وَاسْتَثْنَيْتُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلَ عَدِيدَةً مُهِمَّةً لَا يَحْتَمِلُهَا هَذَا الْمُخْتَصَرُ وَفِيمَا ذَكَرْتُهُ تَذْكِرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ.
تَتِمَّةٌ: لِلْإِمَامِ تَرْكُ تَعْزِيرٍ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِإِعْرَاضِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ جَمَاعَةٍ اسْتَحَقُّوهُ كَالْغَالِّ فِي الْغَنِيمَةِ، وَلَاوِي شِدْقِهِ فِي حُكْمِهِ لِلزُّبَيْرِ.
وَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ إنْ كَانَ لِآدَمِيٍّ عِنْدَ طَلَبِهِ كَالْقِصَاصِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْمُقْرِي وَيُعَزَّرُ مَنْ وَافَقَ الْكُفَّارَ فِي أَعْيَادِهِمْ، وَمَنْ يُمْسِكُ الْحَيَّةَ وَيَدْخُلُ النَّارَ، وَمَنْ قَالَ لِذِمِّيٍّ: يَا حَاجُّ، وَمَنْ يُسَمِّي زَائِرَ قُبُورِ الصَّالِحِينَ حَاجًّا.
وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ الْعَفْوُ عَنْ الْحَدِّ وَلَا تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فِيهِ. وَتُسَنُّ الشَّفَاعَةُ الْحَسَنَةُ إلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً} [النساء: ٨٥] الْآيَةَ وَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَتَاهُ طَالِبُ حَاجَةٍ أَقْبَلَ عَلَى جُلَسَائِهِ. وَقَالَ: اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا شَاءَ» .
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَإِنَّ صَاحِبَهُ يُعَزَّرُ بِالنَّفْيِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، وَقَوْلُهُ: مَعَ أَنَّهُ أَيْ التَّخَنُّثَ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّخَنُّثِ الْخِلْقِيِّ وَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا هُوَ أَيْ تَعْزِيرُهُ بِالنَّفْيِ فِعْلٌ لِلْمَصْلَحَةِ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَفْتَنَ النِّسَاءَ. قَوْلُهُ: (إنَّمَا هُوَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلتَّخَنُّثِ فَيَقْضِي أَنَّهُ بِاخْتِيَارِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِلنَّفْيِ وَالْمَصْلَحَةُ فِيهِ حِفْظُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ التَّعَلُّمِ مِنْهُ وَالتَّنَقُّلِ مِنْهُ فَفِي ذَلِكَ تَشْتِيتُ الضَّمَائِرِ
قَوْلُهُ: (لِإِعْرَاضِهِ) أَيْ لِشِدَّةِ حِلْمِهِ وَتَوْلِيعًا لِلنَّاسِ.
قَوْلُهُ: (كَالْغَالِّ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ الْخَائِنِ فِي الْغَنِيمَةِ وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ «إنَّمَا تَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَكَانَ قَدْ سَرَقَ شَمْلَةً» .
قَوْلُهُ: وَلَاوِي شِدْقِهِ بِكَسْرِ الْوَاوِ مِنْ الِالْتِوَاءِ وَالشِّدْقُ جَوَانِبُ الْفَمِ وَهُوَ بِكَسْرِ الشِّينِ وَفَتْحِهَا وَالْمَكْسُورَةُ يُجْمَعُ عَلَى أَشْدَاقٍ كَحِمْلٍ وَأَحْمَالٍ وَالْمَفْتُوحُ يُجْمَعُ عَلَى شُدُوقٍ كَفَلْسٍ وَفُلُوسٍ. اهـ. مِصْبَاحٌ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ «الزُّبَيْرَ تَخَاصَمَ مَعَ رَجُلٍ سَقَى أَرْضًا فَحَكَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلزُّبَيْرِ بِأَنْ يَسْقِيَ أَوَّلًا لِكَوْنِهِ أَحْيَا أَوَّلًا، فَقَالَ الْخَصْمُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مِنْ أَنْ تَعْلِيلًا لِمَحْذُوفٍ أَيْ حَكَمْتَ لَهُ لِكَوْنِهِ ابْنَ عَمَّتِكَ وَلَوَى شِدْقَهُ فَاغْتَمَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَظَهَرَ عَلَيْهِ الْغَضَبُ فَحَكَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَانِيًا لِلزُّبَيْرِ بِأَنَّهُ يَسْقِي وَيَحْبِسُ الْمَاءَ إلَى الْكَعْبَيْنِ، وَكَانَ أَوَّلًا أَمَرَ الزُّبَيْرَ يُسَامِحُ خَصْمَهُ مِنْ بَعْضِ حَقِّهِ فَلَمَّا وَقَعَ مِنْ الْخَصْمِ مَا ذُكِرَ، رَجَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَكَمَ بِمَا ذُكِرَ» ، وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ التَّعْزِيرِ إنْ كَانَ الْآدَمِيُّ عِنْدَ طَلَبِهِ وَلَوْ عَفَى مُسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةِ عَنْ الْقِصَاصِ، أَوْ الْحَدِّ، أَوْ التَّعْزِيرِ سَقَطَ مَا ذُكِرَ لَكِنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ لَا يَتْرُكَ التَّعْزِيرَ، لِأَنَّ أَصْلَهُ يَتَعَلَّقُ بِنَظَرِهِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ إسْقَاطُ غَيْرِهِ. كَمَا نَقَلَهُ الْمَنُوفِيُّ عَنْ تَصْحِيحِ الرَّوْضَةِ وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلَ الشَّارِحِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا وَأَلْحَقَ فِي الرَّوْضَةِ التَّعْزِيرَ بِالْحَدِّ فَقَالَ: إنَّهُ سَقَطَ بِالْعَفْوِ أَيْضًا لِأَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَحِقِّ لَا لِلْإِمَامِ فَسَقَطَ مَا فِي الْحَاشِيَةِ مِنْ ذِكْرِهِ التَّنَافِيَ.
قَوْلُهُ: (مَنْ وَافَقَ الْكُفَّارَ فِي أَعْيَادِهِمْ) بِأَنْ يَفْعَلَ مَا يَفْعَلُونَهُ فِي يَوْمِ عِيدِهِمْ وَهَذَا حَرَامٌ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ يُمْسِكُ الْحَيَّةَ) لِأَنَّهُ رُبَّمَا آذَتْهُ وَلَوْ كَانَ مَحْوِيًّا، أَوْ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا اُتُّبِعَ فِي أُمُورٍ فَاسِدَةٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَسْكَ الْحَيَّةِ حَرَامٌ مُطْلَقًا وَلَا يَأْتِي هُنَا تَفْصِيلُ الْبَهْلَوَانِ؛ إذْ لَا نَفْعَ لِلْحِذْقِ هُنَا.
قَوْلُهُ: (وَيَدْخُلُ النَّارَ) وَإِنْ كَانَتْ لَا تُؤْذِيهِ بِأَنْ كَانَ يَسْحَرُ، لِأَنَّهَا رُبَّمَا آذَتْهُ أَوْ يُتَّبَعُ فِي أُمُورٍ فَاسِدَةٍ. وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ صِفَةً لِحَمْلِ النَّارِ فَقَالَ: تَأْخُذُ زِرْنِيخًا وَشَبًّا يَمَانِيًّا اسْحَقْهُمَا وَلِتَّهُمَا بِبَيَاضِ الْبَيْضِ وَلَطِّخْ بِهِ بَدَنَك وَاحْمِلْ النَّارَ فَإِنَّهَا لَا تُؤْذِيكَ. وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُدْخِلَ النَّارَ إلَى فَمِكَ وَلَا تُؤْذِيَكَ خُذْ نَشَادِرًا وَعُودَ قَرْحٍ وَتَلُوكُهُمَا جَيِّدًا وَتَضَعُهُمَا فِي فَمِكَ وَلَا تَبْلَعْ مِنْ رِيقِكَ شَيْئًا، ثُمَّ تَأْخُذُ الصَّفِيحَةَ أَوْ الْحَدِيدَةَ الْمَحْمِيَّةَ تُدْخِلُهَا فِي فَمِكَ وَتَضَعُهَا عَلَى لِسَانِكَ وَتَلْحَسُهَا فَإِنَّهُ يَطِشُّ وَلَا يُؤْذِيكَ فَيَتَخَيَّلُ النَّاظِرُ أَنَّهَا حَرَقَتْ لِسَانَكَ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فِيهِ) أَيْ فِي الْحَدِّ لِقَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُسَامَةَ لَمَّا كَلَّمَهُ فِي شَأْنِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ فَقَالَ: إنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَاَيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. شَرْحَ الرَّوْضِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ اشْفَعُوا) أَيْ عِنْدَ النَّبِيِّ