للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبِعَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ مَنْ جَهِلَ كَوْنَهَا خَمْرًا فَشَرِبَهَا ظَانًّا كَوْنَهَا شَرَابًا لَا يُسْكِرُ لَمْ يُحَدَّ لِلْعُذْرِ وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ الْفَائِتَةِ مُدَّةَ السُّكْرِ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ.

، وَلَوْ قَالَ السَّكْرَانُ بَعْدَ الْإِصْحَاءِ: كُنْتُ مُكْرَهًا، أَوْ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ الَّذِي شَرِبْتُهُ مُسْكِرًا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ قَالَهُ فِي الْبَحْرِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَلَوْ قَرُبَ إسْلَامُهُ فَقَالَ: جَهِلْتُ تَحْرِيمَهَا لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ. وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَنْ نَشَأَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ أَمْ لَا وَلَوْ قَالَ: عَلِمْتُ تَحْرِيمَهَا وَلَكِنْ جَهِلْتُ الْحَدَّ بِشُرْبِهَا حُدَّ، لِأَنَّ مِنْ حَقِّهِ إذَا عَلِمَ التَّحْرِيمَ أَنْ يَمْتَنِعَ، وَيُحَدُّ بِدُرْدِيٍّ مُسْكِرٍ وَلَا يُحَدُّ بِشُرْبِهِ فِيمَا اسْتَهْلَكَ فِيهِ، وَلَا بِخُبْزٍ عُجِنَ دَقِيقُهُ بِهِ؛ لِأَنَّ عَيْنَ الْمُسْكِرِ أَكَلَتْهُ النَّارُ وَبَقِيَ الْخُبْزُ مُتَنَجِّسًا، وَلَا مَعْجُونٍ هُوَ فِيهِ لِاسْتِهْلَاكِهِ، وَلَا بِأَكْلِ لَحْمٍ طُبِخَ بِهِ بِخِلَافِ مَرَقِهِ إذَا شَرِبَهُ أَوْ غَمَّسَ فِيهِ، أَوْ ثَرَدَ بِهِ فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِبَقَاءِ عَيْنِهِ.

وَيُحَرَّمُ تَنَاوُلُ الْخَمْرِ، لِدَوَاءٍ وَعَطَشٍ أَمَّا تَحْرِيمُ الدَّوَاءِ بِهَا: «فَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سُئِلَ عَنْ التَّدَاوِي بِهَا قَالَ: إنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ» وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سَلَبَ الْخَمْرَ مَنَافِعَهَا حِينَ حَرَّمَهَا. وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنْ أَنَّ فِيهَا مَنَافِعَ لِلنَّاسِ إنَّمَا هُوَ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا، وَإِنْ سُلِّمَ بَقَاءُ الْمَنْفَعَةِ، فَتَحْرِيمُهَا مَقْطُوعٌ بِهِ، وَحُصُولُ الشِّفَاءِ بِهَا مَظْنُونٌ فَلَا يَقْوَى عَلَى إزَالَةِ الْمَقْطُوعِ بِهِ. وَأَمَّا تَحْرِيمُهَا لِلْعَطَشِ فَلِأَنَّهُ لَا يُزِيلُهُ بَلْ يَزِيدُهُ، لِأَنَّ طَبْعَهَا حَارٌّ يَابِسٌ. كَمَا قَالَهُ أَهْلُ الطِّبِّ، وَشُرْبُهَا لِدَفْعِ الْجُوعِ كَشُرْبِهَا لِدَفْعِ الْعَطَشِ هَذَا إذَا تَدَاوَى بِصِرْفِهَا. أَمَّا

ــ

[حاشية البجيرمي]

يُقَالُ فِي الدَّوَاءِ: إنَّهُ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا لَا حُرْمَةَ وَلَا حَدَّ، وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهَا حُرِّمَتْ وَلَا حَدَّ، وَالْكَلَامُ فِي شُرْبِهَا صِرْفَةً، وَإِلَّا فَيَجُوزُ التَّدَاوِي بِمَا هِيَ فِيهِ كَصَرْفِ غَيْرِهَا مِنْ النَّجَاسَاتِ ق ل. وَانْظُرْ هَلْ قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا لَا حُرْمَةَ وَلَا حَدَّ مُنَافٍ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ إطْلَاقِ حُرْمَةِ تَنَاوُلِهَا لِلتَّدَاوِي اهـ م د.

قَوْلُهُ: (مَنْ جَهِلَ كَوْنَهَا خَمْرًا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: مَنْ جَهِلَ الْحُرْمَةَ وَكَانَ مَعْذُورًا وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ لَا يُنَاسِبُ إلَّا لَوْ قَالَ: عَالِمًا بِهَا.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ الْفَائِتَةِ إلَخْ) عِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ، وَإِذَا سَكِرَ بِمَا شَرِبَهُ لِتَدَاوٍ، أَوْ عَطَشٍ، أَوْ إسَاغَةِ لُقْمَةٍ قَضَى مَا فَاتَهُ مِنْ الصَّلَوَاتِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ، لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ الشُّرْبَ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْجَاهِلِ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضِ اهـ.

قَوْلُهُ: (مُسْكِرًا) الْأَوْلَى مُسْكِرٌ، لِأَنَّهُ خَبَرُ أَنَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: هُوَ مَعْمُولٌ لِمَحْذُوفٍ هُوَ الْخَبَرُ تَقْدِيرُهُ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ الَّذِي شَرِبْتُهُ يَكُونُ مُسْكِرًا اهـ أج وَلَا حَاجَةَ لِهَذَا التَّكَلُّفِ، لِأَنَّهُ لُغَةٌ كَمَا فِي:

إنَّ حُرَّاسَنَا أُسْدًا

وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَمْ أَعْلَمْ كَوْنَ إلَخْ لَكِنَّهَا مَصْلَحَةٌ.

قَوْلُهُ: (لَمْ يُحَدَّ) قَالَ ق ل: وَلَمْ يُحَرَّمْ اهـ.

وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّارِحُ، لِأَنَّ مُدَّعِيَ الْجَهْلِ وَلَوْ كَاذِبًا يُقْبَلُ مِنْهُ فِي دَعْوَى الْحَدِّ، وَأَمَّا الْحُرْمَةُ وَعَدَمُهَا فَتُبْنَى عَلَى صِدْقِهِ وَعَدَمِ صِدْقِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (بِدُرْدِيٍّ) وَهُوَ مَا يَبْقَى أَسْفَلَ إنَاءِ مَا يُسْكِرُ ثَخِينًا.

قَوْلُهُ: (وَلَا يُحَدُّ بِشُرْبِهِ) أَيْ الْمُسْكِرِ فِيمَا بِالْقَصْرِ لِيَشْمَلَ غَيْرَ الْمَاءِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ عَطْفُ قَوْلِهِ: وَلَا بِخُبْزٍ إلَخْ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ خَاصٌّ بِالْمَائِعَاتِ. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (وَلَا بِخُبْزٍ) أَيْ وَلَا بِأَكْلِ خُبْزٍ إلَخْ قَوْلُهُ: (أَكَلَتْهُ النَّارُ) نَظَرَ فِيهِ ق ل بَلْ قَالَ: إنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ اللُّبَابَ مُشْتَمِلٌ عَلَى عَيْنِ الْمُسْكِرِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا مَعْجُونٍ هُوَ) أَيْ الْمُسْكِرُ فِيهِ قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَرَقِهِ) أَيْ مَرَقِ اللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ بِالْخَمْرِ فَمَرَقُهُ هُوَ الْخَمْرُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: لِبَقَاءِ عَيْنِهِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ غَمَّسَ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَفِي الْمِصْبَاحِ غَمَسَهُ فِي الْمَاءِ غَمْسًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ فَانْغَمَسَ هُوَ اهـ فَالْمِيمُ مُخَفَّفَةٌ.

قَوْلُهُ: (أَوْ ثَرَدَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ يُقَالُ ثَرَدْتُ الْخُبْزَ ثَرْدًا مِنْ بَابِ قَتَلَ أَيْ فَتَّ مِصْبَاحٌ وَقَوْلُهُ: بِهِ أَيْ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (وَيُحَرَّمُ تَنَاوُلُ الْخَمْرِ) أَيْ الصِّرْفَةِ لِدَوَاءٍ أَوْ عَطَشٍ أَيْ وَلَا يُحَدُّ لِذَلِكَ، وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهُ لِشُبْهَةِ قَصْدِ التَّدَاوِي شَرْحَ الْمَنْهَجِ قَالَ سم: وَمَحَلُّ حُرْمَةِ شُرْبِهِ لِلْعَطَشِ مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ لِدَفْعِ الْهَلَاكِ. وَإِلَّا جَازَ بَلْ وَجَبَ كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَهُوَ وَاضِحٌ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُلْحَقَ بِالْهَلَاكِ نَحْوُ تَلَفِ عُضْوٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ. اهـ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ شَمَّ الصَّغِيرُ رَائِحَةَ الْمُسْكِرِ، وَخِيفَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُسْقَ مِنْهُ جَوَازُ سَقْيِهِ مِنْهُ مَا يَدْفَعُ عَنْهُ الضَّرَرَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ: وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر: فَرْعٌ شَمَّ صَغِيرٌ رَائِحَةً، وَخِيفَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُسْقَ مِنْهَا هَلْ يَجُوزُ سَقْيُهُ مِنْهَا مَا يَدْفَعُ عَنْهُ ضَرَرًا قَالَ م ر: إنْ خِيفَ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ، أَوْ مَرَضٌ يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ جَازَ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، سم الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَجَبَ. أَقُولُ: لَوْ قِيلَ يَكْفِي مُجَرَّدُ ضَرَرٍ تَحْصُلُ مَعَهُ مَشَقَّةٌ وَلَا سِيَّمَا إنْ غَلَبَ امْتِدَادُهُ بِالطِّفْلِ، لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا اهـ.

قَوْلُهُ: (مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ) أَيْ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>