الشَّرْعَ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ فَوَجَبَ فِيهِ حُكُومَةٌ وَكَذَا يَجِبُ فِي تَعْوِيجِ الرَّقَبَةِ وَالْوَجْهِ وَتَسْوِيدِهِ، وَفِي حَلَمَتَيْ الرَّجُلِ وَالْخُنْثَى.
وَأَمَّا حَلَمَتَا الْمَرْأَةِ فَفِيهِمَا دِيَتُهُمَا لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْإِرْضَاعِ وَجَمَالَ الثَّدْيِ بِهِمَا كَمَنْفَعَةِ الْيَدَيْنِ وَجَمَالِهِمَا بِالْأَصَابِعِ، وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُهَا وَالْحَلَمَةُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ الْمُجْتَمَعُ النَّاتِئُ عَلَى رَأْسِ الثَّدْيِ
تَنْبِيهٌ لَوْ ضَرَبَ ثَدْيَ امْرَأَةٍ فَشَلَّ بِفَتْحِ الشِّينِ وَجَبَتْ دِيَتُهُ
وَإِنْ اسْتَرْسَلَ فَحُكُومَةٌ لِأَنَّ الْفَائِتَ مُجَرَّدُ جَمَالٍ وَإِنْ ضَرَبَ ثَدْيَ خُنْثَى فَاسْتَرْسَلَ لَمْ يَجِبْ فِيهِ حُكُومَةٌ حَتَّى يَتَبَيَّنَ كَوْنُهُ امْرَأَةً لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ رَجُلًا فَلَا يَلْحَقُهُ نَقْصٌ بِالِاسْتِرْسَالِ
وَلَا يَفُوتُهُ جَمَالٌ فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ امْرَأَةٌ وَجَبَتْ الْحُكُومَةُ وَالْحُكُومَةُ جُزْءٌ مِنْ الدِّيَةِ نِسْبَتُهُ إلَى دِيَةِ النَّفْسِ نِسْبَةُ نَقْصِ الْجِنَايَةِ مِنْ قِيمَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ رَقِيقًا بِصِفَاتِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا
مِثَالُهُ جَرَحَ يَدَهُ فَيُقَالُ كَمْ قِيمَةُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِصِفَاتِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ جِنَايَةٍ لَوْ كَانَ رَقِيقًا فَإِذَا قِيلَ مِائَةٌ فَيُقَالُ كَمْ قِيمَتُهُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ فَإِذَا قِيلَ تِسْعُونَ فَالتَّفَاوُتُ الْعُشْرُ فَيَجِبُ عُشْرُ دِيَةِ النَّفْسِ وَهِيَ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ إذَا كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ حُرًّا ذَكَرًا مُسْلِمًا لِأَنَّ الْجُمْلَةَ مَضْمُونَةٌ بِالدِّيَةِ فَتُضْمَنُ الْأَجْزَاءُ بِجُزْءٍ مِنْهَا كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ عَيْبِ الْمَبِيعِ
تَنْبِيهٌ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَخَلَّ بِتَرْتِيبِ صُوَرِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْ الْأَوَّلِ أَعْنِي إبَانَةَ الْأَطْرَافِ ذَكَرَ الثَّانِيَ أَعْنِي الْمَنَافِعَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْأَوَّلِ ثُمَّ ذَكَرَ الثَّالِثَ أَعْنِي الْجِرَاحَةَ ثُمَّ خَتَمَ بِالسِّنِّ الَّذِي هُوَ مِنْ جُمْلَةِ صُوَرِ الْأَوَّلِ
وَكَانَ حَقُّ التَّرْتِيبِ الْوَضْعِيِّ ذِكْرَ الْأَوَّلِ عَلَى نَسَقٍ إلَّا أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ سَهْلٌ ثُمَّ إنَّهُ اقْتَصَرَ فِي الْأَوَّلِ عَلَى إيرَادِ إحْدَى عَشْرَةَ صُورَةً وَأَهْمَلَ مِنْ صُوَرِهِ سِتَّةً وَفِي الثَّانِي عَلَى خَمْسَةٍ وَأَهْمَلَ مِنْ صُوَرِهِ تِسْعَةً كَمَا أَوْضَحْته كُلَّهُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ
(وَدِيَةُ الْعَبْدِ) أَيْ وَالْجِنَايَةُ عَلَى نَفْسِ الرَّقِيقِ الْمَعْصُومِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَلَوْ مُدَبَّرًا، أَوْ مُكَاتَبًا، أَوْ أُمَّ وَلَدٍ (قِيمَتُهُ) بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا أَمْ خَطَأً؟ وَإِنْ زَادَتْ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الْمُتْلَفَةِ وَلَوْ عَبَّرَ بِالْقِيمَةِ بَدَلَ الدِّيَةِ لَكَانَ أَوْلَى فَيَقُولُ: وَفِي الْعَبْدِ قِيمَتُهُ لِمَا سَبَقَ فِي تَعْرِيفِ الدِّيَةِ أَوَّلَ الْفَصْلِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي قِيمَتِهِ التَّغْلِيظُ.
أَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلَا ضَمَانَ فِي إتْلَافِهِ قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَلَيْسَ لَنَا شَيْءٌ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا يَجِبُ فِي إتْلَافِهِ شَيْءٌ سِوَاهُ، وَيَجِبُ فِي إتْلَافِ غَيْرِ نَفْسِ الرَّقِيقِ مِنْ أَطْرَافِهِ وَلِطَائِفِهِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ سَلِيمًا، إنْ لَمْ يَتَقَدَّرْ ذَلِكَ الْغَيْرُ مِنْ الْحُرِّ وَلَمْ يَتْبَعْ مُقَدَّرًا وَلَا يَبْلُغُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْجِنَايَةِ الَّتِي لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْجِنَايَةِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ، وَإِعْرَابُ الْمَتْنِ " فِي كُلِّ عُضْوٍ " خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَ " حُكُومَةٌ " مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ فَقَدَّرَ الشَّارِحُ فِعْلًا وَجَعَلَ " حُكُومَةٌ " فَاعِلًا لَهُ فَأَخْرَجَ الْمَتْنَ عَنْ نَوْعِ إعْرَابِهِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَعِيبٍ فَلَا اعْتِرَاضَ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْعُضْوِ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَأَمَّا حَلَمَتَا الْمَرْأَةِ) بِالْأَلِفِ فِي صِحَاحِ النُّسَخِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، قَوْلُهُ: (النَّاتِئُ) أَيْ الْبَارِزُ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ اسْتَرْسَلَ) أَيْ اسْتَرْخَى عَلَى صَدْرِهَا بِأَنْ كَانَ قَبْلَ الضَّرْبِ غَيْرَ مُسْتَرْخٍ كَأَنْ كَانَ مِثْلَ الرُّمَّانَةِ.
قَوْلُهُ: (مُجَرَّدُ جَمَالٍ) ، لِأَنَّ الْجَمَالَ فِي غَيْرِ الْمُسْتَرْسِلِ دُونَ الْمُسْتَرْسِلِ وَالنَّاسُ مُخْتَلِفُونَ فِيمَا يَسْتَحِبُّونَ مِنْ صِغَرِ الثَّدْيِ وَكِبَرِهِ.
قَوْلُهُ: (جُزْءٌ مِنْ الدِّيَةِ) فَالْوَاجِبُ مِنْ الدِّيَةِ التَّقْوِيمُ بِالنَّقْدِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ عَادَ إلَى الْأَوَّلِ) أَيْ بِقَوْلِهِ: وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ.
قَوْلُهُ: (إحْدَى عَشْرَةَ) وَهِيَ الْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَالْأُذُنَانِ وَالْعَيْنَانِ وَالْجُفُونُ وَالْأَنْفُ وَاللِّسَانُ وَالشَّفَتَانِ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَيَانِ وَالْأَسْنَانُ وَأَهْمَلَ مِنْ صُوَرِهِ سِتَّةً، وَهِيَ اللَّحْيَانِ وَالْحَلَمَتَانِ وَالْأَلْيَانِ وَالشُّفْرَانِ وَالْجِلْدُ وَالْأَنَامِلُ وَقَوْلُهُ: عَلَى خَمْسَةٍ وَهِيَ الْكَلَامُ وَالْبَصَرُ وَالسَّمْعُ وَالشَّمُّ وَالْعَقْلُ وَأَهْمَلَ مِنْ صُوَرِهِ تِسْعَةً، وَهِيَ الذَّوْقُ وَالْمَضْغُ وَالْجِمَاعُ وَقُوَّةُ الْإِمْنَاءِ وَقُوَّةُ الْحَبَلِ وَالْإِفْضَاءِ وَالْبَطْشِ وَالْمَشْيِ وَالصَّوْتِ
قَوْلُهُ: (أَيْ وَالْجِنَايَةُ) أَيْ وَوَاجِبُ الْجِنَايَةِ، وَإِطْلَاقُ الدِّيَةِ عَلَى الْقِيمَةِ مَجَازٌ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِي مُقَابَلَةِ النَّفْسِ وَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ وَدِيَةُ جِنَايَةِ الْعَبْدِ أَيْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (أَمَّا الْمُرْتَدُّ) أَيْ الْعَبْدُ الْمُرْتَدُّ فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ كَانَ يُبَاعُ.
قَوْلُهُ: (بَيْعُهُ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَتْبَعْ مُقَدَّرًا) لَيْسَ