للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السُّكْرِ الْمُزِيلِ لِلْعَقْلِ. فَإِنَّهُ حَرَامٌ فِي كُلِّ مِلَّةٍ. حَكَاهُ الْقُشَيْرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ الْقَفَّالِ الشَّاشِيِّ.

قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَهُوَ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَالْخَمْرُ الْمُسْكِرُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ؛ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وُقُوعِ اسْمِ الْخَمْرِ عَلَى الْأَنْبِذَةِ هَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ؟ قَالَ الْمُزَنِيّ وَجَمَاعَةٌ: نَعَمْ، لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ بِالصِّفَةِ يَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ فِي الِاسْمِ. وَهُوَ قِيَاسٌ فِي اللُّغَةِ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ وَنَسَبَ الرَّافِعِيُّ إلَى الْأَكْثَرِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا إلَّا مَجَازًا أَمَّا فِي التَّحْرِيمِ وَالْحَدِّ فَكَالْخَمْرِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ.

(وَمَنْ شَرِبَ) أَيْ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ الْمُلْتَزِمُ لِلْأَحْكَامِ مُخْتَارًا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ. (خَمْرًا) وَهِيَ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ كَمَا مَرَّ. (أَوْ) شَرِبَ (شَرَابًا مُسْكِرًا) غَيْرَ الْخَمْرِ كَالْأَنْبِذَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ رُطَبٍ، أَوْ زَبِيبٍ، أَوْ شَعِيرٍ أَوْ ذُرَةٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. (يُحَدُّ) الْحُرُّ (أَرْبَعِينَ) جَلْدَةً لِمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -

ــ

[حاشية البجيرمي]

أَبُو طَلْحَةَ: اُخْرُجْ فَانْظُرْ مَا هَذَا الصَّوْتُ قَالَ: فَخَرَجْتُ فَقُلْتُ: هَذَا مُنَادٍ يُنَادِي أَلَا إنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ فَقَالَ لِي: اذْهَبْ فَأَهْرِقْهَا فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: قُتِلَ قَوْمٌ فِي أُحُدٍ وَهِيَ فِي بُطُونِهِمْ. وَفِي رِوَايَةٍ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ بِمَنْ مَاتَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَكَانَ شَرِبَهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: ٩٣] » أَيْ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا مُطْلَقًا اهـ. وَقَوْلُهُ: بَعْدَ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ أَيْ الْأَصْنَامِ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّهُ عَبَدَهَا حَاشَاهُ حَاشَاهُ مِنْ ذَلِكَ؛ إذْ الْأَنْبِيَاءُ مَعْصُومُونَ فَقَدْ رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ عَلِيٍّ «قِيلَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ عَبَدْتَ وَثَنًا قَطُّ؟ قَالَ لَا، قِيلَ: هَلْ شَرِبْتَ خَمْرًا قَطُّ؟ قَالَ: لَا وَمَا زِلْتُ أَعْرِفُ أَنَّ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ كُفْرٌ وَمَا أَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ» . اهـ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ الْمُنَاوِيِّ عَلَى الْخَصَائِصِ قَوْلُهُ: (وَقِيلَ: بَلْ كَانَ الْمُبَاحُ) مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَشْرَبُونَهَا أَيْ حَتَّى الْكَثِيرَ الْمُزِيلَ لِلْعَقْلِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.

قَوْلُهُ: (فِي وُقُوعِ) أَيْ إطْلَاقِ، وَإِضَافَةُ اسْمٍ لِمَا بَعْدَهُ بَيَانِيَّةٌ.

قَوْلُهُ: (حَقِيقَةٌ) أَيْ لُغَوِيَّةٌ فَيَكُونَ لَفْظُ الْخَمْرِ مَوْضُوعًا لِعَصِيرِ الْعِنَبِ وَلِلنَّبِيذِ وَبَيَّنَ الشَّارِحُ عِلَّةَ وَضْعِ لَفْظِ الْخَمْرِ لِعَصِيرِ النَّبِيذِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ إلَخْ وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ الْقِيَاسِ فِي اللُّغَةِ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الصِّفَةِ) وَهِيَ الْإِسْكَارُ وَقَوْلُهُ: فِي الِاسْمِ وَهُوَ الْخَمْرُ وَقَوْلُهُ: وَهُوَ أَيْ اقْتِضَاءُ الِاشْتِرَاكِ فِي الِاسْمِ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ قِيَاسٌ فِي اللُّغَةِ) أَيْ وُقُوعُ اسْمِ الْخَمْرِ عَلَى الْأَنْبِذَةِ حَقِيقَةً قِيَاسٌ فِي اللُّغَةِ. وَقَوْلُهُ: وَهُوَ جَائِزٌ أَيْ الْقِيَاسُ فِي اللُّغَةِ وَقَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: وُقُوعُ اسْمِ الْخَمْرِ عَلَى الْأَنْبِذَةِ أَيْ إطْلَاقُهُ لَا لِلْقِيَاسِ فِي اللُّغَةِ.

قَوْلُهُ: (أَمَّا فِي التَّحْرِيمِ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ: وُقُوعُ اسْمُ الْخَمْرِ عَلَى الْأَنْبِذَةِ إلَخْ يَعْنِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الْخَمْرِ عَلَى الْمُتَّخَذِ مِنْ غَيْرِ الْعِنَبِ هَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ إنَّمَا ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى اللَّفْظِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْحُكْمِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ الْقِيَاسُ وَعَدَمُهُ.

فَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ اسْمٌ لِلْمُتَّخَذِ مِنْ الْعِنَبِ حَقِيقَةً اُحْتِيجَ إلَى قِيَاسِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ حَقِيقَةٌ لَمْ يُحْتَجْ لِلْقِيَاسِ بَلْ يَكُونُ الْجَمِيعُ ثَابِتًا بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» . إلَخْ قَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ: كَيْفَ الْقِيَاسُ مَعَ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ» هَذَا لَا يَرِدُ إلَّا لَوْ قَالَ: كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ خَمْرٌ.

قَوْلُهُ: (أَيْ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ) جَمْعٌ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى " مِنْ ". وَقَوْلُهُ: الْمُلْتَزِمُ بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لِمَنْ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشُّرُوطَ الْمَذْكُورَةَ شُرُوطٌ لِلْحَدِّ وَالْحُرْمَةِ فَإِذَا انْتَفَى وَاحِدٌ مِنْهَا فَتَارَةً يَنْتَفِي الْحَدُّ وَالْحُرْمَةُ وَتَارَةً يَنْتَفِي الْحَدُّ مَعَ بَقَاءِ الْحُرْمَةِ دُونَ الْعَكْسِ فَلَا تَنَافِيَ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ الْمَفَاهِيمِ.

قَوْلُهُ: (عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ) أَيْ وَبِكَوْنِهِ مُسْكِرًا.

قَوْلُهُ: (أَوْ شَرَابًا) إنَّمَا أَتَى بِذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ حَقِيقَةٌ فِي عَصِيرِ الْعِنَبِ دُونَ غَيْرِهِ أَمَّا عَلَى عُمُومِهِ لِكُلِّ مُسْكِرٍ فَلَا حَاجَةَ لِلْعَطْفِ. وَقَوْلُهُ: " مُسْكِرًا " لَيْسَ قَيْدًا إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ الشَّأْنُ.

قَوْلُهُ: (الْحُرُّ) بَدَلٌ مِنْ نَائِبِ فَاعِلِ " يُحَدُّ " بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي يُحَدُّ رَاجِعٌ لِمَنْ وَهُوَ شَامِلٌ لِلْحُرِّ وَالرَّقِيقِ وَالرَّابِطُ مُقَدَّرٌ أَيْ الْحُرُّ فَرْدٌ مِنْهُ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ نَائِبَ فَاعِلِ يُحَدُّ، لِأَنَّهُ لَا يُحْذَفُ وَلَا تَفْسِيرًا لِلضَّمِيرِ لِعَدَمِ أَدَاةِ التَّفْسِيرِ وَلِأَنَّ التَّفْسِيرَ أَخَصُّ مِنْ الْمُفَسَّرِ وَالْمُرَادُ الْحُرُّ الْكَامِلُ الْحُرِّيَّةِ ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى. اهـ. ق ل.

قَوْلُهُ: (أَرْبَعِينَ جَلْدَةً)

<<  <  ج: ص:  >  >>