للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَلَدٌ مِنْ بَلَدِ الزِّنَا تَنْكِيلًا وَإِبْعَادًا عَنْ مَوْضِعِ الْفَاحِشَةِ إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ، لِأَنَّ الْقَصْدَ إيحَاشُهُ وَعُقُوبَتُهُ وَعَوْدُهُ إلَى وَطَنِهِ يَأْبَاهُ.

وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَلَدِهِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَمَا فَوْقَهَا لِيَحْصُلَ مَا ذُكِرَ فَإِنْ عَادَ إلَى بَلَدِهِ الْأَصْلِيِّ مُنِعَ مِنْهُ مُعَارَضَةً لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي شُرُوطِ الْإِحْصَانِ فِي الزِّنَا فَقَالَ: (وَشَرَائِطُ الْإِحْصَانِ أَرْبَعَةٌ) الْأَوَّلُ (الْبُلُوغُ وَ) الثَّانِي (الْعَقْلُ) فَلَا حَصَانَةَ لِصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ لِعَدَمِ الْحَدِّ عَلَيْهِمَا، لَكِنْ يُؤَدَّبَانِ بِمَا يَزْجُرُهُمَا كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ.

تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ اعْتِبَارِ التَّكْلِيفِ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَخْصَرَ فِي الْإِحْصَانِ صَحِيحٌ. إلَّا أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ لَا يَخْتَصُّ بِالْإِحْصَانِ بَلْ هُوَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْحَدِّ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. وَالْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ كَالْمُكَلَّفِ. (وَ) الثَّالِثُ (الْحُرِّيَّةُ) . فَالرَّقِيقُ: لَيْسَ بِمُحْصَنٍ، وَلَوْ مُكَاتَبًا وَمُبَعَّضًا وَمُسْتَوْلَدَةً، لِأَنَّهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ، وَالرَّجْمُ لَا نِصْفَ لَهُ وَلَوْ كَانَ ذِمِّيًّا، أَوْ مُرْتَدًّا: «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَمَ الْيَهُودِيَّيْنِ» كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، زَادَ أَبُو دَاوُد: «وَكَانَا قَدْ أُحْصِنَا» .

تَنْبِيهٌ: عَقْدُ الذِّمَّةِ شَرْطٌ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى الذِّمِّيِّ لَا لِكَوْنِهِ مُحْصَنًا، فَلَوْ غَيَّبَ حَرْبِيٌّ حَشَفَتَهُ فِي نِكَاحٍ وَصَحَّحْنَا أَنْكِحَةَ الْكُفَّارِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، فَهُوَ مُحْصَنٌ حَتَّى لَوْ عُقِدَتْ لَهُ ذِمَّةٌ فَزَنَى رُجِمَ وَمِثْلُ الذِّمِّيِّ الْمُرْتَدُّ وَخَرَجَ بِهِ الْمُسْتَأْمَنُ فَإِنَّا

ــ

[حاشية البجيرمي]

يُغَرَّبُ وَإِنْ زَنَى وَهُوَ مُسَافِرٌ غُرِّبَ إلَى غَيْرِ مَقْصِدِهِ، وَإِنْ زَنَى فِي الْبَلَدِ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهَا انْتَقَلَ مِنْهَا إلَى مَحَلٍّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَحَلِّ الزِّنَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَكَذَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَلَدِهِ الْأَصْلِيِّ. وَعِبَارَةُ م ر وَلَوْ زَنَى فِيمَا غُرِّبَ إلَيْهِ غُرِّبَ لِغَيْرِهِ بَعِيدًا عَنْ وَطَنِهِ وَمَحَلِّ زِنَاهُ. قَوْلُهُ: (الْبَلَدُ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ) أَيْ أَوَّلًا.

قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَلَدِهِ) وَكَذَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَلَدِ الَّذِي زَنَى بِهَا أَخْذًا مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ السَّابِقِ وَيُغَرَّبُ مِنْ بَلَدِ الزِّنَا إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ اهـ م د.

قَوْلُهُ: (مُنِعَ مِنْهُ) وَيُسْتَأْنَفُ تَغْرِيبُهُ إنْ وَصَلَ إلَى دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْهُ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَشَرَائِطُ الْإِحْصَانِ) أَيْ إحْصَانِ حَدِّ الزِّنَا، وَأَمَّا إحْصَانُ حَدِّ الْقَذْفِ فَسَيَأْتِي أَنَّ شُرُوطَهُ خَمْسَةٌ: الْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْحُرِّيَّةُ وَعِفَّتُهُ عَنْ وَطْءٍ مُحَرَّمٍ مَمْلُوكَةً لَهُ وَعَنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ فِي دُبُرِهَا، وَإِلَّا بَطَلَتْ حَصَانَتُهُ. اهـ. م د. وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِحْصَانَ لَهُ فِي اللُّغَةِ مَعَانٍ مِنْهَا الْمَنْعُ نَحْوُ قَوْلِهِ {لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ} [الأنبياء: ٨٠] وَمِنْهَا الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ كَمَا فِي قَوْلِهِ {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ} [النساء: ٢٥] وَبِمَعْنَى الْحُرِّيَّةِ كَقَوْلِهِ {نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: ٢٥] وَبِمَعْنَى الْعِفَّةِ وَمِنْهُ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: ٤] وَبِمَعْنَى التَّزْوِيجِ وَمِنْهُ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ وَعَلَى الْوَطْءِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ مَعَ الشُّرُوطِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا.

قَوْلُهُ: (أَرْبَعَةٌ) أَيْ زِيَادَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهَا شُرُوطٌ عَامَّةٌ لِلْجَلْدِ وَالرَّجْمِ. قَوْلُهُ: (مِنْ اعْتِبَارِ التَّكْلِيفِ) فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يُعَبِّرْ بِهِ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ عَبَّرَ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَهُوَ الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ.

قَوْلُهُ: (فِي الْإِحْصَانِ) مُتَعَلِّقٌ بِاعْتِبَارِ.

قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ حَدَّ مُحْصَنٍ، أَوْ غَيْرِ مُحْصَنٍ.

قَوْلُهُ: (الْإِشَارَةُ إلَيْهِ) الْمُرَادُ بِهَا مُطْلَقُ الذِّكْرِ.

قَوْلُهُ: (الْحُرِّيَّةُ) أَيْ الْكَامِلَةُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ ذِمِّيًّا) غَايَةٌ فِي الْحُرِّيَّةِ. قَوْلُهُ: (عَلَى الذِّمِّيِّ) الْأَوْلَى عَلَى الْكَافِرِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ: عَقْدُ الذِّمَّةِ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ ذِمِّيًّا يَكُونُ عَقْدُ الذِّمَّةِ مَوْجُودًا فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِهِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: عَقْدُ الذِّمَّةِ إلَخْ مِنْ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ لَفْظَ الذِّمِّيِّ فِيهِ مَجَازُ الْأَوَّلِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا بَعْدَهُ أَيْ الْكَافِرُ الَّذِي يُؤَوَّلُ إلَى كَوْنِهِ ذِمِّيًّا.

قَوْلُهُ: (لَا لِكَوْنِهِ مُحْصَنًا) بَلْ يَكُونُ مُحْصَنًا وَإِنْ وَطِئَ حَالَ الْحِرَابَةِ فِي نِكَاحٍ. قَوْلُهُ: (حَتَّى لَوْ عُقِدَتْ لَهُ ذِمَّةٌ فَزَنَى) أَيْ بَعْدَ عَقْدِ الذِّمَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى حَالَ حِرَابَتِهِ فَلَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَلْتَزِمْ الْأَحْكَامَ وَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِإِسْلَامِ الذِّمِّيِّ الَّذِي زَنَى حَالَ ذِمِّيَّتِهِ.

قَوْلُهُ: (وَمِثْلُ الذِّمِّيِّ الْمُرْتَدُّ) أَيْ فَإِذَا وَطِئَ زَوْجَتَهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ ثُمَّ ارْتَدَّ وَزَنَى فَيُحَدُّ بِالرَّجْمِ فِي حَالِ الرِّدَّةِ اعْتِبَارًا بِحُصُولِ الْإِحْصَانِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>