للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَحْصُرْ السُّنَنَ فِيمَا ذَكَرَهُ. وَسَنَذْكُرُ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ: الْأُولَى: (التَّسْمِيَةُ) أَوَّلَ الْوُضُوءِ لِخَبَرِ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «طَلَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وُضُوءًا فَلَمْ يَجِدُوا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مَاءً؟

ــ

[حاشية البجيرمي]

أَوْ أَشْيَاءُ وَحَذْفُ اللَّامِ مِنْ ثِقَلٍ ... وَشَيْءٌ أَصْلُ شَيْءٍ وَهِيَ آرَاءُ

وَأَصْلُ أَسْمَاءَ أَسْمَا وَكَمِثْلِ كَسَا ... فَاصْرِفْهُ حَتْمًا وَلَا تَغْرُرْك أَسْمَاءُ

وَاحْفَظْ وَقُلْ لِلَّذِي يَبْغِي الْعُلَا سَفَهًا ... حَفِظْت شَيْئًا وَغَابَتْ عَنْك أَشْيَاءُ

قَوْلُهُ: (لَمْ يَحْصُرْ) صَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ وَالسُّنَنُ لَا تَنْحَصِرُ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلَعَلَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ سَبْقُ قَلَمٍ، إذْ كَيْفَ يُقَالُ بِعَدَمِ الِانْحِصَارِ مَعَ ذِكْرِ الْعَدَدِ فَتَأَمَّلْ ق ل. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْعَدَدَ لَمَّا كَانَ لَا مَفْهُومَ لَهُ كَانَ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ حَاصِلٍ لِلسُّنَنِ، وَعِبَارَةُ م د قَوْلُهُ لَمْ يَحْصُرْ أَيْ لَمْ يَقْصِدْ الْحَصْرَ الْحَقِيقِيَّ، بَلْ صُورَتُهُ كَمَا تَقَدَّمَ لَهُ فِي الْخُطْبَةِ لَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَحَصَرَ الْخِصَالَ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ مَا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَى الشَّارِحِ، قَوْلُهُ: (التَّسْمِيَةُ أَوَّلُ الْوُضُوءِ) وَلَوْ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ، وَيُسَنُّ التَّعَوُّذُ قَبْلَهَا وَالتَّسْمِيَةُ صَارَتْ عَلَمًا عَلَى بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَإِلَّا فَالتَّسْمِيَةُ مَصْدَرُ سَمَّى تَسْمِيَةً فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي التَّعْبِيرِ بِالتَّسْمِيَةِ. قَالَ م ر: وَيَظْهَرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ تَحْرِيمُهَا لِمُحْرِمٍ أَيْ لِذَاتِهِ أَيْ كَالزِّنَا وَالرِّبَا، فَلَا يَرِدُ أَنَّهَا تُسَنُّ لِمَنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ كَمَا مَرَّ. اهـ. وَهُنَّ سُنَّةُ عَيْنٍ فِي نَحْوِ الْوُضُوءِ وَلَوْ الْجَمَاعَةُ، بِخِلَافِ الْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ فَسُنَّةُ كِفَايَةٍ، وَلَا تَحْصُلُ مِنْ وَاحِدٍ جَالِسٍ لَا لِلْأَكْلِ بَلْ لِشَيْءٍ آخَرَ كَالْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ الدُّعَاءِ لِلْوَلِيمَةِ، وَلَا يَكْفِي مِنْ أَحَدِ جَمَاعَةٍ حَضَرَ كُلٌّ بِطَعَامِهِ لِيَأْكُلَ مِنْهُ وَحْدَهُ، وَفَعَلَ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَضَرُوا لِيَأْكُلُوا مَعًا عَلَى الْإِشَاعَةِ، وَوَقَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ أَكَلَ مِمَّا يَلِيهِ اتِّفَاقًا، وَانْظُرْ مَا لَوْ جَلَسُوا لِيَأْكُلُوا وَأَكَلُوا وَسَمُّوا، ثُمَّ إنَّهُمْ قَامُوا وَجَلَسَ غَيْرُهُمْ هَلْ تَطْلُبُ مِنْ الْآخَرِينَ أَوْ يَكْفِي مَا حَصَلَ مِنْ الْأَوَّلِينَ، وَانْظُرْ أَيْضًا مَا لَوْ كَانَ يَأْكُلُ بَعْضُهُمْ وَيَقُومُ وَيَجْلِسُ مَكَانَهُ آخَرُ وَالْمَجْمُوعُ لَا يَخْلُو الْمَكَانُ عَنْهُ.

حَرَّرَهُ وَكَتَبَ تَحْتَهُ بِخَطِّهِ مَا نَصُّهُ: وَالْأَوْجَهُ فِي الْأَوَّلِ الطَّلَبُ مِنْ الْآخَرِينَ لِانْقِطَاعِ حُكْمِ الْأَوَّلِينَ بِانْصِرَافِهِمْ، وَفِي الثَّانِي الطَّلَبُ مِمَّنْ جَلَسَ؛ لِأَنَّ الطَّلَبَ إنَّمَا يَسْقُطُ بِقَوْلِ الْبَعْضِ عَمَّنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ الْبَعْضِ عَمَّنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ الْبَعْضِ عِنْدَ قَوْلِ مَا أُمِرَ بِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (أَوَّلُ الْوُضُوءِ) هِيَ أَوَّلُ سُنَنِ الْوُضُوءِ الْقَوْلِيَّةِ الدَّاخِلَةِ فِيهِ، وَلَهُ سُنَّةٌ قَوْلِيَّةٌ خَارِجَةٌ عَنْهُ أَيْ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْهُ وَهِيَ الذِّكْرُ الْمَشْهُورُ عَقِبَهُ وَلَيْسَ لَهُ سُنَّةٌ قَوْلِيَّةٌ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَيْهِ خَارِجَةٌ عَنْهُ، وَأَوَّلُ سُنَنِ الْوُضُوءِ الْفِعْلِيَّةِ الْخَارِجَةِ عَنْهُ السِّوَاكُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَحَلَّهُ قَبْلَ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ وَالدَّاخِلَةُ فِيهِ غَسْلُ الْكَفَّيْنِ وَالْخَارِجَةُ الْمُتَأَخِّرَةُ عَنْهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ حَالَةَ قِرَاءَةِ الذِّكْرِ الْمَشْهُورِ عَقِبَهُ.

فَالْحَاصِلُ: أَنَّ السُّنَنَ الْفِعْلِيَّةَ لَهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: مُتَقَدِّمَةٌ عَلَيْهِ، وَمُتَأَخِّرَةٌ عَنْهُ، وَدَاخِلَةٌ فِيهِ، وَهِيَ غَسْلُ الْكَفَّيْنِ وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ عِنْدَ الذِّكْرِ الَّذِي فِي آخِرِهِ وَالْقَوْلِيَّةُ لَهَا حَالَتَانِ فَقَطْ، وَقَالَ شَيْخُنَا ح ف: وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَوَّلَ سُنَنِ الْوُضُوءِ الْفِعْلِيَّةِ الْخَارِجَةِ عَنْهُ السِّوَاكُ، وَإِنَّمَا كَانَ السِّوَاكُ خَارِجًا؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ، وَالسِّوَاكُ لَيْسَ اسْتِعْمَالًا لِلْمَاءِ، وَأَوَّلُ سُنَنِهِ الْفِعْلِيَّةِ الدَّاخِلَةِ هُوَ غَسْلُ الْكَفَّيْنِ، وَأَوَّلُ سُنَنِهِ الْقَوْلِيَّةِ التَّسْمِيَةُ، وَلَمْ نَقُلْ أَوَّلُ سُنَنِهِ الْقَوْلِيَّةِ الِاسْتِعَاذَةُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَقْصُودَةً بِالذَّاتِ بِخِلَافِ التَّسْمِيَةِ فَحِينَئِذٍ كَانَتْ أَوَّلَ السُّنَنِ الْقَوْلِيَّةِ.

فَإِنْ قُلْت: لِمَ قِيلَ إنَّ أَوَّلَ سُنَنِ الْوُضُوءِ الْفِعْلِيَّةِ الْخَارِجَةِ هُوَ السِّوَاكُ، وَلِمَ يَقُولُوا إنَّ أَوَّلَهَا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ أَوْ الْجُلُوسُ عَلَى مَكَان عَالٍ مَعَ أَنَّهُمَا مُتَقَدِّمَانِ عَلَى السِّوَاكِ أَيْضًا؟ . اُنْظُرْ جَوَابًا شَافِيًا. اهـ. قَوْلُهُ: (عَنْ أَنَسٍ) عِبَارَةُ الْقُطْبِ الرَّبَّانِيُّ سَيِّدِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الشَّعْرَانِيُّ فِي كِتَابِهِ بُسْتَانُ الْوَاعِظِينَ: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ يَدَيْهِ رِكْوَةٌ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا وَأَقْبَلَ النَّاسُ نَحْوَهُ وَقَالُوا: لَيْسَ عِنْدَنَا إلَّا مَا فِي رِكْوَتِك، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَهُ الْمُبَارَكَةَ فِي الرِّكْوَةِ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ مِثْلُ الْعُيُونِ فَشَرِبُوا مِنْهُ وَتَوَضَّئُوا. قَالَ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: كُنَّا خَمْسَ عَشَرَةَ مِائَةً وَلَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا» .

قَالَ الْعَلَّامَةُ شَمْسُ الدِّينِ الْيَافِعِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>