للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا تَلْبَسُ الْحُلِيَّ وَلَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَخْتَضِبُ» وَإِنَّمَا حَرُمَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَزِيدُ فِي حُسْنِهَا كَمَا قِيلَ:

وَمَا الْحُلِيُّ إلَّا زِينَةٌ لِنَقِيصَةٍ ... يُتَمِّمُ مِنْ حُسْنٍ إذَا الْحُسْنُ قَصَّرَا

فَأَمَّا إذَا كَانَ الْجَمَالُ مُوَفَّرًا ... كَحُسْنِكِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى أَنْ يُزَوَّرَا

وَكَذَا اللُّؤْلُؤُ يَحْرُمُ التَّزَيُّنُ بِهِ فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّ الزِّينَةَ فِيهِ ظَاهِرَةٌ أَوْ بِثِيَابٍ مَصْبُوغَةٍ لِزِينَةٍ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ: «الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ مِنْ الثِّيَابِ وَلَا الْمُمَشَّقَةَ وَلَا الْحُلِيَّ وَلَا تَخْتَضِبُ وَلَا تَكْتَحِلُ» . وَالْمُمَشَّقَةُ الْمَصْبُوغَةُ بِالْمِشْقِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْمَغْرَةُ بِفَتْحِهَا. وَيُقَالُ: طِينٌ أَحْمَرُ يُشْبِهُهَا. وَيُبَاحُ لُبْسُ غَيْرِ مَصْبُوغٍ مِنْ قُطْنٍ وَصُوفٍ وَكَتَّانٍ وَإِنْ كَانَ نَفِيسًا وَحَرِيرٍ إذَا لَمْ يَحْدُثْ فِيهِ زِينَةٌ، وَيُبَاحُ مَصْبُوغٌ لَا يُقْصَدُ لِزِينَةٍ كَالْأَسْوَدِ. وَكَذَا الْأَزْرَقُ وَالْأَخْضَرُ الْمُشَبَّعَانِ الْكَدِرَانِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُقْصَدُ لِلزِّينَةِ بَلْ لِنَحْوِ حَمْلِ وَسَخٍ أَوْ مُصِيبَةٍ فَإِنْ تَرَدَّدَ بَيْنَ الزِّينَةِ وَغَيَّرَهَا كَالْأَخْضَرِ وَالْأَزْرَقِ فَإِنْ كَانَ بَرَّاقًا صَافِي اللَّوْنِ حَرُمَ لِأَنَّهُ مُسْتَحْسَنٌ يُتَزَيَّنُ بِهِ أَوْ كَدِرًا أَوْ مُشَبَّعًا فَلَا لِأَنَّ الْمُشَبَّعَ مِنْ الْأَخْضَرِ وَالْأَزْرَقِ يُقَارِبُ الْأَسْوَدَ وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْبَدَنِ تَجْمِيلُ فِرَاشٍ، وَهُوَ مَا تَرْقُدُ أَوْ تَقْعُدُ عَلَيْهِ مِنْ نِطْعٍ وَمَرْتَبَةٍ وَوِسَادَةٍ وَنَحْوِهَا، وَتَجْمِيلُ أَثَاثٍ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَمُثَلَّثَتَيْنِ مَتَاعُ الْبَيْتِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِحْدَادَ فِي الْبَدَنِ لَا فِي الْفِرَاشِ وَنَحْوِهِ. وَأَمَّا الْغِطَاءُ فَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ كَالثِّيَابِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَإِنْ خَصَّهُ الزَّرْكَشِيّ بِالنَّهَارِ. (وَ) الِامْتِنَاعُ مِنْ اسْتِعْمَالِ (الطِّيبِ)

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْحَلَقُ لَا بِقَيْدِهِ. وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحِلَّ حُرْمَةِ ذَلِكَ مَا لَمْ تَتَضَرَّرْ بِتَرْكِهِ فَإِنْ تَضَرَّرَتْ ضَرَرًا لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً جَازَ لَهَا اللُّبْسُ وَقِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي الْكُحْلِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الضَّرَرِ مِنْ إبَاحَتِهِ لِلتَّيَمُّمِ ع ش عَلَى م ر مَعَ زِيَادَةٍ.

قَوْلُهُ: (لَا تَلْبَسُ) بَابُهُ عَلِمَ قَوْلُهُ: (مِنْ حُسْنٍ) أَيْ مَا نَقَصَ مِنْ حُسْنٍ وَقَوْلُهُ إلَى أَنْ يُزَوَّرَ أَيْ إلَى أَنْ يُحَسَّنَ وَيُزَيَّنَ مِنْ التَّزْوِيرِ وَهُوَ تَحْسِينُ الْكَذِبِ، قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: ٢] أَيْ مُنْحَرِفًا عَنْ الْحَقِّ فَإِنَّ الزَّوْجَةَ لَا تُشْبِهُ الْأُمَّ. قَوْلُهُ: (أَوْ بِثِيَابٍ) أَيْ أَوْ بِلُبْسِ ثِيَابٍ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (لِزِينَةٍ) أَيْ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ تَتَزَيَّنَ بِهِ لِتَشَوُّفِ الرِّجَالِ إلَيْهِ وَلَوْ بِحَسَبِ عَادَةِ قَوْمِهَا أَوْ جِنْسِهَا. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَكَتَّانٍ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَحُكِيَ كَسْرُهَا اهـ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَحَرِيرٍ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ مَصْبُوغًا. قَوْلُهُ: (كَالْأَسْوَدِ) إلَّا إنْ كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ يَتَزَيَّنُونَ بِهِ كَالْأَعْرَابِ فَيَحْرُمُ، وَلَا يَحْرُمُ الْأَصْفَرُ وَالْأَحْمَرُ الْخَلْقِيُّ مَعَ صَفَائِهِمَا وَشِدَّةِ بِرِيقِهِمَا، وَزِيَادَةِ الزِّينَةِ فِيهِمَا عَلَى الْمَصْبُوغِ مِنْ غَيْرِ الْحَرِيرِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ مَا فِيهِ زِينَةٌ تُشَوِّقُ الرِّجَالَ إلَيْهَا تُمْنَعُ مِنْهُ، وَأَمَّا طِرَازُ الثَّوْبِ فَإِنْ كَثُرَ حَرُمَ لِظُهُورِ الزِّينَةِ فِيهِ، وَإِنْ صَغُرَ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، ثَالِثُهَا وَبِهِ جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ، إنْ نُسِجَ مَعَ الثَّوْبِ جَازَ أَوْ رُكِّبَ عَلَيْهِ حَرُمَ لِأَنَّهُ مَحْضُ زِينَةٍ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَوْ كَانَ الثَّوْبُ مَصْبُوغَ الْحَاشِيَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ سم.

قَوْلُهُ: (الْمُشَبَّعَانِ) بِفَتْحِ الْبَاءِ أَيْ الْمُشَبَّعَانِ بِالصَّبْغِ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَرَدَّدَ) أَيْ الْمَصْبُوغُ.

قَوْلُهُ: (تَجْمِيلُ فِرَاشٍ) أَيْ تَجْمِيلُ الْبَيْتِ بِالْفِرَاشِ كَمَا فِي م ر وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ.

قَوْلُهُ: (مِنْ نِطْعٍ) وَهُوَ قِطْعَةٌ مِنْ الْجِلْدِ تَقْعُدُ عَلَيْهِ الْمَرْأَةُ.

قَوْلُهُ: (وَتَجْمِيلُ أَثَاثٍ) عَطْفُ عَامٍّ. قَوْلُهُ: (مَتَاعُ الْبَيْتِ) : بِأَنْ تُزَيِّنَ بَيْتَهَا بِأَنْوَاعِ الْمَلَابِسِ وَالْأَوَانِي م ر.

قَوْلُهُ: (فَالْأَشْبَهُ) مُعْتَمَدٌ وَقَوْلُهُ: إنَّهُ كَالثِّيَابِ أَيْ فَيَحْرُمُ إنْ حَرُمَتْ الثِّيَابُ وَيُبَاحُ إنْ أُبِيحَتْ. وَقَوْلُهُ: وَإِنْ خَصَّهُ أَيْ التَّشْبِيهُ.

قَوْلُهُ: (وَالِامْتِنَاعُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الطِّيبِ) قَدَّمَ لَفْظَ الِاسْتِعْمَالِ لِأَنَّ الطِّيبَ عَيْنٌ وَلَا تَصِحُّ نِسْبَةُ الْحُكْمِ إلَيْهِ، وَلَوْ فَسَّرَهُ بِالتَّطَيُّبِ كَمَا فُسِّرَتْ الزِّينَةُ بِالتَّزَيُّنِ، كَمَا مَرَّ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَنْسَبَ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهَا اسْتِعْمَالُ الطَّيِّبِ لَيْلًا وَنَهَارًا ابْتِدَاءً وَاسْتِدَامَةً فَإِذَا طَرَأَتْ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا لَزِمَهَا إزَالَتُهَا لِلنَّهْيِ عَنْهُ بِرْمَاوِيٌّ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ نَظِيرِهِ فِي الْمُحْرِمِ بِأَنَّهُ ثَمَّ مِنْ سُنَنِ الْإِحْرَامِ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا وَبِأَنَّهُ شُدِّدَ عَلَيْهَا هُنَا أَكْثَرَ بِدَلِيلِ حُرْمَةِ نَحْوِ الْحِنَّاءِ وَالْمُعَصْفَرِ عَلَيْهَا هُنَا لِإِثْمٍ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ) وَاسْمُهَا نَسِيبَةُ كَمَا فِي مُسْلِمٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>