للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَيَّ، لِأَنَّهُ إذَا شَرِبَ سَكِرَ، وَإِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى وَحَدُّ الِافْتِرَاءِ ثَمَانُونَ» وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ فِي الْحُرِّ وَعَلَى الْعِشْرِينَ فِي غَيْرِهِ. (عَلَى وَجْهِ التَّعْزِيرِ) ، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَدًّا لَمَا جَازَ تَرْكُهَا. وَقِيلَ: حَدٌّ، لِأَنَّ التَّعْزِيرَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ جِنَايَةٍ مُحَقَّقَةٍ، وَاعْتُرِضَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ وَضْعَ التَّعْزِيرِ النَّقْصُ عَنْ الْحَدِّ فَكَيْفَ يُسَاوِيهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لِجِنَايَاتٍ تَوَلَّدَتْ مِنْ الشَّارِبِ وَلِهَذَا اُسْتُحْسِنَ تَعْبِيرُ الْمِنْهَاجِ بِتَعْزِيرَاتٍ عَلَى تَعْبِيرِ الْمُحَرَّرِ بِتَعْزِيرٍ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ هَذَا الْجَوَابُ شَافِيًا فَإِنَّ الْجِنَايَاتِ لَمْ تَتَحَقَّقْ حَتَّى يُعَزَّرَ، وَالْجِنَايَاتُ الَّتِي تَتَوَلَّدُ مِنْ الْخَمْرِ لَا تَنْحَصِرُ فَلْتَجْزِ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّمَانِينَ وَقَدْ مَنَعُوهَا قَالَ: وَفِي قِصَّةِ تَبْلِيغِ الصَّحَابَةِ الضَّرْبَ ثَمَانِينَ أَلْفَاظٌ مُشْعِرَةٌ بِأَنَّ الْكُلَّ حَدٌّ، وَعَلَيْهِ فَحَدُّ الشَّارِبِ مَخْصُوصٌ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْحُدُودِ بِأَنْ يَتَحَتَّمَ بَعْضُهُ وَيَتَعَلَّقَ بَعْضُهُ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا تَعْزِيرَاتٌ، وَإِنَّمَا لَمْ تُجْزِئْ الزِّيَادَةُ اقْتِصَارًا عَلَى مَا وَرَدَ.

(وَيَجِبُ عَلَيْهِ) أَيْ الشَّارِبِ الْمُقَيَّدِ بِمَا تَقَدَّمَ (الْحَدُّ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ) إمَّا (بِالْبَيِّنَةِ) وَهِيَ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَنَّهُ شَرِبَ خَمْرًا، أَوْ شَرِبَ مِمَّا شَرِبَ مِنْهُ غَيْرُهُ فَسَكِرَ مِنْهُ. (أَوْ الْإِقْرَارِ) بِمَا ذُكِرَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ فَلَا يُحَدُّ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ نَاقِصَةٌ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَلَا بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ لِمَا مَرَّ فِي قَطْعِ السَّرِقَةِ وَلَا بِرِيحِ خَمْرٍ وَسُكْرٍ وَقَيْءٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ شَرِبَ غَالِطًا، أَوْ مُكْرَهًا. وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ وَلَا يَسْتَوْفِيهِ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ عَلَى الصَّحِيحِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى. نَعَمْ سَيِّدُ الْعَبْدِ يَسْتَوْفِيهِ بِعِلْمِهِ لِإِصْلَاحِ مِلْكِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَةِ تَفْصِيلٌ بَلْ يَكْفِي الْإِطْلَاقُ فِي إقْرَارٍ مِنْ شَخْصٍ بِأَنَّهُ شَرِبَ خَمْرًا وَفِي شَهَادَةٍ بِشُرْبِ مُسْكِرٍ: شَرِبَ فُلَانٌ خَمْرًا، وَلَا يُحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ: وَهُوَ مُخْتَارٌ عَالِمٌ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِكْرَاهِ. وَالْغَالِبُ مِنْ حَالِ الشَّارِبِ عِلْمُهُ بِمَا يَشْرَبُهُ فَنَزَلَ الْإِقْرَارُ وَالشَّهَادَةُ عَلَيْهِ وَيُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْ الْإِقْرَارِ، لِأَنَّ كُلَّ مَا لَيْسَ مِنْ حَقِّ آدَمِيٍّ يُقْبَلُ الرُّجُوعُ فِيهِ.

تَتِمَّةٌ: لَا يُحَدُّ حَالَ سُكْرِهِ. لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الرَّدْعُ وَالزَّجْرُ وَالتَّنْكِيلُ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ مَعَ السُّكْرِ بَلْ يُؤَخَّرُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْإِشَارَةُ لِكَوْنِهِ أَرْبَعِينَ، لِأَنَّهُ هُوَ الصَّادِرُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدَلِيلِ سِيَاقِ الْحَدِيثِ وَفِيهِ أَنَّ مَا فَعَلَهُ عُمَرُ اُشْتُهِرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَصَارَ إجْمَاعًا فَمَا وَجْهُ الْمُخَالَفَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ الزِّيَادَةِ لَا عَلَى نَفْسِهَا ح ل فَالظَّاهِرُ رُجُوعُ اسْمِ الْإِشَارَةِ لِلثَّمَانِينَ، لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ وَهُوَ مِنْ كَلَامِ عَلِيٍّ الرَّاوِي وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ وَهَذَا أَيْ الثَّمَانُونَ لِمَا يَأْتِي فِي قَوْلِ الشَّارِحِ: وَرَآهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَرَآهُ عَلِيٌّ لَكِنْ رَجَعَ عَنْهُ فَكَانَ يَجْلِدُ فِي خِلَافَتِهِ أَرْبَعِينَ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ إذَا شَرِبَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلشَّخْصِ. اهـ. زي لَكِنَّ الْمُنَاسِبَ لِمَا بَعْدَهُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِقَوْلِهِ: وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ وَيَكُونَ اسْمُ الْإِشَارَةِ رَاجِعًا لِلثَّمَانِينَ.

قَوْلُهُ: (هَذَى) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ خَلَطَ وَتَكَلَّمَ بِمَا لَا يَنْبَغِي كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَفِي الْقَامُوسِ هَذَى يَهْذِي هَذْيًا وَهَذَيَانًا تَكَلَّمَ بِغَيْرِ مَعْقُولٍ لِمَرَضٍ، أَوْ غَيْرِهِ. اهـ وَهُوَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ كَمَا هُوَ قَاعِدَةُ الْقَامُوسِ.

قَوْلُهُ: (افْتَرَى) أَيْ كَذَبَ وَقَذَفَ.

قَوْلُهُ: (وَحَدُّ الِافْتِرَاءِ) أَيْ الْقَذْفِ ثَمَانُونَ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَرْكُ حَدِّ الشُّرْبِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الثَّمَانِينَ حَدَّ الْقَذْفِ فَلَا يَنْتِجُ الدَّلِيلُ الْمُدَّعَى كَذَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا اهـ.

قَوْلُهُ: (عَلَى وَجْهِ التَّعْزِيرِ) الْأَوْلَى عَلَى وَجْهِ التَّعْزِيرَاتِ قَوْلُهُ: (وَقِيلَ: حَدٌّ) وَيَتَرَتَّبُ عَلَى أَنَّهَا تَعْزِيرٌ الضَّمَانُ بِالتَّلَفِ وَعَلَى أَنَّهَا حَدٌّ عَدَمُ الضَّمَانِ. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (وَاعْتُرِضَ الْأَوَّلُ) هُوَ كَوْنُهَا تَعْزِيرًا.

قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ فَحَدُّ الشَّارِبِ) هَذَا أَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ) لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ، وَإِنْ كَانَتْ كَالْإِقْرَارِ إلَّا أَنَّ اسْتِمْرَارَهُ عَلَى الْإِنْكَارِ بِمَنْزِلَةِ رُجُوعِهِ، وَرُجُوعَهُ مَقْبُولٌ وَهُوَ حَسَنٌ. اهـ. طَبَلَاوِيٌّ وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ: وَحَدٌّ بِإِقْرَارِهِ أَيْ الْحَقِيقِيِّ زي وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ، وَلَعَلَّ صُورَتَهَا أَنْ يَرْمِيَ غَيْرَهُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ فَيَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ رَمَاهُ بِذَلِكَ وَيُرِيدَ تَعْزِيرَهُ فَيَطْلُبَ السَّابُّ الْيَمِينَ مِمَّنْ نَسَبَ إلَيْهِ شُرْبَهَا فَيَمْتَنِعَ وَيَرُدَّهَا عَلَيْهِ فَيَسْقُطَ عَنْهُ التَّعْزِيرُ وَلَا يَجِبَ الْحَدُّ عَلَى الرَّادِّ لِلْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ فِي قَطْعِ السَّرِقَةِ) كَذَا فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ لَكِنَّ الْأَوْلَى لِمَا يَأْتِي فِي قَطْعِ السَّرِقَةِ، وَعُذْرُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ نَقَلَ عِبَارَةَ غَيْرِهِ. وَاتُّفِقَ أَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْهُ قَدَّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالسَّرِقَةِ عَلَى الشُّرْبِ اهـ أج

قَوْلُهُ: (بَلْ يُؤَخَّرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>