فَإِنْ قِيلَ: قَدْ وَرَدَ: «التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخِرَةِ.
. (وَيُحَدُّ الْحُرُّ) فِي الْقَذْفِ (ثَمَانِينَ) جَلْدَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: ٤] الْآيَةَ وَاسْتُفِيدَ كَوْنُهَا فِي الْأَحْرَارِ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: ٤] . (وَ) يُحَدُّ (الرَّقِيقُ) فِيهِ وَلَوْ مُبَعَّضًا (أَرْبَعِينَ) جَلْدَةً بِالْإِجْمَاعِ.
وَحَدُّ الْقَذْفِ، أَوْ تَعْزِيرُهُ يُوَرَّثُ كَسَائِرِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَلَوْ مَاتَ الْمَقْذُوفُ مُرْتَدًّا قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بَلْ يَسْتَوْفِيهِ وَارِثُهُ لَوْلَا الرِّدَّةُ لِلتَّشَفِّي كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ قِصَاصِ الطَّرَفِ.
(وَيَسْقُطُ حَدُّ الْقَذْفِ) عَنْ الْقَاذِفِ (بِثَلَاثَةِ) بَلْ بِخَمْسَةِ (أَشْيَاءَ) الْأَوَّلُ (إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ) عَلَى زِنَا الْمَقْذُوفِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا أَرْبَعَةٌ وَأَنَّهَا تَكُونُ مُفَصِّلَةً فَلَوْ شَهِدَ بِهِ دُونَ أَرْبَعَةٍ حُدُّوا. كَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالثَّانِي مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ عَفْوُ الْمَقْذُوفِ) عَنْ الْقَاذِفِ عَنْ جَمِيعِ الْحَدِّ فَلَوْ عَفَا عَنْ بَعْضِهِ لَمْ يَسْقُطْ مِنْهُ شَيْءٌ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشُّفْعَةِ وَأَلْحَقَ فِي الرَّوْضَةِ التَّعْزِيرَ بِالْحَدِّ فَقَالَ: إنَّهُ يَسْقُطُ بِعَفْوٍ أَيْضًا، وَلَوْ عَفَا وَارِثُ الْمَقْذُوفِ عَلَى مَالٍ سَقَطَ وَلَمْ يَجِبْ الْمَالُ كَمَا فِي فَتَاوَى الْحَنَّاطِيِّ وَلَوْ قَذَفَهُ فَعَفَا عَنْهُ، ثُمَّ قَذَفَهُ. لَمْ يُحَدَّ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيّ بَلْ يُعَزَّرُ، وَالثَّالِثُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ اللِّعَانُ) أَيْ لِعَانُ الزَّوْجِ الْقَاذِفِ. (فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ) الْمَقْذُوفَةِ وَلَوْ مَعَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
مُكَافِئٍ هَلْ يَسْقُطُ عَنْ قَاذِفِهِ حَدُّ الْقَذْفِ قَالَ: لَا يَسْقُطُ، لِأَنَّ هَذَا نَوْعٌ آخَرُ غَيْرُ مَا رَمَاهُ بِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الزِّنَا فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى مَا رَمَاهُ بِهِ. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (وَيُحَدُّ الْحُرُّ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا، أَوْ كَافِرًا ذَكَرًا، أَوْ أُنْثَى وَكَذَا قَوْلُهُ: الرَّقِيقُ وَالْعِبْرَةُ بِالْحُرِّيَّةِ وَقْتَ الْقَذْفِ وَلَوْ طَرَأَ الرِّقُّ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْمُرَادُ الرِّقُّ وَقْتَ الْقَذْفِ وَلَوْ طَرَأَتْ الْحُرِّيَّةُ بَعْدَ الْقَذْفِ وَاَلَّذِي يَتَوَلَّى حَدَّ الْقَذْفِ الْإِمَامُ بِطَلَبِ الْمُسْتَحِقِّ، لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْحَدِّ مِنْ وَظِيفَتِهِ. فَلَوْ فَعَلَهُ الْمَقْذُوفُ وَلَوْ بِإِذْنِ الْإِمَامِ لَمْ يَكْتَفِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَنْ مِنْ الزِّيَادَةِ سَوَاءٌ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَدُّ حُرًّا، أَوْ مُكَاتَبًا، أَوْ مُبَعَّضًا فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا فَالْإِمَامُ أَوْ السَّيِّدُ. فَإِنْ تَنَازَعَا فَالْإِمَامُ وَمِثْلُ حَدِّ الْقَذْفِ فِي ذَلِكَ حَدُّ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: وَإِنَّمَا لَمْ يُفَوَّضْ لِأَوْلِيَاءِ الْمَزْنِيِّ بِهَا كَالْقِصَاصِ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَتْرُكُونَ ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ الْعَارِ وَلَوْ جَلَدَهُ وَاحِدٌ مِنْ الْآحَادِ ضَمِنَ سم.
قَوْلُهُ: (ثَمَانِينَ) فَإِنْ زِيدَ وَمَاتَ ضَمِنَ بِالْقِسْطِ شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ} [النور: ٤] إلَخْ) لِاقْتِضَائِهِ أَنَّهُمْ قَبْلَ الْقَذْفِ كَانَتْ شَهَادَتُهُمْ مَقْبُولَةً فَتَسْتَلْزِمُ حُرِّيَّتَهُمْ إذْ الرَّقِيقُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْذِفْ، وَإِنَّمَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ بِالْقَذْفِ لِفِسْقِهِمْ بِهِ؛ إذْ هُوَ كَبِيرَةٌ كَمَا فِي آخِرِ الْآيَةِ حَيْثُ قَالَ: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: ٤] م د
قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَاتَ الْمَقْذُوفُ) الْمُنَاسِبُ التَّفْرِيعُ قَوْلُهُ: (لَوْلَا الرِّدَّةُ) رَاجِعٌ لِلْوَارِثِ أَيْ كَانَ يَرِثُهُ لَوْلَا ارْتِدَادُهُ.
قَوْلُهُ: (حُدُّوا) وَلَهُمْ تَحْلِيفُ الْمَقْذُوفِ فَإِنْ حَلَفَ حُدُّوا فَإِنْ نَكَلَ حَلَفُوا وَخَلَصُوا، وَلَا يَثْبُتُ زِنَاهُ بِيَمِينِهِمْ، لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ فَإِنْ نَكَلُوا حُدُّوا فَإِنْ نَكَلَ الْبَعْضُ وَحَلَفَ الْبَعْضُ حُدَّ النَّاكِلُ قَوْلُهُ: (كَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ) وَهُوَ أَنَّهُ حَدَّ الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ بِالزِّنَا وَلَمْ يُخَالَفْ فَصَارَ إجْمَاعًا سُكُوتِيًّا.
قَوْلُهُ: (أَوْ عَفْوُ الْمَقْذُوفِ) أَيْ عَنْ كُلِّهِ وَلَوْ بِمَالٍ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْمَالُ سم. قَوْلُهُ: (فَلَوْ عَفَا عَنْ بَعْضِهِ إلَخْ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِصَاصِ أَنَّ هَذَا يَقْبَلُ التَّجَزُّؤَ.
قَوْلُهُ: (وَارِثُ الْمَقْذُوفِ) مِثْلُهُ الْمَقْذُوفُ نَفْسُهُ فَالْوَارِثُ لَيْسَ قَيْدًا.
قَوْلُهُ: (الْحَنَّاطِيِّ) بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَنُونٍ مَعْنَاهُ الْحَنَّاطُ كَخَبَّازٍ وَيُقَالُ: وَهُوَ مِنْ صِيَغِ النَّسَبِ مَنْسُوبٌ لِبَيْعِ الْحِنْطَةِ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ:
وَمَعَ فَاعِلٍ وَفَعَّالٍ فَعَلٌ ... فِي نَسَبٍ أَغْنَى عَنْ الْيَا فَقُبِلْ
لَكِنْ زَادُوا عَلَيْهِ يَاءَ النَّسَبِ لِتَأْكِيدِ النِّسْبَةِ قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: لَعَلَّ بَعْضَ أَجْدَادِهِ كَانَ يَبِيعُ الْحِنْطَةَ وَهُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِيُّ لَهُ مُصَنَّفَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ اهـ ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ.
قَوْلُهُ: (فَعَفَا عَنْهُ، ثُمَّ قَذَفَهُ لَمْ يُحَدَّ) ظَاهِرُهُ