للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالسَّعُوطُ بِأَنْ أَدْخَلَهُ أَنْفَهُ. فَلَا حَدَّ بِذَلِكَ، لِأَنَّ الْحَدَّ لِلزَّجْرِ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ هُنَا وَبِالشَّرَابِ الْمَفْهُومُ مِنْ شُرْبِ النَّبَاتِ قَالَ الدَّمِيرِيُّ: كَالْحَشِيشَةِ الَّتِي يَأْكُلُهَا الْحَرَافِيشُ.

وَنَقَلَ الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ عَنْ الرُّويَانِيِّ أَنَّ أَكْلَهَا حَرَامٌ وَلَا حَدَّ فِيهَا، وَبِالْمُكَلَّفِ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُمَا، وَبِالْمُلْتَزِمِ الْحَرْبِيُّ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ، وَالذِّمِّيُّ لِأَنَّهُ لَا يَلْتَزِمُ بِالذِّمَّةِ مَا لَا يَعْتَقِدُهُ وَبِالْمُخْتَارِ الْمَصْبُوبُ فِي حَلْقِهِ قَهْرًا وَالْمُكْرَهُ عَلَى شُرْبِهِ لِحَدِيثِ: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَبِغَيْرِ ضَرُورَةٍ مَا لَوْ غَصَّ أَيْ شَرِقَ بِلُقْمَةٍ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَ الْخَمْرِ فَأَسَاغَهَا بِهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِوُجُوبِ شُرْبِهَا إنْقَاذًا لِلنَّفْسِ مِنْ الْهَلَاكِ، وَالسَّلَامَةُ بِذَلِكَ قَطْعِيَّةُ الدَّوَاءِ وَهَذِهِ رُخْصَةٌ وَاجِبَةٌ. فَلَوْ وَجَدَ غَيْرَهَا وَلَوْ بَوْلًا حُرِّمَ إسَاغَتُهَا بِالْخَمْرِ، وَوَجَبَ حَدُّهُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

إلَى كِبَرٍ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ هَرَمٍ أَوْ صَلَاحٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَالسَّعُوطُ) بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّهَا كَذَا قَالَهُ الْمَدَابِغِيُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِالضَّمِّ الْفِعْلُ لِمُنَاسَبَتِهِ لِلْحُقْنَةِ، لِأَنَّهَا الْفِعْلُ. قَوْلُهُ: (فَلَا حَدَّ بِذَلِكَ) أَيْ وَيُحَرَّمُ، لِأَنَّهُ تَلَطَّخَ بِنَجَاسَةٍ وَأَدْخَلَهَا جَوْفَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ قَوْلُهُ: (وَبِالشَّرَابِ) لَا يَخْفَى أَنَّ غَيْرَ الشَّرَابِ كَالْخَمْرَةِ الْمُنْعَقِدَةِ مِثْلُهُ وَالْمَأْكُولُ كَالْمَشْرُوبِ فَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ ق ل. وَيُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْخَمْرَةَ الْمُنْعَقِدَةَ يُقَالُ لَهَا شَرَابٌ بِالنَّظَرِ لِأَصْلِهَا. قَوْلُهُ: (الْمَفْهُومِ) فِيهِ أَنَّهُ مَنْطُوقٌ بِهِ فِي قَوْلِهِ، أَوْ شَرِبَ شَرَابًا مُسْكِرًا فَلَا حَاجَةَ لِكَوْنِهِ مَفْهُومًا مِنْ شَرِبَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مَا فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ بَعِيدٌ أَوْ أَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ شَرِبَ لِيَكُونَ عَامًّا فِي الْخَمْرِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ شَرَابِ الَّذِي فِي الْمَتْنِ فَإِنَّهُ فِي غَيْرِ الْخَمْرِ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ حُكْمُ الْخَمْرِ إذَا كَانَ غَيْرَ مَائِعٍ، وَهُوَ تَوْجِيهٌ حَسَنٌ.

قَوْلُهُ: (الْحَرَافِيشُ) فِي الْقَامُوسِ الْحَرَافِيشُ جَمْعُ حَرَنْفَشٍ كَغَضَنْفَرٍ وَهُوَ الْجَافِي الْغَلِيظُ وَهَذَا التَّقْيِيدُ غَيْرُ مُرَادٍ بَلْ الْمُرَادُ بِهِمْ أَرَاذِلُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ، وَأَنْشَدَ الْأُسْتَاذُ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْعُهُودِ لِبَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ

نَحْنُ الْحَرَافِيشُ لَا نَسْكُنُ عِلَالِي الدُّورِ ... وَلَا نُرَائِي وَلَا نَشْهَدُ شَهَادَةَ زُورِ

نَقْنَعُ بِخِرْقَةٍ وَلُقْمَةٍ فِي مَسْجِدٍ مَهْجُورٍ ... مَنْ كَانَ ذَا الْحَالُ فَذَنْبُهُ مَغْفُورُ

قَوْلُهُ: (وَبِالْمُكَلَّفِ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ) : أَيْ فَلَا حُرْمَةَ وَلَا حَدَّ لَكِنْ يُعَزَّرَانِ إذَا كَانَ لَهُمَا نَوْعُ تَمْيِيزٍ.

قَوْلُهُ: (وَبِالْمُلْتَزِمِ الْحَرْبِيُّ) : فَلَا حَدَّ وَيُحَرَّمُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَكَذَا يُقَالُ فِي الذِّمِّيِّ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا يَلْتَزِمُ بِالذِّمَّةِ مَا لَا يَعْتَقِدُهُ) فِيهِ أَنَّ الْخَمْرَ حَرَامٌ عِنْدَ الْكِتَابِيِّ فَالْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِغَيْرِ هَذَا وَلِهَذَا عَلَّلَ م ر بِتَعْلِيلٍ آخَرَ وَعِبَارَتُهُ، لِأَنَّهُ لَا يَلْتَزِمُ بِالذِّمَّةِ إلَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمِّيِّينَ. اهـ عَلَى أَنَّ مَنْطُوقَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَلْتَزِمُ شَيْئًا مِمَّا لَا يَعْتَقِدُهُ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ مَعَ أَنَّ هُنَاكَ أُمُورًا لَا يَعْتَقِدُهَا وَمَعَ ذَلِكَ يَلْتَزِمُهَا بِعَقْدِ الذِّمَّةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ: وَالذِّمِّيُّ خَارِجٌ بِمُلْتَزِمِ الْأَحْكَامِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ جَمِيعُهَا وَهُوَ لَا يَلْتَزِمُ جَمِيعَهَا.

وَيُجَابُ بِمَا ذُكِرَ عَنْ تَنْظِيرِ ق ل. وَعِبَارَةُ م د قَوْلُهُ: وَالذِّمِّيُّ فِيهِ نَظَرٌ. اهـ ق ل أَيْ فِي خُرُوجِهِ بِالْمُلْتَزِمِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُلْتَزِمَ لِلْأَحْكَامِ يَشْمَلُ الذِّمِّيَّ فَكَيْفَ يَخْرُجُ بِهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ لِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ الَّتِي مِنْهَا تَرْكُ الْمُسْكِرِ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَلْتَزِمُ الْجَمِيعَ فَتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (وَالْمُكْرَهُ) أَيْ فَلَا حُرْمَةَ وَلَا حَدَّ. قَوْلُهُ: غَصَّ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الثَّقِيلَةِ بِمَعْنَى شَرِقَ أَيْ وَخَشِيَ هَلَاكَهُ مِنْهَا إنْ لَمْ تَنْزِلْ جَوْفَهُ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إخْرَاجِهَا وَهَذِهِ الرُّخْصَةُ وَاجِبَةٌ قَالَ م ر: وَظَاهِرٌ أَنَّ خُصُوصَ الْهَلَاكِ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ لَا لِمُجَرَّدِ الْإِبَاحَةِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ مَاتَ شَهِيدًا لِجَوَازِ تَنَاوُلِهِ بَلْ وُجُوبِهِ ع ش.

قَوْلُهُ: (وَالسَّلَامَةُ) مُبْتَدَأٌ، " قَطْعِيَّةُ " خَبَرٌ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَوْ لَا مَحَلَّ لَهَا عَلَى الِاسْتِئْنَافِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الدَّوَاءِ) فَإِنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يُبَاحُ تَنَاوُلُهَا صِرْفَةً لِلتَّدَاوِي لِعَدَمِ الْقَطْعِ بِنَفْعِهَا فِيهِ بَلْ نَفْعُ الدَّوَاءِ مَوْهُومٌ فَقَدْ لَا يَحْصُلُ بِهَا الشِّفَاءُ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: لِلْقَطْعِ بِعَدَمِ نَفْعِهَا. قَوْلُهُ: (وَهَذِهِ) أَيْ الْإِسَاغَةُ رُخْصَةٌ وَاجِبَةٌ قَالَ الشَّيْخُ م ر: وَظَاهِرٌ أَنَّ خُصُوصَ الْهَلَاكِ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ لَا لِمُجَرَّدِ الْإِبَاحَةِ أَخْذًا مِنْ حُصُولِ الْإِكْرَاهِ الْمُبِيحِ لَهَا، بِنَحْوِ ضَرْبٍ شَدِيدٍ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَوْلًا) وَإِنْ كَانَ مِنْ مُغَلَّظٍ ق ل قَوْلُهُ: (وَوَجَبَ حَدُّهُ) مَرْجُوحٌ وَالْمُعْتَمَدُ لَا حَدَّ لِلشُّبْهَةِ وَكَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>