسْقَاطُهَا كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ