للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمَنْعِ الزَّوْجِ حَقَّهُ مَعَ الْقُدْرَةِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} [النساء: ٣٤] الْآيَةَ فَأَبَاحَ الضَّرْبَ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ فَكَانَ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى التَّعْزِيرِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سُئِلَ: " عَمَّنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا: فَاسِقُ يَا خَبِيثُ فَقَالَ: يُعَزَّرُ ".

تَنْبِيهٌ: اقْتَضَى الضَّابِطُ الْمَذْكُورُ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ: الْأَمْرُ الْأَوَّلُ: تَعْزِيرُ ذِي الْمَعْصِيَةِ الَّتِي لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَسَائِلُ: مِنْهَا الْأَصْلُ لَا يُعَزَّرُ لِحَقِّ الْفَرْعِ كَمَا لَا يُحَدُّ بِقَذْفِهِ. وَمِنْهَا مَا إذَا ارْتَدَّ، ثُمَّ أَسْلَمَ فَإِنَّهُ لَا يُعَزَّرُ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَمِنْهَا مَا إذَا كَلَّفَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ مَا لَا يُطِيقُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَا يُعَزَّرُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ: لَا تَعُدْ فَإِنْ عَادَ عُزِّرَ. وَمِنْهَا مَا إذَا قَطَعَ الشَّخْصُ أَطْرَافَ نَفْسِهِ. الْأَمْرُ الثَّانِي: مَتَى كَانَ فِي الْمَعْصِيَةِ حَدٌّ كَالزِّنَا أَوْ كَفَّارَةٌ كَالتَّمَتُّعِ بِطِيبٍ فِي الْإِحْرَامِ يَنْتَفِي التَّعْزِيرُ لِإِيجَابِ الْأَوَّلِ الْحَدَّ وَالثَّانِي الْكَفَّارَةَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَسَائِلُ: مِنْهَا إفْسَادُ الصَّائِمِ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعِ زَوْجَتِهِ، أَوْ أَمَتِهِ. فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ التَّعْزِيرُ مَعَ الْكَفَّارَةِ. وَمِنْهَا الْمُظَاهِرُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ مَعَ الْكَفَّارَةِ. وَمِنْهَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ يَجِبُ فِيهَا التَّعْزِيرُ مَعَ الْكَفَّارَةِ. وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي الْقَوَاعِدِ الصُّغْرَى أَنَّهُ لَوْ زَنَى بِأُمِّهِ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ مُعْتَكِفٌ مُحْرِمٌ لَزِمَهُ الْعِتْقُ وَالْبَدَنَةُ وَيُحَدُّ لِلزِّنَا وَيُعَزَّرُ لِقَطْعِ رَحِمِهِ وَانْتِهَاكِ حُرْمَةِ الْكَعْبَةِ. الْأَمْرُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَسَائِلُ: مِنْهَا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ يُعَزَّرَانِ إذَا فَعَلَا مَا يُعَزَّرُ عَلَيْهِ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُمَا مَعْصِيَةً. وَمِنْهَا أَنَّ الْمُحْتَسِبَ يَمْنَعُ مَنْ يَكْتَسِبُ بِاللَّهْوِ وَيُؤَدِّبُ عَلَيْهِ الْآخِذَ وَالْمُعْطِيَ. وَظَاهِرُهُ تَنَاوُلُ اللَّهْوِ الْمُبَاحِ. وَمِنْهَا نَفْيُ الْمُخَنَّثِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ. مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ فِعْلٌ لِلْمَصْلَحَةِ،

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (فَقَالَ يُعَزَّرُ) مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْقَائِلُ الْقَذْفَ، وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ الْحَدُّ لِمَا يَأْتِي أَنَّ ذَلِكَ كِنَايَةٌ.

قَوْلُهُ: (اقْتَضَى الضَّابِطُ الْمَذْكُورُ) وَهُوَ أَنَّ التَّعْزِيرَ يَجْرِي فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: اقْتَضَى الضَّابِطُ أَيْ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا فَالْأَوَّلُ مِنْ الْمَنْطُوقِ وَالْأَخِيرَانِ مِنْ الْمَفْهُومِ. قَوْلُهُ: (الْأَصْلُ لَا يُعَزَّرُ لِحَقِّ الْفَرْعِ) أَيْ إذَا ضَرَبَهُ مِنْ غَيْرِ حَقٍّ بِأَنْ كَانَ لَا لِقَصْدِ التَّأْدِيبِ، أَوْ سَبَّهُ بِمَا لَيْسَ بِقَذْفٍ كَيَا ظَالِمُ وَيَا أَحْمَقُ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَيَا سَارِقُ.

قَوْلُهُ: (مَا إذَا ارْتَدَّ) فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الرِّدَّةَ فِيهَا حَدٌّ وَهُوَ الْقَتْلُ فَكَيْفَ اسْتَثْنَاهَا. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ سَقَطَ الْحَدُّ فَصَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ.

قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا مَا إذَا كَلَّفَ إلَخْ) وَمِنْهَا مَا لَوْ وَطِئَ الرَّجُلُ حَلِيلَتَهُ فِي دُبُرِهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ فَلَا يُعَزَّرُ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ تَعْزِيرُهُ عَلَى وَطْءِ الْحَائِضِ، لِأَنَّهُ أَفْحَشُ، لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَكُفْرِ مُسْتَحِلِّهِ مَعَ أَنَّ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ رَذِيلَةٌ يَنْبَغِي عَدَمُ إذَاعَتِهَا أَيْ إشَاعَتِهَا م ر فِي شَرْحِهِ.

قَوْلُهُ: (وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ) لَكِنَّ الثَّلَاثَ الْأُوَلَ مِنْ الَّذِي فِيهِ كَفَّارَةٌ. وَالرَّابِعَ مِنْ الَّذِي فِيهِ كَفَّارَةٌ وَحَدٌّ مَعًا.

قَوْلُهُ: (الْغَمُوسُ) أَيْ الْبَاطِلُ بِأَنْ اعْتَرَفَ أَنَّهُ حَلَفَ بَاطِلًا عَامِدًا عَالِمًا، وَأَمَّا لَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَا يُعَزَّرُ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهَا كَمَا قَالَهُ: ح ل.

قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ الْعِتْقُ) : أَيْ كَفَّارَةٌ لِلصَّوْمِ وَقَوْلُهُ: وَالْبَدَنَةُ أَيْ لِإِفْسَادِ النُّسُكِ.

قَوْلُهُ: (يَمْنَعُ مَنْ يَكْتَسِبُ بِاللَّهْوِ) أَيْ وَلَوْ مُبَاحًا كَمَنْ يُعَلِّمُ النَّاسَ الشِّطْرَنْجَ لِشَيْءٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ فَيُعَزِّرُ الْمُحْتَسِبُ الْآخِذَ وَالْمُعْطِيَ. قَوْلُهُ: (تَنَاوُلُ اللَّهْوِ الْمُبَاحِ) الَّذِي لَا مَعْصِيَةَ مَعَهُ كَاللَّعِبِ بِالطَّارِ كَالْمَدَّاحِينَ وَالْغِنَاءِ فِي الْقَهَاوِي مَثَلًا وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ الْمُسَمَّى بِالْمُزَاحِ ع ش. وَعِبَارَتُهُ عَلَى م ر: وَأَمَّا مَنْ يَكْتَسِبُ بِالْحَرَامِ فَالتَّعْزِيرُ عَلَيْهِ دَاخِلٌ فِي الْحَرَامِ، لِأَنَّهُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي لَا حَدَّ لَهَا وَلَا كَفَّارَةَ مِنْ ذَلِكَ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ فِي مِصْرِنَا مِنْ اتِّخَاذِ مَنْ يَذْكُرُ حِكَايَاتٍ مُضْحِكَةً وَأَكْثَرُهَا أَكَاذِيبُ فَيُعَزَّرُ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ وَلَا يَسْتَحِقُّ مَا يَأْخُذُ عَلَيْهِ وَيَجِبُ رَدُّهُ إلَى دَافِعِهِ. وَإِنْ وَقَعَتْ صُورَةُ اسْتِئْجَارٍ، لِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ فَاسِدٌ اهـ ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (نَفْيُ الْمُخَنَّثِ) أَيْ الْمُتَشَبِّهِ بِالنِّسَاءِ أَيْ نَفْيُهُ فِي مَحَلٍّ لَا نِسَاءَ فِيهِ فَنَفْيُ الْقَاضِي لَهُ فِي الْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ تَعْزِيرٌ لَهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: التَّخَنُّثُ

<<  <  ج: ص:  >  >>