للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَحْرَارِ (وَ) نَفَقَةُ (الْمَوْلُودِينَ) كَذَلِكَ بِخَفْضِ مَا قَبْلَ عَلَامَةِ الْجَمْعِ فِيهِمَا، كُلٌّ مِنْهُمَا (وَاجِبَةٌ) عَلَى الْفُرُوعِ لِلْأُصُولِ وَبِالْعَكْسِ بِشَرْطِهِ الْآتِي. وَالْأَصْلُ فِي الْأَوَّلِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ وَالْأُمِّ قَوْله تَعَالَى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: ١٥] وَمِنْ الْمَعْرُوفِ الْقِيَامُ بِكِفَايَتِهِمَا عِنْدَ حَاجَتِهِمْ وَخَبَرُ: «أَطْيَبُ مَا يَأْكُلُ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ وَوَلَدُهُ مِنْ كَسْبِهِ فَكُلُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْوَالِدَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا كَسْبَ لَهُمَا وَلَا مَالَ وَاجِبَةٌ فِي مَالِ الْوَلَدِ، وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ مُلْحَقُونَ بِهِمَا إنْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي عُمُومِ ذَلِكَ. كَمَا أُلْحِقُوا بِهِمَا فِي الْعِتْقِ بِالْمِلْكِ وَعَدَمِ الْقَوَدِ وَرَدِّ الشَّهَادَةِ وَغَيْرِهَا. وَفِي الثَّانِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: ٦] إذْ إيجَابُ الْأُجْرَةِ لِإِرْضَاعِ الْأَوْلَادِ يَقْتَضِي إيجَابَ مُؤْنَتِهِمْ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَالْأَحْفَادُ مُلْحَقُونَ بِالْأَوْلَادِ إنْ لَمْ يَتَنَاوَلْهُمْ إطْلَاقُ مَا تَقَدَّمَ، وَلَا يَضُرُّ فِيمَا ذُكِرَ اخْتِلَافُ الدِّينِ فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْهُمَا نَفَقَةُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (كَذَلِكَ) أَيْ فِي التَّعْمِيمِ وَالتَّقْيِيدِ بِالْأَحْرَارِ، وَيُزَادُ هُنَا الْخُنْثَى قَوْلُهُ: (بِخَفْضِ) الْأَوْلَى بِكَسْرِ لِأَنَّ الْخَفْضَ مِنْ أَلْقَابِ الْإِعْرَابِ ق ل. وَيُجَابُ عَنْ الشَّارِحِ بِأَنَّهُ جَرَى عَلَى مَذْهَبِ قُطْرُبٍ كَمَا أَفَادَهُ الْعَلَّامَةُ السُّيُوطِيّ فِي هَمْعِ الْهَوَامِعِ. وَنَصُّهُ: ثُمَّ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ حَرَكَاتِ الْإِعْرَابِ غَيْرُ حَرَكَاتِ الْبِنَاءِ وَقَالَ قُطْرُبٌ هِيَ هِيَ. وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ لِأَنَّهُ عَائِدٌ إلَى التَّسْمِيَةِ فَقَطْ. فَالْأَوَّلُونَ يُطْلِقُونَ عَلَى حَرَكَاتِ الْإِعْرَابِ الرَّفْعَ وَالنَّصْبَ وَالْجَرَّ وَالْجَزْمَ عَلَى حَرَكَاتِ الْبِنَاءِ الضَّمَّ وَالْفَتْحَ وَالْكَسْرَ وَالْوَقْفَ. وَقُطْرُبٌ وَمَنْ وَافَقَهُ يُطْلِقُونَ أَسْمَاءَ هَذِهِ عَلَى هَذِهِ اهـ بِحُرُوفِهِ. وَبَعْضُهُمْ يَنْسُبُ قَوْلَ قُطْرُبٍ لِلْكُوفِيِّينَ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذِهِ الْحَرَكَةَ لَا تُسَمَّى حَرَكَةَ إعْرَابٍ وَلَا بِنَاءٍ إذْ لَيْسَتْ فِي آخِرِ الْكَلِمَةِ بَلْ حَرَكَةَ بِنِيَّةٍ، وَاعْتِبَارُ كَوْنِ الدَّالِ آخِرًا بِحَسَبِ الْأَصْلِ بَعِيدٌ فَتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (كُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ النَّفَقَتَيْنِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَيُمْكِنُ أَنَّهُ أَتَى بِهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي كَلَامِهِ عَلَى الْمَجْمُوعِ لَا عَلَى كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ.

قَوْلُهُ: (عَلَى الْفُرُوعِ) أَيْ الْأَحْرَارِ أَيْ مِنْ ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ لِأَنَّ ذِكْرَهُ مَعَ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ مَعَ إهْمَالِهِ فِي الْمُنْفِقِ قَدْ يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ اهـ.

قَوْلُهُ: (مِنْ جِهَةِ الْأَبِ وَالْأُمِّ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ فَلَوْ حَذَفَهُ لَكَانَ وَاضِحًا.

قَوْلُهُ: (وَمِنْ الْمَعْرُوفِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْآيَةَ لَيْسَتْ نَصًّا فِي الْوُجُوبِ وَكَذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ وَحِينَئِذٍ فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (وَوَلَدُهُ مِنْ كَسْبِهِ) لَيْسَ مِنْ الْحَدِيثِ بَلْ هُوَ مُدْرَجٌ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ. قَوْلُهُ: (فِي عُمُومِ ذَلِكَ) : أَيْ الْوَالِدَيْنِ فِي قَوْلِهِ {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: ١٥] قَوْلُهُ: (وَغَيْرِهَا) كَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ.

قَوْلُهُ: (يَقْتَضِي إيجَابَ مُؤْنَتِهِمْ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَوَجْهُهُ، أَنَّهُ لَمَّا لَزِمَتْ أُجْرَةُ إرْضَاعِ الْوَلَدِ كَانَتْ كِفَايَتُهُ أَلْزَمَ.

قَوْلُهُ: (خُذِي مَا يَكْفِيكِ إلَخْ) سَبَبُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ «زَوْجَةَ أَبِي سُفْيَانَ جَاءَتْ مَعَ نِسْوَةٍ يُبَايِعْنَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاَللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ إلَى آخِرِ الْآيَةِ فَنَزَلَتْ الْآيَةُ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ} [الممتحنة: ١٢] فَبَايَعَهُنَّ النَّبِيُّ بِالْمُصَافَحَةِ مَعَ الْحَائِلِ وَقِيلَ مِنْ غَيْرِ مُصَافَحَةٍ فَلَمَّا سَمِعَتْ {أَنْ لا يُشْرِكْنَ} [الممتحنة: ١٢] إلَخْ قَالَتْ مَا جِئْنَا وَفِي قَلْبِنَا إشْرَاكٌ وَلَمَّا سَمِعَتْ {وَلا يَسْرِقْنَ} [الممتحنة: ١٢] قَالَتْ إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مُمْسِكٌ أَيْ مُحْرِصٌ مُقَتِّرٌ عَلَيْنَا فَكَيْفَ نَصْنَعُ؟ فَقَالَ: خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك وَلَمَّا سَمِعَتْ {وَلا يَزْنِينَ} [الممتحنة: ١٢] قَالَتْ: أَتُمَكِّنُ الْمَرْأَةُ غَيْرَ زَوْجِهَا وَاسْتَبْعَدَتْ ذَلِكَ وَلَمَّا سَمِعَتْ {وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ} [الممتحنة: ١٢] قَالَتْ مَا نَقْتُلُهُمْ وَلَكِنْ رَبَّيْنَاهُمْ صِغَارًا وَقَتَلْتُمُوهُمْ كِبَارًا» تُرِيدُ وَلَدَهَا الَّذِي قُتِلَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي الْغَزْوِ؛ وَقَوْلُهُ: «خُذِي مَا يَكْفِيك» إلَخْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ قَوْلُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ بِتَقْدِيرِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ: فِيهِ بِالْمَعْرُوفِ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: وَوَلَدَك. فَإِنَّ نَفَقَةَ الْوَلَدِ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَبِأَنَّهُ رَاجِعٌ لِلْمَجْمُوعِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ لِأَنَّ جُزْأَهُ وَهُوَ نَفَقَةُ الْوَلَدِ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ، كَمَا ظَهَرَ وَبِأَنَّهُ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ يَكْفِيك أَيْضًا لِاسْتِقْلَالِهِ بِاعْتِبَارِ الْأُدْمِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَلْيُتَأَمَّلْ ابْنُ قَاسِمٍ.

قَوْلُهُ: (وَالْأَحْفَادُ مُلْحَقُونَ إلَخْ) مُرَادُهُ بِالْأَحْفَادِ مَا يَشْمَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>