للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ إلَّا لَفْظَ ثَلَاثًا؛ فَلِمُسْلِمٍ فَقَطْ، أَشَارَ بِمَا عَلَّلَ بِهِ فِيهِ إلَى احْتِمَالِ نَجَاسَةِ الْيَدِ فِي النَّوْمِ كَأَنْ تَقَعَ عَلَى مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِهِ فَيَحْصُلُ لَهُمْ التَّرَدُّدُ، وَعَلَى هَذَا حُمِلَ الْحَدِيثُ لَا عَلَى مُطْلَقِ النَّوْمِ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ الْمُرَادَ فَمَنْ لَمْ يَنَمْ وَاحْتُمِلَ نَجَاسَةُ يَدِهِ كَانَ فِي مَعْنَى النَّائِمِ، وَهَذِهِ الْغَسَلَاتُ الثَّلَاثُ هِيَ الْمَنْدُوبَةُ أَوَّلَ الْوُضُوءِ، لَكِنْ نُدِبَ تَقْدِيمُهَا عِنْدَ الشَّكِّ عَلَى غَمْسِ يَدِهِ وَلَا تَزُولُ الْكَرَاهَةُ إلَّا بِغَسْلِهِمَا ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ إذَا غَيَّا حُكْمًا بِغَايَةٍ فَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ عُهْدَتِهِ بِاسْتِيفَائِهَا، فَسَقَطَ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي زَوَالُ الْكَرَاهَةِ بِوَاحِدَةٍ لِتَيَقُّنِ الطُّهْرِ بِهَا كَمَا لَا كَرَاهَةَ إذَا تَيَقَّنَ طُهْرَهُمَا ابْتِدَاءً، وَمِنْ هُنَا يُؤْخَذُ مَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ تَيَقُّنِ طُهْرِهِمَا إذَا كَانَ مُسْتَنِدًا لِيَقِينٍ غَسَلَهُمَا ثَلَاثًا، فَلَوْ غَسَلَهُمَا فِيمَا مَضَى مِنْ نَجَاسَةِ مُتَيَقَّنَةٍ أَوْ مَشْكُوكَةٍ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْيَهُودِ فَأَصْبَحَ وَيَدُهُ فِي دُبُرِهِ، فَأَسْلَمَ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْحِفْظَ مِنْ ذَلِكَ اهـ. رَحْمَانِيٌّ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ أَيْضًا: وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا وُجِدَ فِي زَمَانِنَا وَتَوَاتَرَتْ الْأَخْبَارُ بِهِ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُسِيءُ الِاعْتِقَادَ فِي أَهْلِ الْخَيْرِ وَابْنُهُ يَعْتَقِدُهُمْ، فَجَاءَ مِنْ عِنْدِ شَيْخٍ صَالِحٍ وَمَعَهُ مِسْوَاكٌ فَقَالَ لَهُ مُسْتَهْزِئًا: أَعْطَاك شَيْخُك هَذَا الْمِسْوَاكَ، فَأَخَذَهُ وَأَدْخَلَهُ فِي دُبُرِهِ أَيْ دُبُرِ نَفْسِهِ اسْتِحْقَارًا لَهُ فَبَقِيَ مُدَّةً ثُمَّ وَلَدَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي اسْتَدْخَلَ السِّوَاكَ جَرْوًا قَرِيبَ الشَّبَهِ بِالسَّمَكَةِ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ مَاتَ الرَّجُلُ حَالًا أَوْ بَعْدَ يَوْمَيْنِ ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (لَا عَلَى مُطْلَقِ النَّوْمِ) أَيْ الَّذِي لَا تَرَدُّدَ مَعَهُ، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْحَدِيثَ دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ أَيْ بِالنَّوْمِ الَّذِي مَعَهُ تَرَدُّدٌ. وَقَوْلُهُ بَعْدُ: وَإِذَا كَانَ هَذَا. . . إلَخْ. أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ اسْتَنْبَطَ مِنْهُ مَعْنًى عَمَّمَهُ فَقَدْ دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ وَالتَّعْمِيمُ.

قَوْلُهُ: (هِيَ الْمَنْدُوبَةُ أَوَّلَ الْوُضُوءِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ زِيَادَةٌ عَلَى الثَّلَاثِ بَلْ هِيَ كَافِيَةٌ لِلنَّجَاسَةِ الْمَشْكُوكَةِ وَسُنَّةِ الْوُضُوءِ، وَقِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي الْغَسْلِ عَنْ الرَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَكْفِي لِلْحَدَثِ وَالنَّجِسِ غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ هُنَا سِتُّ غَسَلَاتٍ، وَإِنْ كَفَتْ الثَّلَاثِ فِي أَصْلِ السُّنَّةِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ الِاكْتِفَاءُ بِالثَّلَاثِ هُنَا مِنْ حَيْثُ الطَّهَارَةُ لَا مِنْ حَيْثُ كَرَاهَةُ الْغَمْسِ قَبْلَ الطَّهَارَةِ ثَلَاثًا اهـ. ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (إلَّا بِغَسْلِهِمَا ثَلَاثًا) أَيْ إذَا كَانَ الشَّكُّ فِي نَجَاسَةٍ غَيْرِ مُغَلَّظَةٍ، فَإِنْ كَانَ الشَّكُّ فِيهَا فَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْكَرَاهَةِ إلَّا بِغَسْلِهِمَا سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِتُرَابٍ طَهُورٍ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الشَّارِعَ إذَا غَيَّا حُكْمًا) الْحُكْمُ هُنَا كَرَاهَةُ الْغَمْسِ، وَالْغَايَةُ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا» . وَقَوْلُهُ: (فَإِنَّمَا يَخْرُجُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ هَذَا وَاضِحٌ حَيْثُ لَمْ يُعَلِّلْهُ، وَهُنَا قَدْ عَلَّلَهُ بِمَا يَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي إلَخْ الدَّالُّ عَلَى احْتِمَالِ نَجَاسَةِ الْيَدِ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ يَزُولُ بِمَرَّةٍ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّا لَوْ عَمِلْنَا بِذَلِكَ الْمُقْتَضِي لَزِمَ عَلَيْهِ اسْتِنْبَاطُ مَعْنًى مِنْ النَّصِّ يَعُودُ عَلَيْهِ بِالْإِبْطَالِ؛ لِأَنَّ اسْتِنْبَاطَ الِاكْتِفَاءِ بِمَرَّةٍ يُبْطِلُ قَوْلَهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا» اهـ. ع ش. وَفِيهِ أَنَّهُمْ نَظَرُوا لِلتَّعْلِيلِ فِي صُورَةِ الشَّكِّ فِي نَجَاسَةٍ مُغَلَّظَةٍ حِينَ حَكَمُوا بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لَا تَزُولُ إلَّا بِسَبْعٍ مَعَ التَّتْرِيبِ قَبْلَ إدْخَالِ الْكَفَّيْنِ الْإِنَاءَ، فَقَدْ اسْتَنْبَطُوا مِنْ النَّصِّ مَعْنًى أَبْطَلَهُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَ فِي ذَلِكَ الِاسْتِنْبَاطِ اسْتِيفَاءُ مَا غَيَّا بِهِ الشَّارِعُ مَعَ زِيَادَةٍ فِيهَا احْتِيَاطٌ فَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ إبْطَالٌ، صَحَّ هَذَا الِاسْتِنْبَاطُ وَعُوِّلَ عَلَيْهِ، وَبِذَلِكَ يُعْلَمُ تَرْجِيحُ الرَّشِّ ثَلَاثًا فِي النَّجَاسَةِ الْمُخَفَّفَةِ كَمَا ذَكَرَهُ سم خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ ع ش مِنْ غَسْلِهِمَا ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ اسْتِنْبَاطُ مَعْنًى مِنْ النَّصِّ يُبْطِلُهُ بِالْمَرَّةِ، وَلَمْ يُوجَدْ احْتِيَاطٌ فِي الْغَسْلِ ثَلَاثًا عَنْ الرَّشِّ ثَلَاثًا لِتَسَاوِي الْغَسْلِ وَالرَّشِّ فِي إزَالَةِ الْمُخَفَّفَةِ فَحَرِّرْ، لَكِنْ رَأَيْتُ فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي فِي بَابِ النَّجَاسَةِ سُنَّ الْغَسْلُ مَرَّتَيْنِ بَعْدَ الرَّشِّ فِي الْمُخَفَّفَةِ إلَّا أَنَّ هَذَا فِي النَّجَاسَةِ الْمُخَفَّفَةِ، وَأَمَّا الشُّكُوكُ فِيهَا فَلَا يَتَوَقَّفُ الْخُرُوجُ مِنْ عُهْدَةِ الْكَرَاهَةِ مِنْهَا عَلَى الْغَسْلِ، بَلْ يَكْفِي الرَّشُّ ثَلَاثًا فِي الْخُرُوجِ مِنْهَا كَمَا ذَكَرَهُ سم. اهـ مِنْ خَطِّ ح ف.

قَوْلُهُ: (فَإِنَّمَا يُخْرَجُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَفِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ فَإِنَّمَا يَخْرُجُ الْمُكَلَّفُ لِلْفَاعِلِ وَقَوْلُهُ: (بِاسْتِيفَائِهَا) بِالْفَاءِ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِاسْتِيعَابِهَا بِالْعَيْنِ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ بَرْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَمِنْ هُنَا إلَخْ) أَيْ مِنْ قَوْلِنَا إنَّ الشَّارِعَ إذَا غَيَّا إلَخْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>