للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وُجُوبًا إلَى إفَاقَتِهِ لِيَرْتَدِعَ فَإِنْ حُدَّ قَبْلَهَا فَفِي الِاعْتِدَادِ بِهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا: كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ الِاعْتِدَادُ بِهِ وَسَوْطُ الْحُدُودِ، أَوْ التَّعَازِيرِ بَيْنَ قَضِيبٍ وَهُوَ الْغُصْنُ وَعَصًا غَيْرِ مُعْتَدِلَةٍ وَبَيْنَ رَطْبٍ وَيَابِسٍ بِأَنْ يَكُونَ مُعْتَدِلَ الْجِرْمِ وَالرُّطُوبَةِ لِلْإِتْبَاعِ، وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِوُجُوبِ هَذَا وَلَا بِنَدْبِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ: الْوُجُوبُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ وَيُفَرِّقُ الضَّرْبَ عَلَى الْأَعْضَاءِ فَلَا يَجْمَعُهُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ وَيَجْتَنِبُ الْمَقَاتِلَ وَهِيَ مَوَاضِعُ يُسْرِعُ الْقَتْلُ إلَيْهَا بِالضَّرْبِ كَقَلْبٍ وَثُغْرَةِ نَحْرٍ وَفَرْجٍ وَيَجْتَنِبُ الْوَجْهَ أَيْضًا فَلَا يَضْرِبُهُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «إذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَّقِ الْوَجْهَ» . وَلِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ فَيَعْظُمُ أَثَرُ شَيْنِهِ، بِخِلَافِ الرَّأْسِ فَإِنَّهَا مُغَطَّاةٌ غَالِبًا فَلَا يُخَافُ تَشْوِيهُهُ بِالضَّرْبِ بِخِلَافِ الْوَجْهِ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لِلْجَلَّادِ اضْرِبْ الرَّأْسَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ فِي الرَّأْسِ. وَلَا تُشَدَّ يَدُ الْمَجْلُودِ وَلَا تُجَرَّدُ ثِيَابُهُ الْخَفِيفَةُ. أَمَّا مَا يَمْنَعُ كَالْجُبَّةِ الْمَحْشُوَّةِ فَتُنْزَعُ عَنْهُ مُرَاعَاةً لِمَقْصُودِ الْحَدِّ وَيُوَالَى الضَّرْبُ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ زَجْرٌ وَتَنْكِيلٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ عَلَى الْأَيَّامِ وَالسَّاعَاتِ لِعَدَمِ الْإِيلَامِ الْمَقْصُودِ فِي الْحُدُودِ، وَبِمَ يُضْبَطُ التَّفْرِيقُ الْجَائِزُ وَغَيْرُهُ؟ قَالَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وُجُوبًا) فِيهِ أَنَّهُ يُنَافِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ السَّكْرَانِ الَّذِي أَمَرَ النَّبِيُّ بِضَرْبِهِ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا تَقَدَّمَ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهُ نَوْعُ إحْسَاسٍ وَمَا هُنَا عَلَى خِلَافِهِ، أَوْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ ضُرِبَ بَعْدَ إفَاقَتِهِ. قَوْلُهُ: (الِاعْتِدَادِ بِهِ) أَيْ إنْ كَانَ لَهُ نَوْعُ إحْسَاسٍ وَلَعَلَّ الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَسَوْطُ الْحُدُودِ) هَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْحُدُودِ وَيُحَدُّ الرَّجُلُ قَائِمًا وَالْمَرْأَةُ جَالِسَةً وَيُجْعَلُ عِنْدَ الْمَرْأَةِ مَحْرَمٌ أَوْ امْرَأَةٌ تَلُفُّ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا إذَا انْكَشَفَتْ وَيُجْعَلُ عِنْدَ الْخُنْثَى مَحْرَمٌ لَا رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ وَلَا امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ: يُفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمَحْدُودُ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْفَضِيحَةِ مَعَ مُخَالَفَةِ الْمَأْثُورِ كَمَا قَالَهُ ح ل: وَيُحَدُّ ذُو الْهَيْئَةِ فِي مَحَلٍّ خَالٍ وَاسْتَحْسَنَ الْمَاوَرْدِيُّ مَا أَحْدَثَهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ مِنْ جَلْدِ الْمَرْأَةِ فِي نَحْوِ غِرَارَةٍ، لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَلَا يَتَوَلَّى الْجَلْدَ إلَّا الرِّجَالُ وَلَوْ مِنْ أُنْثَى وَخُنْثَى، لِأَنَّ الْجَلْدَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ النِّسَاءِ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْغُصْنُ) أَيْ الرَّقِيقُ قَوْلُهُ: (وَيُفَرِّقُ الضَّرْبَ) أَيْ وُجُوبًا فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ فَإِنْ خَالَفَ حُرِّمَ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ مَاتَ الْمَحْدُودُ لَا ضَمَانَ، لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ مَأْمُورٍ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ وَلَيْسَ مَشْرُوطًا بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ بِخِلَافِ الْمُعَزَّرِ فَإِنَّ التَّالِفَ بِالتَّعْزِيرِ مَضْمُونٌ وَمَحَلُّ عَدَمِ الضَّمَانِ بِالْحَدِّ إذَا لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ، فَإِنْ زَادَ وَتَلِفَ بِهِ وَبِمَا زَادَ ضَمِنَ بِالْقِسْطِ أج.

قَوْلُهُ: (وَيَجْتَنِبُ الْمَقَاتِلَ) أَيْ وُجُوبًا فَيُحَرَّمُ ضَرْبُهُ عَلَيْهَا فَإِنْ ضَرَبَهُ عَلَى مَقْتَلٍ فَمَاتَ فَفِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ: كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ جَلَدَهُ فِي حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ مُفْرِطَيْنِ قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ: وَمُقْتَضَاهُ نَفْيُ الضَّمَانِ اهـ م ر. وَكَتَبَ ح ل عَلَى قَوْلِ الْمَنْهَجِ: وَيَتَّقِي الْمَقَاتِلَ أَيْ وُجُوبًا فَلَوْ مَاتَ لَا ضَمَانَ، لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ مَأْمُورٍ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ وَلَيْسَ مَشْرُوطًا بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ. قَوْلُهُ: (وَثُغْرَةِ) نَحْرٍ بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَهِيَ النُّقْرَةُ الَّتِي فِي وَسَطِهِ وَالْجَمْعُ ثُغَرٌ مِثْلُ غُرْفَةٍ وَغُرَفٍ فَالثُّغْرَةُ بِالْمُثَلَّثَةِ كَالنُّقْرَةِ بِالنُّونِ لَفْظًا وَمَعْنًى وَجَمْعًا.

قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الرَّأْسِ) أَيْ فَلَا يَجِبُ اجْتِنَابُهُ فَيَجُوزُ الضَّرْبُ عَلَيْهِ أَيْ حَيْثُ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مَحْذُورُ تَيَمُّمٍ بِقَوْلِ طَبِيبٍ ثِقَةٍ، وَإِلَّا حُرِّمَ جَزْمًا لِعَدَمِ تَوَقُّفِ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَحَيْثُ كَانَ عَلَيْهِ شَعْرٌ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَعْرٌ لِقَرَعٍ، أَوْ حَلْقٍ اجْتَنَبَهُ قَطْعًا وَمَا نُقِلَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مِنْ أَمْرِهِ الْجَلَّادَ بِضَرْبِهِ وَتَعْلِيلُهُ بِأَنَّ فِيهِ شَيْطَانًا ضَعِيفٌ وَمُعَارَضٌ بِمَا مَرَّ عَنْ عَلِيٍّ كَمَا فِي م ر.

قَوْلُهُ: (فَإِنَّهَا مُغَطَّاةٌ) كَذَا فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ، وَالْأَوْلَى فَإِنَّهُ مُغَطًّى؛ إذْ الرَّأْسُ مُذَكَّرٌ لَكِنْ رَأَيْتُ لِبَعْضِهِمْ أَنَّ الرَّأْسَ تُؤَنَّثُ فِي قُوَيْلَةٍ لِأَهْلِ اللُّغَةِ أج.

قَوْلُهُ: (اضْرِبْ الرَّأْسَ) مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِهَا شَعْرٌ وَلَمْ يَحْصُلْ مَحْذُورُ تَيَمُّمٍ، أَوْ هُوَ ضَعِيفٌ مِنْ جِهَةِ الْإِطْلَاقِ وَعَدَمِ التَّفْصِيلِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا تُشَدُّ) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ حُرْمَةُ ذَلِكَ أَيْ إنْ تَأَذَّى بِذَلِكَ، وَإِلَّا كُرِهَ. اهـ. ح ل وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَلَا تُشَدُّ يَدُهُ أَيْ الْمَحْدُودِ وَلَوْ أُنْثَى وَالْيَدُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَشْمَلُ الْيَدَيْنِ مَعًا فَيُحَرَّمُ شَدُّهُمَا عِنْدَ شَيْخِنَا م ر. وَيُكْرَهُ فَقَطْ عِنْدَ خ ط وَالْأَوَّلُ مُوَافِقٌ لِمَا مَرَّ مِنْ تَمَكُّنِهِ مِنْ وَضْعِ يَدِهِ عَلَى مَا يُؤْلِمُهُ.

قَوْلُهُ: (وَلَا تُجَرَّدُ ثِيَابُهُ الْخَفِيفَةُ) أَيْ الَّتِي لَا تَمْنَعُ أَثَرَ الضَّرْبِ، وَتَظْهَرُ كَرَاهَةُ ذَلِكَ بِخِلَافِ نَحْوِ جُبَّةٍ مَحْشُوَّةٍ بَلْ يُتَّجَهُ وُجُوبُ نَزْعِهَا إنْ مَنَعَتْ وُصُولَ الْأَلَمِ الْمَقْصُودِ اهـ قَالَ ع ش عَلَى م ر: وَيَنْبَغِي حُرْمَتُهُ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهٍ مُزْرٍ كَعَظِيمٍ أُرِيدَ الِاقْتِصَارُ مِنْ ثِيَابِهِ عَلَى مَا يُزْرِي كَقَمِيصٍ لَا يَلِيقُ بِهِ أَوْ إزَارٍ فَقَطْ.

قَوْلُهُ: (وَبِمَا يُضْبَطُ) هُوَ الَّذِي فِي خَطِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>