كُلِّهِ» أَيْ مِمَّا هُوَ لِلتَّكْرِيمِ كَالْغُسْلِ وَاللُّبْسِ وَالِاكْتِحَالِ وَالتَّقْلِيمِ وَقَصِّ الشَّارِبِ وَنَتْفِ الْإِبِطِ وَحَلْقِ الرَّأْسِ وَالسِّوَاكِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَتَحْلِيلِ الصَّلَاةِ وَمُفَارَقَةِ الْخَلَاءِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْمُصَافَحَةِ وَاسْتِلَامِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ. وَالتَّيَاسُرَ فِي ضِدِّهِ، كَدُخُولِ الْخَلَاءِ وَالِاسْتِنْجَاءِ وَالِامْتِخَاطِ وَخَلْعِ اللِّبَاسِ، وَإِزَالَةِ الْقَذِرِ وَكَرِهَ عَكْسَهُ. أَمَّا مَا يُسَنُّ غَسْلُهُمَا مَعًا كَالْخَدَّيْنِ وَالْكَفَّيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ، فَلَا يُسَنُّ تَقْدِيمُ الْيُمْنَى فِيهِمَا. نَعَمْ مَنْ بِهِ عِلَّةٌ لَا يُمْكِنُهُ مَعَهَا ذَلِكَ كَأَنْ قُطِعَتْ إحْدَى يَدَيْهِ فَيُسَنُّ لَهُ تَقْدِيمُ الْيُمْنَى.
(وَ) التَّاسِعَةُ (الطَّهَارَةُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا) وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْمَغْسُولُ وَالْمَمْسُوحُ وَالتَّخْلِيلُ الْمَفْرُوضُ وَالْمَنْدُوبُ لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الثَّلِيثُ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَتَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ» .
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا تَوَضَّأْتُمْ فَابْدَءُوا بِمَيَامِنِكُمْ» اهـ. رَحْمَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ) أَيْ فَيُقَدِّمُ الْيَمِينَ فِي دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَيَتَخَيَّرُ عِنْدَ دُخُولِهِ لِلْآخَرِ ابْنُ حَجَرٍ وَعَلَى قِيَاسِهِ يُقَدِّمُ الْيَسَارَ عِنْدَ خُرُوجِهِ. وَفَائِدَةٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّا لَوْ جُعِلَ الْمَسْجِدُ مَوْضِعَ مَكْسٍ مَثَلًا وَيُتَّجَهُ تَقْدِيمُ الْيُمْنَى دُخُولًا وَالْيُسْرَى خُرُوجًا؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ ذَاتِيَّةٌ فَيُقَدِّمُ عَلَى الِاسْتِقْذَارِ الْعَارِضِ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ دَنِيءٍ إلَى مَكَان جَهِلَ أَنَّهُ دَنِيءٌ أَوْ شَرِيفٌ، فَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى الشَّرِيفِ. اهـ سم عَلَى الْبَهْجَةِ. قُلْت: بَقِيَ مَا لَوْ اُضْطُرَّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فِي الْمَسْجِدِ فَهَلْ يُقَدِّمُ الْيَسَارَ لِمَوْضِعِ قَضَائِهَا أَوْ يَتَخَيَّرُ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْحُرْمَةِ الذَّاتِيَّةِ؟ . فِيهِ نَظَرٌ. وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ ذَاتِيَّةٌ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (وَالتَّيَاسُرُ فِي ضِدِّهِ) تَبِعَ فِيهِ الْمَجْمُوعُ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ مَا لَا تَكْرِمَةَ فِيهِ وَلَا خِسَّةَ يَكُونُ بِالْيَسَارِ وَهُوَ الرَّاجِحُ اهـ شَوْبَرِيٌّ. وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّارِحَ ذَكَرَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِثَالًا لِمَا هُوَ مِنْ بَابِ التَّكْرِيمِ وَمَثَّلَ لِضِدِّهِ بِخَمْسَةِ أَمْثِلَةٍ، وَضِدُّ مَا هُوَ مِنْ بَابِ التَّكْرِيمِ مَا لَا تَكْرِمَةَ فِيهِ وَلَا إهَانَةَ وَمَا فِيهِ إهَانَةٌ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَمْثِلَةِ الضِّدِّ مِنْ الَّذِي فِيهِ إهَانَةٌ وَمِثَالُ مَا لَا تَكْرِمَةَ فِيهِ وَلَا إهَانَةَ كَوَضْعِ مَتَاعٍ وَأَخْذِهِ مَثَلًا.
قَوْلُهُ: (وَكُرِهَ عَكْسُهُ) أَيْ تَقْدِيمُ الْيُسْرَى فِيمَا طُلِبَ فِيهِ تَقْدِيمُ الْيُمْنَى كَأَنْ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى قَبْلَ الْيُمْنَى، فَلَوْ غَسَلَهُمَا مَعًا كُرِهَ فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا مَرَّ.
وَهَلْ يُكْرَهُ التَّيَمُّنُ فِي نَحْوِ خَدَّيْهِ مِمَّا يَطْهُرُ دَفْعَةً وَاحِدَةً قِيَاسًا عَلَى ذَلِكَ أَوْ يُفَرَّقَ بِوُرُودِ الْأَمْرِ بِالتَّيَمُّنِ، ثُمَّ النَّهْيُ عَنْ تَرْكِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْمَعِيَّةُ هُنَا كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَالْأَوْجَهُ الثَّانِي اهـ. شَوْبَرِيٌّ. (أَمَّا مَا يُسَنُّ غَسْلُهُمَا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ تَطْهِيرُهُمَا بَدَلُ غَسْلِهِمَا كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (فَلَا يُسَنُّ تَقْدِيمُ الْيُمْنَى) وَلَوْ رَتَّبَ السَّلِيمَ فِيمَا ذُكِرَ فَهَلْ يُكْرَهُ؟ فِيهِ نَظَرٌ سم. وَقَدْ ذُكِرَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ أَنَّهُ يُكْرَهُ اهـ. مَرْحُومِيٌّ وَفِي الشَّوْبَرِيِّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ.
قَوْلُهُ: (فِيهِمَا) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى مَا فِي قَوْلِهِ: أَمَّا مَا يُسَنُّ إلَخْ. بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ عَلَى الْعُضْوَيْنِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يُقَالَ كَلَامُهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ فِي غَسْلِهِمَا اهـ. شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (مَنْ بِهِ عِلَّةٌ) لَيْسَ قَيْدًا حَتَّى لَوْ كَانَ سَلِيمًا وَلَمْ يَتَأَتَّ لَهُ إلَّا بِالتَّرْتِيبِ كَأَنْ أَرَادَ غَسْلَ كَفَّيْهِ بِالصَّبِّ مِنْ إبْرِيقٍ فَيُتَّجَهُ تَقْدِيمُ الْيُمْنَى. اهـ سم. قَوْلُهُ: (ذَلِكَ) أَيْ الْمَعِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ.
قَوْلُهُ: (وَالطَّهَارَةُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا) أَيْ تَثْلِيثُ الطَّهَارَةِ، وَلَوْ قَالَ وَالتَّثْلِيثُ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَعَمَّ ق ل. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا قُيِّدَ بِالطَّهَارَةِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهَا، فَقَدْ مَالَ ابْنُ قَاسِمٍ الْعَبَّادِيُّ إلَى عَدَمِ اسْتِحْبَابِ تَكْرَارِ غَيْرِ الطَّهَارَةِ وَثَلَاثًا ثَلَاثًا مَنْصُوبَانِ عَلَى الْحَالِ كَادْخُلُوا بَابًا بَابًا. قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: وَسُئِلَ شَيْخُنَا عَمَّا لَوْ نَذَرَ الْوُضُوءَ مَرَّتَيْنِ هَلْ يَصِحُّ قِيَاسًا عَلَى إفْرَادِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِصَوْمٍ أَمْ لَا. فَأَجَابَ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ.
قَوْلُهُ: (الْمَغْسُولُ وَالْمَمْسُوحُ) وَلَوْ لِذِي سَلَسٍ عَلَى الْأَوْجَهِ ز ي؛ لِأَنَّ إتْيَانَهُ بِالتَّثْلِيثِ لَا يُنَافِي الْمُوَالَاةَ.
قَوْلُهُ: (الْمَفْرُوضُ وَالْمَنْدُوبُ) هُمَا صِفَتَانِ لِجَمِيعِ مَا قَبْلَهُمَا. وَقَوْلُهُ: (الْمَفْرُوضُ) بِأَنْ كَانَ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَّا بِالتَّخْلِيلِ.
قَوْلُهُ: (تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً إلَخْ) أَيْ تَوَضَّأَ فِي وَقْتٍ مَرَّةً مَرَّةً. وَفِي وَقْتٍ آخَرَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَعِبَارَةُ ع ش قَوْلُهُ: تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً أَيْ اقْتَصَرَ فِي كُلِّ عُضْوٍ عَلَى مَرَّةٍ.