بَلَدٍ كَبِيرٍ وَلَا يُعْرَفُ قَاتِلُهُ، وَلَا بَيِّنَةَ بِقَتْلِهِ، أَوْ فِي قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ لِأَعْدَائِهِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعَدَاوَةُ الدِّينِيَّةُ وَالدُّنْيَوِيَّةُ، إذَا كَانَتْ تَبْعَثُ عَلَى الِانْتِقَامِ بِالْقَتْلِ، أَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ وَقَدْ تَفَرَّقَ عَنْهُ جَمْعٌ، كَأَنْ ازْدَحَمُوا عَلَى بِئْرٍ، أَوْ بَابِ الْكَعْبَةِ ثُمَّ تَفَرَّقُوا عَنْ قَتِيلٍ.
(حُلِّفَ الْمُدَّعِي) بِكَسْرِ الْعَيْنِ عَلَى قَتْلٍ ادَّعَاهُ لِنَفْسٍ وَلَوْ نَاقِصَةً كَامْرَأَةٍ وَذِمِّيٍّ. (خَمْسِينَ يَمِينًا) لِثُبُوتِ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: قَتَلَنِي فُلَانٌ، أَوْ جَرَحَنِي أَوْ دَمِي عِنْدَهُ لِاحْتِمَالِ إرَادَةِ ضَرَرِهِ لِعَدَاوَةٍ مَعَ خَطَرِ الْقَتْلِ، وَبِذَلِكَ فَارَقَ صِحَّةَ إقْرَارِهِ بِالْمَالِ وَنَحْوِهِ وَلَوْ لِوَارِثٍ، ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَقَوْلُهُ: قَتَلَنِي فُلَانٌ إلَخْ خِلَافًا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ قَالَ: لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يُكْذَبُ فِيهَا وَفِي ع ش عَلَى م ر وَلَيْسَ مِنْ اللَّوْثِ مَا لَوْ وُجِدَ مَعَهُ ثِيَابُ الْقَتِيلِ وَلَوْ كَانَتْ مُلَطَّخَةً بِالدَّمِ اهـ.
قَوْلُهُ: (إذَا تَحَقَّقَ مَوْتُهُ) قَيْدٌ فِي الْبَعْضِ ق ل فَهُوَ فِي مَعْنَى التَّقْيِيدِ بِكَوْنِ ذَلِكَ الْبَعْضِ مِمَّا لَا يَعِيشُ بِدُونِهِ كَالرَّأْسِ كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ وَهَذَا بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ قَوْلِ الشَّارِحِ كَرَأْسِهِ وَإِلَّا فَوُجُودُ الرَّأْسِ تَحْقِيقٌ لِلْقَتْلِ وَلَوْ وُجِدَ بَعْضُهُ فِي مَحَلَّةٍ وَبَعْضُهُ فِي أُخْرَى فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُعَيِّنَ وَيُقْسِمَ زي.
قَوْلُهُ: (فِي مَحَلَّةٍ) أَيْ حَارَةٍ مُنْفَصِلَةٍ أَيْ فَيَكُونُ لَوْثًا فِي حَقِّ أَهْلِ هَذِهِ الْمَحَلَّةِ فَقَطْ وَكَذَا قَوْلُهُ، أَوْ فِي قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ تَكُونُ لَوْثًا فِي حَقِّ أَهْلِ الْقَرْيَةِ كُلِّهِمْ وَقَوْلُهُ: " مُنْفَصِلَةٍ " قَيْدٌ مُعْتَبَرٌ قَيَّدَ بِهِ لِيَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَحْصُورًا.
قَوْلُهُ: (عَنْ بَلَدٍ كَبِيرٍ) الْمُرَادُ بِالْكَبِيرِ مَا لَيْسَ أَهْلُهَا مَحْصُورِينَ وَالصَّغِيرَةِ مَا أَهْلُهَا مَحْصُورُونَ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ: كَبِيرًا لِيُلَائِمَ قَوْلَهُ " مُنْفَصِلَةٍ ".
قَوْلُهُ: (أَوْ فِي قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ) أَيْ وَلَمْ يُسَاكِنْهُمْ غَيْرُهُمْ كَمَا صَحَّحَهُ. فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (لِأَعْدَائِهِ) رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ أَيْ لِمَحَلَّةٍ أَوْ قَرْيَةٍ وَهَذَا يَقْتَضِي اعْتِبَارُ عَدَاوَتِهِمْ لِلْقَتِيلِ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ يَكْفِي أَنْ يَكُونُوا أَعْدَاءً لِقَبِيلَتِهِ قَالَ: ع ش. وَكَأَعْدَائِهِ أَعْدَاءٌ لِأَوْلِيَائِهِ.
قَوْلُهُ: (إذَا كَانَتْ) يَرْجِعُ لِكُلٍّ مِنْ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ وَاحْتَرَزَ بِهِ فِي الدِّينِيَّةِ عَنْ مُجَرَّدِ فِسْقٍ. قَوْلُهُ: (جَمْعٌ) أَيْ مَحْصُورُونَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْمِثَالُ الَّذِي ذَكَرَهُ ق ل فَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مَحْصُورِينَ فَلَا قَسَامَةَ نَعَمْ إنْ ادَّعَى عَلَى عَدَدٍ مِنْهُمْ مَحْصُورِينَ مُكِّنَ مِنْ الدَّعْوَى وَالْقَسَامَةِ وَفِي ع ش عَلَى م ر: وَالْمُرَادُ بِالْمَحْصُورِينَ مَنْ يَسْهُلُ عَدُّهُمْ وَالْإِحَاطَةُ بِهِمْ إذَا وَقَفُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ وَبِغَيْرِ الْمَحْصُورِينَ مَنْ يَعْسُرُ عَدُّهُمْ كَذَلِكَ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ نَاقِصَةً) أَيْ مِنْ جِهَةِ الدِّيَةِ لَا مِنْ جِهَةِ الْقِصَاصِ فِي الْمَرْأَةِ، وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَإِنَّهُ نَاقِصٌ مِنْ الْجِهَتَيْنِ.
قَوْلُهُ: (خَمْسِينَ يَمِينًا) وَلَوْ فِي قَتْلِ نَحْوِ امْرَأَةٍ، أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ جَنِينٍ وَيُبَيِّنُ فِي كُلِّ يَمِينٍ مِنْهَا صِفَةَ الْقَتْلِ. وَيُشِيرُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ حُضُورِهِ فَيَقُولُ: وَاَللَّهِ إنَّ هَذَا قَتَلَ ابْنِي مَثَلًا عَمْدًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، أَوْ خَطَأً مُنْفَرِدًا، أَوْ مَعَ غَيْرِهِ، وَيَرْفَعُ نَسَبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ غَيْبَتِهِ، أَوْ يُعَرِّفُهُ بِمَا يَمْتَازُ بِهِ مِنْ قَبِيلَةٍ، أَوْ حِرْفَةٍ أَوْ لَقَبٍ اهـ. ز ي.
قَالَ: م ر: وَلَعَلَّ حِكْمَةَ الْخَمْسِينَ أَنَّ الدِّيَةَ تُقَوَّمُ بِأَلْفِ دِينَارٍ غَالِبًا وَلِذَا أَوْجَبَهَا الْقَدِيمُ وَالْقَصْدُ مِنْ تَعَدُّدِ الْأَيْمَانِ التَّغْلِيظُ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ فِي عِشْرِينَ دِينَارًا فَاقْتَضَى الِاحْتِيَاطُ لِلنَّفْسِ أَنْ يُقَابَلَ كُلُّ عِشْرِينَ مِنْ الْأَلْفِ بِيَمِينٍ مُنْفَرِدَةٍ كَمَا يَقْتَضِيهِ التَّغْلِيظُ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَفِي هَذِهِ الْحِكْمَةِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ لِأَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَّ دِيَةَ الْكَافِرِ عَلَى الثُّلُثِ مِنْهُ، أَوْ أَقَلَّ، وَأَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ الْكَافِرَةِ عَلَى قَدْرِ السُّدُسِ مِنْهُ، أَوْ أَقَلَّ وَأَنَّ الْغُرَّةَ عَلَى نِصْفِ الْعُشْرِ مِنْهُ، وَقِيمَةُ الرَّقِيقِ قَدْ لَا تَفِي بِهِ، أَوْ أَنَّهَا تَزِيدُ عَلَى الدِّيَةِ وَأَنَّ الْأَيْمَانَ هُنَا وَاجِبَةٌ، وَأَنَّ التَّغْلِيظَ يَكُونُ بِأَيْمَانٍ مُسْتَقِلَّةٍ لِغِلَظِ أَمْرِ الْقَتْلِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْحِكْمَةَ بِالنِّسْبَةِ لِدِيَةِ الْكَامِلِ اهـ.
قَوْلُهُ: (لِثُبُوتِ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ) لَفْظُهُ كَمَا فِي الدَّمِيرِيِّ. وَالْأَصْلُ فِيهَا مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ قَالَ: «انْطَلَقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ إلَى خَيْبَرَ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ صُلْحٌ فَتَفَرَّقَا فَأَتَى مُحَيِّصَةُ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ وَهُوَ يَشْخَبُ دَمُهُ قَتِيلًا فَدَفَنَهُ، ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَحُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ فَقَالَ لَهُ: كَبِّرْ كَبِّرْ وَهُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ ثُمَّ سَكَتَ فَتَكَلَّمَا فَقَالَ أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ؟ قَالُوا: كَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ وَلَمْ نَرَ قَالَ فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ خَيْبَرَ بِخَمْسِينَ يَمِينًا؟ قَالُوا كَيْفَ نَأْخُذُ بِأَيْمَانِ قَوْمٍ كُفَّارٍ؟ فَعَقَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عِنْدِهِ» اهـ.
وَقَوْلُهُ: فَتُبْرِئُكُمْ أَيْ مِنْ دَعْوَاكُمْ، وَإِلَّا فَالْحَقُّ لَيْسَ فِي جِهَتِهِمْ مَعَ كُفْرِهِمْ الْمُؤَيِّدِ لِكَذِبِهِمْ، وَلَمْ