فَرَاغِهِ مِنْ الْأَكْلِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا لِيَتَقَيَّأَ الشَّيْطَانُ مَا أَكَلَهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الشُّرْبُ كَالْأَكْلِ.
(وَ) الثَّانِيَةُ (غَسْلُ الْكَفَّيْنِ) إلَى كُوعَيْهِ قَبْلَ الْمَضْمَضَةِ، وَإِنْ تَيَقَّنَ طُهْرَهُمَا أَوْ تَوَضَّأَ مِنْ نَحْوِ إبْرِيقٍ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. فَإِنْ شَكَّ فِي طُهْرِهِمَا غَسَلَهُمَا (قَبْلَ إدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ) الَّذِي فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ أَوْ مَائِعٌ، وَإِنْ كَثُرَ (ثَلَاثًا) فَإِنْ أَدْخَلَهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ كُرِهَ لِقَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ»
ــ
[حاشية البجيرمي]
فِعْلِهِ وَمِنْهُ الذِّكْرُ، وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَالذِّكْرُ الْمَشْهُورُ عَقِبَهُ الْمُقْتَضِي أَنَّ الشَّهَادَةَ وَمَا مَعَهَا لَيْسَتْ مِنْهُ لِحَمْلِهِ الْعَقَبِيَّةَ عَلَى الْفَرَاغِ مِنْ أَفْعَالِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ السُّنَنِ كَمَا تَقَدَّمَ. اهـ. قَوْلُهُ: (لِيَتَقَيَّأَ الشَّيْطَانُ مَا أَكَلَهُ) وَهَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ أَوْ لَا؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، وَعَلَى كَوْنِهِ حَقِيقَةً لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ دَاخِلَ الْإِنَاءِ فَيَجُوزُ وُقُوعُهُ خَارِجَهُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر.
قَوْلُهُ: (وَالثَّانِيَةُ غَسْلُ الْكَفَّيْنِ) أَيْ كَمَالُ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ أَوَّلًا، وَالْمُرَادُ أَوَّلُ الْوُضُوءِ أَوَّلُ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ فَالْمُرَادُ بِتَقْدِيمِ التَّسْمِيَةِ عَلَى غَسْلِهِمَا تَقْدِيمهَا عَلَى الْفَرَاغِ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (إلَى كُوعَيْهِ) الْكُوعُ بِضَمِّ الْكَافِ وَيُقَالُ لَهُ الْكَاعُ هُوَ الْعَظْمُ الَّذِي فِي مَفْصِلِ الْكَفِّ مِمَّا يَلِي الْإِبْهَامَ أَمَّا الَّذِي يَلِي الْخِنْصَرَ فَكُرْسُوعٌ، وَأَمَّا الْبُوعُ فَهُوَ الْعَظْمُ الَّذِي يَلِي إبْهَامَ كُلِّ رِجْلٍ وَنَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ:
وَعَظْمٌ يَلِي الْإِبْهَامَ كُوعٌ وَمَا يَلِي ... بِخِنْصَرِهِ الْكُرْسُوعُ وَالرُّسْغُ مَا وَسَطَ
وَعَظْمٌ يَلِي إبْهَامَ رِجْلٍ مُلَقَّبُ ... بِبُوعٍ فَخُذْ بِالْعِلْمِ وَاحْذَرْ مِنْ الْغَلَطِ
قَوْلُهُ: (فَإِنْ شَكَّ فِي طُهْرِهِمَا) أَيْ كُلِّهِمَا، فَإِنْ شَكَّ فِي طُهْرِ الْبَعْضِ تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهِ فَقَطْ سَمِّ. قَالَ م ر: خَرَجَ بِقَوْلِهِ فِي طُهْرِهِمَا مَنْ تَيَقَّنَ نَجَاسَتَهُمَا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ غَمْسُهُمَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ كَرَاهَةِ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ حُصُولُ تَنَجُّسِ مَا كَانَ طَاهِرًا مِنْ بَدَنِهِ بِإِدْخَالِهِمَا الْمَذْكُورِ بِخِلَافِ الْبَوْلِ.
قَوْلُهُ: (أَحَدُكُمْ) أَضَافَهُ إلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ خَاصٌّ بِهِمْ، وَلَا يَتَنَاوَلُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ عَيْنَهُ تَنَامُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا) ، وَإِنَّمَا «أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا قَبْلَ الْغَمْسِ» ، وَإِنْ كَانَتْ الْيَدُ تَطْهُرُ بِالْمَرَّةِ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ عَلَى الْيَدِ عِبَادَاتٌ إحْدَاهَا الْغَسْلُ مِنْ تَوَهُّمِ النَّجَاسَةِ، وَالْأُخْرَى الْغَسْلُ قَبْلَ الْغَمْسِ لِأَجْلِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ، وَإِنْ تَحَقَّقَ طَهَارَةُ يَدِهِ، وَالْغَسْلَةُ الثَّالِثَةُ لِطَلَبِ الْإِيتَارِ، فَإِنَّ تَثْلِيثَ الْغَسْلِ مُسْتَحَبٌّ. اهـ مِنْ رِسَالَةِ ابْنِ الْعِمَادِ فِي نِيَّةِ الِاغْتِرَافِ.
فَرْعٌ: لَوْ تَرَدَّدَ فِي نَجَاسَةٍ مُخَفَّفَةٍ هَلْ يُكْتَفَى فِيهَا بِالرَّشِّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهَا ثَلَاثًا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَوْجَهُ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ الرَّشُّ فِيهَا كَافِيًا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ كَمَا قَالَهُ ع ش عَلَى م ر. وَاسْتَوْجَهَ سم الْأَوَّلَ. اهـ. قَالَ اج: وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ إذْ هَذِهِ الْغَسَلَاتُ الثَّلَاثُ هِيَ الْمَطْلُوبَةُ لِلْوُضُوءِ، وَقَدْ شُرِطَ السَّيَلَانُ فِي كُلِّ عُضْوٍ طُلِبَ غَسْلُهُ وُجُوبًا فِي الْوَاجِبِ وَنَدْبًا فِي الْمَنْدُوبِ، نَعَمْ يَظْهَرُ مَا قَالَهُ سم فِيمَا إذَا أَرَادَ غَيْرَ الْوُضُوءِ كَإِدْخَالِ يَدَيْهِ فِي نَحْوِ مَائِعٍ فَتَأَمَّلْ. اهـ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَلَوْ تَيَقَّنَ النَّجَاسَةَ وَشَكَّ أَهِيَ مُخَفَّفَةٌ أَوْ مُتَوَسِّطَةٌ أَوْ مُغَلَّظَةٌ؟ فَمَا الَّذِي يَأْخُذُ بِهِ الَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْدِيرُهَا مُخَفَّفَةً؛ لِأَنَّ الرَّشَّ فِيهَا رُخْصَةٌ وَهِيَ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ سَبَبِهَا، وَحِينَئِذٍ فَهَلْ تُجْعَلُ مُتَوَسِّطَةً؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الزِّيَادَةِ الَّتِي يَقْتَضِيهَا التَّغْلِيظُ أَوْ مُغَلَّظَةً؛ لِأَنَّهُ الْأَحْوَطُ؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ الْأَوَّلُ أَيْ حَمْلًا عَلَى الْأَغْلَبِ إذْ الْأَغْلَبُ فِي الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ أَنْ تَكُونَ مِنْ قِسْمِ الْمُتَوَسِّطَةِ فَيَكْفِي فِيهَا مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ كَالْمُخَفَّفَةِ.
قَوْلُهُ: «فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» أَيْ صَارَتْ سَوَاءً كَانَ النَّوْمُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَلَعَلَّهَا وَقَعَتْ عَلَى نَجَاسَةٍ مِنْ جِرَاحَةٍ أَوْ مَحَلِّ اسْتِنْجَاءٍ بِحَجَرٍ مَعَ رُطُوبَتِهَا مِنْ نَحْوِ عَرَقٍ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ عَلِمَ طَهَارَتَهَا بِلَفِّ شَيْءٍ عَلَيْهَا وَوَجَدَهَا كَذَلِكَ لَمْ يُكْرَهْ لَهُ الْغَمْسُ، نَعَمْ لَيْسَ الْمَبِيتُ وَلَا النَّوْمُ قَيْدًا بَلْ الْمَدَارُ عَلَى عَدَمِ تَيَقُّنِ طُهْرِهِمَا فَيَشْمَلُ التَّرَدُّدَ فِيهِ وَنَوْمَ النَّهَارِ. قَالَ الْحَافِظُ وَغَيْرُهُ: يَنْبَغِي عِنْدَ سَمَاعِ أَقْوَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَلَقِّيهَا بِالْقَبُولِ وَدَفْعِ الْخَوَاطِرِ الرَّدِيئَةِ عَنْ نَفْسِهِ، كَمَا وَقَعَ لِمَنْ شَكَّ فِي هَذَا وَكَانَ مِنْ