للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«ابْدَأْ بِنَفْسِك ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ» وَنَفَقَةٌ تَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ لِغَيْرِهِ. قَالَ الشَّيْخَانِ وَأَسْبَابُ وُجُوبِهَا ثَلَاثَةٌ النِّكَاحُ وَالْقَرَابَةُ وَالْمِلْكُ، وَأُورِدَ عَلَى الْحَصْرِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ صُوَرٌ مِنْهَا الْهَدْيُ وَالْأُضْحِيَّةُ الْمَنْذُورَانِ فَإِنَّ نَفَقَتَهُمَا عَلَى النَّاذِرِ وَالْمُهْدِي مَعَ انْتِقَالِ الْمِلْكِ فِيهِمَا لِلْفُقَرَاءِ وَمِنْهَا نَصِيبُ الْفُقَرَاءِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ الْإِمْكَانِ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْمَالِكِ، وَقَدَّمَ الْقِسْمَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (وَنَفَقَةُ الزَّوْجَةِ الْمُمَكِّنَةِ مِنْ نَفْسِهَا وَاجِبَةٌ) بِالتَّمْكِينِ التَّامِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:

ــ

[حاشية البجيرمي]

إنْ لَمْ تَصْبِرْ عَلَى الْإِضَافَةِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الصَّدَقَةِ. وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ مَا يَجِبُ لِلزَّوْجَةِ فَقَالَ:

حُقُوقٌ إلَى الزَّوْجَاتِ سَبْعٌ تَرَتَّبَتْ ... عَلَى الزَّوْجِ فَاحْفَظْ عَدَّهَا بِبَيَانِ

طَعَامٌ وَأُدْمٌ كِسْوَةٌ ثُمَّ مَسْكَنٌ ... وَآلَةُ تَنْظِيفٍ مَتَاعٌ لِبُنْيَانِ

وَمَنْ شَأْنُهَا الْإِخْدَامُ فِي بَيْتِ أَهْلِهَا ... عَلَى زَوْجِهَا فَاحْكُمْ بِخِدْمَةِ إنْسَانٍ

وَقَوْلُهُ: فِي النَّظْمِ لِبُنْيَانٍ الْمُرَادُ بِهِ الْبَيْتُ أَيْ مَتَاعُ الْبَيْتِ يَعْنِي فُرُشَ الْبَيْتِ الَّذِي تَجْلِسُ عَلَيْهِ أَوْ تَنَامُ عَلَيْهِ وَتَتَغَطَّى بِهِ وَشَامِلٌ أَيْضًا لِآلَةِ الطَّبْخِ وَلِآلَةِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْأُدْمُ شَامِلٌ لِلَّحْمِ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْعِيَالَ وَالْقَرَابَةَ أَحَقُّ مِنْ الْأَجَانِبِ. قَوْلُهُ: (وَأُورِدَ عَلَى الْحَصْرِ إلَخْ) وَأُجِيبُ بِأَنَّ ذَلِكَ يُشْبِهُ الْمِلْكَ وَلِذَلِكَ لَا يَبْرَأُ بِالتَّسْلِيمِ، فَلَا إيرَادَ وَعِبَارَةُ أج قَدْ يُقَالُ: لَا إيرَادَ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ دَاخِلٌ فِي الْمِلْكِ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ فِيمَا سَبَقَ. قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا نَصِيبُ الْفُقَرَاءِ) وَمِنْهَا خَادِمُ الزَّوْجَةِ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الزَّوْجِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهَا مِنْ عَلَقِ النِّكَاحِ أَيْ فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي النِّكَاحِ. قَوْلُهُ: (وَقَبْلَ الْإِمْكَانِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ بَعْدَ الْإِمْكَانِ وَقَبْلَ الدَّفْعِ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (عَلَى الْمَالِكِ) الْأَوْلَى الْمُزَكِّي لِأَجْلِ أَنْ يَكُونَ وَارِدًا عَلَى الْحَصْرِ.

قَوْلُهُ: (وَقَدَّمَ الْقِسْمَيْنِ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: السَّبَبَيْنِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَسْبَابِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ: وَقَدَّمَ الْقِسْمَيْنِ أَيْ قَدَّمَ مُسَبِّبَهُمَا وَهُمَا نَفَقَةُ الْقَرِيبِ وَنَفَقَةُ الْمَمْلُوكِ،

وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ) أَيْ فِي مُسَبِّبِهِ.

قَوْلُهُ: (وَنَفَقَةُ الزَّوْجَةِ) لَمَّا أَبَاحَ اللَّهُ لِلزَّوْجِ أَنْ يَضُرَّ الْمَرْأَةَ بِثَلَاثِ ضَرَائِرَ وَيُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا جَعَلَ لَهَا ثَلَاثَةَ حُقُوقٍ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَالْإِسْكَانُ وَهُوَ يَتَكَلَّفُهَا غَالِبًا لِضَعْفِ عَقْلِهَا فَكَانَ لَهُ عَلَيْهَا ضِعْفُ مَا لَهَا عَلَيْهِ مِنْ الْحُقُوقِ وَهُوَ السِّتَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ الثَّلَاثُ ضَرَائِرَ وَالطَّلْقَاتُ الثَّلَاثُ وَمُرَادُهُ الزَّوْجَةُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَتَدْخُلُ الرَّجْعِيَّةُ وَالْبَائِنُ الْحَامِلُ فَيَجِبُ لَهُمَا مَا يَجِبُ لِلزَّوْجَةِ مَا عَدَا آلَةَ التَّنْظِيفِ.

وَالْمُرَادُ بِالنَّفَقَةِ جَمِيعُ مَا وَجَبَ لَهَا، فَحُكْمُهُ كَالنَّفَقَةِ لَا خُصُوصِ الْقُوتِ قَوْلُهُ: (الْمُمَكِّنَةِ) سَوَاءٌ كَانَتْ مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً أَوْ أَمَةً وَخَرَجَ بِهَا غَيْرُ الْمُمَكِّنَةِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَعَدَمُ التَّمْكِينِ بِأُمُورٍ، مِنْهَا النُّشُوزُ وَهُوَ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْوَطْءِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعَاتِ حَتَّى الْقُبْلَةُ وَإِذَا نَشَزَتْ بَعْضَ النَّهَارِ سَقَطَ جَمِيعُ نَفَقَةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَكَذَا إذَا نَشَزَتْ بَعْضَ اللَّيْلِ فَتَسْقُطُ نَفَقَةُ الْيَوْمِ الَّذِي بَعْدَهُ، لِأَنَّ اللَّيْلَ سَابِقُ النَّهَارِ وَإِذَا نَشَزَتْ أَثْنَاءَ فَصْلٍ سَقَطَتْ كِسْوَتُهُ الْوَاجِبَةُ مِنْ أَوَّلِهِ وَإِنْ عَادَتْ لِلطَّاعَةِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ يَوْمِ النُّشُوزِ وَلَوْ جَهِلَ سُقُوطَهَا بِالنُّشُوزِ وَدَفَعَهَا لَهَا رَجَعَ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَمِنْهَا الصِّغَرُ بِخِلَافِ الْكَبِيرَةِ إذَا كَانَ زَوْجُهَا صَغِيرًا فَلَهَا النَّفَقَةُ وَمِنْهَا الْعِبَادَاتُ، فَإِذَا أَحْرَمَتْ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَهِيَ فِي الْبَيْتِ فَلَهَا النَّفَقَةُ مَا لَمْ تَخْرُجْ، لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَحْلِيلِهَا أَوْ بِإِذْنِهِ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مَعَهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا، وَكَذَا إذَا صَامَتْ تَطَوُّعًا بِغَيْرِ إذْنِهِ وَامْتَنَعَتْ مِنْ الْإِفْطَارِ فَلَيْسَ لَهَا النَّفَقَةُ وَمَحِلُّ سُقُوطِ النَّفَقَةِ بِالنُّشُوزِ، إذَا لَمْ يَسْتَمْتِعْ بِهَا مَعَهُ اهـ. م د وَقَوْلُهُ: مَا لَمْ تَخْرُجْ أَيْ فَإِنْ خَرَجَتْ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا وَالْمُسْقِطُ لَهَا هُنَا الْعِبَادَةُ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَاجِبَةٌ) أَيْ وُجُوبًا مُوَسَّعًا فَلَوْ طَالَبَتْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّفْعُ. فَإِنْ تَرَكَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ أَثِمَ وَلَا يُحْبَسُ وَلَا يُلَازَمُ وَلَيْسَ لَهَا مُطَالَبَتُهُ بِنَفَقَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ، وَإِنْ أَرَادَ سَفَرًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ شَيْخِنَا، وَلَوْ وَقَعَ التَّمْكِينُ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ أَوْ اللَّيْلَةِ وَجَبَ لَهَا بِقِسْطِهِ مِنْ الْبَاقِي بِخِلَافِ مَا لَوْ نَشَزَتْ وَعَادَتْ لَمْ يَجِبْ لَهَا شَيْءٌ مِنْ نَفَقَةِ الْيَوْمِ أَوْ اللَّيْلَةِ فَإِنْ كَانَتْ قَبَضَتْهَا فَلَهُ اسْتِرْدَادُهَا ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ: (بِالتَّمْكِينِ التَّامِّ) خَرَجَ بِالتَّامِّ مَا لَوْ مَكَّنَتْهُ لَيْلًا فَقَطْ مَثَلًا أَوْ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>