للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَجَابَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ بِقَوْلِهِ:

وِقَايَةُ النَّفْسِ أَغْلَاهَا وَأَرْخَصَهَا ... وِقَايَةُ الْمَالِ فَافْهَمْ حِكْمَةَ الْبَارِي

وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ لَمَّا سُئِلَ عَنْ هَذَا: لَمَّا كَانَتْ أَمِينَةً كَانَتْ ثَمِينَةً فَلَمَّا خَانَتْ هَانَتْ.

وَأَرْكَانُ الْقَطْعِ ثَلَاثَةٌ: مَسْرُوقٌ وَسَرِقَةٌ وَسَارِقٌ. وَالْمُصَنِّفُ اقْتَصَرَ عَلَى السَّارِقِ وَالْمَسْرُوقِ فَقَالَ: (وَتُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ) وَالسَّارِقَةِ، وَلَوْ ذِمِّيَّيْنِ وَرَقِيقَيْنِ (بِسِتَّةِ) بَلْ بِعَشَرَةِ (شَرَائِطَ) كَمَا سَتَعْرِفُهُ وَمُرَادُهُ بِالشَّرْطِ هُنَا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ الشَّامِلُ لِلرُّكْنِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا الْمَسْرُوقَ. وَهُوَ أَحَدُ الْأَرْكَانِ كَمَا مَرَّ: الْأَوَّلُ (أَنْ يَكُونَ) السَّارِقُ (بَالِغًا) فَلَا يُقْطَعُ صَبِيٌّ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ.

(وَ) الثَّانِي أَنْ يَكُونَ (عَاقِلًا) فَلَا يُقْطَعُ مَجْنُونٌ لِمَا ذُكِرَ.

(وَ) الثَّالِثُ وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ الْأَرْكَانِ. (أَنْ يَسْرِقَ نِصَابًا) وَهُوَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْقَدِيمِ إنَّ الدِّيَةَ أَلْفُ دِينَارٍ قَوْلُهُ وِقَايَةُ النَّفْسِ أَيْ قَصْدُ وِقَايَةِ النَّفْسِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا الْيَدُ أَغْلَاهَا أَيْ جَعَلَهَا غَالِيَةً قَالَ زي أَيْ وَلَوْ وُدِيَتْ بِالْقَلِيلِ لَكَثُرَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى الْأَطْرَافِ الْمُؤَدِّيَةُ لِإِزْهَاقِ النُّفُوسِ لِسُهُولَةِ الْغُرْمِ فِي مُقَابَلَتِهَا وَلَوْ لَمْ تُقْطَعْ إلَّا فِي الْكَثِيرِ لَكَثُرَتْ الْجِنَايَاتُ عَلَى الْأَمْوَالِ. اهـ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا وُدِيَتْ بِالْكَثِيرِ لِأَجْلِ وِقَايَةِ النَّفْسِ وَقُطِعَتْ فِي الْقَلِيلِ لِأَجْلِ وِقَايَةِ الْمَالِ فَتَأَمَّلْ. اهـ. م د

قَوْلُهُ وِقَايَةُ الْمَالِ أَيْ قَصْدُ وِقَايَةِ الْمَالِ عَنْ السَّرِقَةِ أَيْ حِفْظُهُ عَنْهَا وَنُسْخَةٌ ذُلُّ الْخِيَانَةِ بَدَلَ وِقَايَةُ الْمَالِ وَفِي نُسْخَةٍ وَأَرْخَصَهَا خِيَانَةُ الْمَالِ أَيْ الْخِيَانَةُ فِي الْمَالِ قَوْلُهُ ثَمِينَةً أَيْ ثَمَنُهَا غَالٍ

قَوْلُهُ: (وَأَرْكَانُ الْقَطْعِ) الصَّوَابُ وَأَرْكَانُ السَّرِقَةِ، لِأَنَّ الْأَرْكَانَ لَهَا لَا لَهُ، لِأَنَّهُ حُكْمٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ: وَأَرْكَانُ السَّرِقَةِ سَرِقَةٌ إلَخْ، وَعُذْرُ الشَّارِحِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: مَا ذُكِرَ لَلَزِمَ عَلَيْهِ جَعْلُ الشَّيْءِ رُكْنًا لِنَفْسِهِ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْكَانِ السَّرِقَةُ الشَّرْعِيَّةُ وَالرُّكْنُ السَّرِقَةُ اللُّغَوِيَّةُ، كَانَ مَا سَلَكَهُ غَيْرُهُ أَوْلَى، لِأَنَّ السَّرِقَةَ هِيَ الْمَقْصُودَةُ، وَالْقَطْعَ حُكْمٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ أَرْكَانُهَا أَيْ السَّرِقَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ الْآتِي بَيَانُهُ ثَلَاثَةٌ: سَرِقَةٌ وَسَارِقٌ وَمَسْرُوقٌ فَالسَّرِقَةُ أَخْذُ مَالٍ خِفْيَةً إلَخْ. وَقَوْلُهُ: " الْمُوجِبَةِ " أَشَارَ بِهِ إلَى دَفْعِ التَّهَافُتِ فِي كَلَامِهِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى: أَرْكَانُ السَّرِقَةِ سَرِقَةٌ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّرِقَةِ الْأُولَى الشَّرْعِيَّةُ أَيْ الْمُوجِبَةُ لِلْقَطْعِ وَبِالثَّانِيَةِ اللُّغَوِيَّةُ وَهِيَ أَخْذُ الشَّيْءِ خِفْيَةً سَوَاءٌ كَانَ مَالًا، أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ، أَوْ لَا كَمَا فِي شَرْحِ م ر فَلَمْ يَلْزَمْ عَلَيْهِ كَوْنُ الشَّيْءِ رُكْنًا لِنَفْسِهِ.

قَوْلُهُ: (وَالْمُصَنِّفُ اقْتَصَرَ إلَخْ) الْأَوَّلُ ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ: وَتُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إلَخْ وَالثَّانِي فِي قَوْلِهِ: أَنْ يَسْرِقَ نِصَابًا.

قَوْلُهُ: (وَتُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ) أَيْ أَوْ رِجْلُهُ عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي وَلَوْ قَالَ: وَيُقْطَعُ السَّارِقُ إلَخْ لَكَانَ أَوْلَى.

قَوْلُهُ: (وَالسَّارِقَةِ) فَفِي كَلَامِهِ اكْتِفَاءٌ. وَقَوْلُهُ: وَلَوْ ذِمِّيَّيْنِ وَرَقِيقَيْنِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي السَّارِقِ الْإِسْلَامُ وَلَا الْحُرِّيَّةُ وَخَرَجَ بِالذِّمِّيِّ غَيْرُهُ وَلَوْ مُعَاهَدًا فَلَا يُقْطَعُ، وَإِنْ شُرِطَ قَطْعُهُ بِذَلِكَ، زي: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي السَّارِقِ الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْتِزَامُ الْأَحْكَامِ وَالِاخْتِيَارُ وَعِلْمُهُ بِالتَّحْرِيمِ وَأَنْ لَا يَكُونَ مَأْذُونًا لَهُ مِنْ الْمَالِكِ وَأَنْ لَا يَكُونَ أَصْلًا، أَوْ فَرْعًا أَوْ رَقِيقَ أَحَدِهِمَا، وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَسْرُوقِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ كَوْنُهُ: رُبُعَ دِينَارٍ خَالِصًا، أَوْ قِيمَتَهُ، وَكَوْنُهُ مِلْكًا لِغَيْرِهِ، وَكَوْنُهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ، وَكَوْنُهُ مُحْرَزًا بِحِرْزِ مِثْلِهِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ مُحْتَرَمًا فَيُغْنِي عَنْهُ الْأَوَّلُ فَتَأَمَّلْ.

وَقَوْلُهُ: وَرَقِيقَيْنِ أَيْ مِنْ مَالِ غَيْرِ السَّيِّدِ.

قَوْلُهُ: (وَمُرَادُهُ بِالشَّرْطِ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَا عَبَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ إنَّمَا هُوَ الشَّرْطُ وَهُوَ قَوْلُهُ: أَنْ يَسْرِقَ، وَأَمَّا الْمَالُ فَهُوَ الرُّكْنُ وَلَمْ يَعُدَّهُ مِنْ الشُّرُوطِ فَكَانَ الْأَوْلَى إبْقَاءَ الْمَتْنِ عَلَى ظَاهِرِهِ.

قَوْلُهُ: (لِمَا ذُكِرَ) أَيْ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ وَلَوْ عَلَّمَ السَّرِقَةَ لِنَحْوِ قِرْدٍ فَسَرَقَ لَهُ فَلَا قَطْعَ، لِأَنَّ لِلْحَيَوَانِ اخْتِيَارًا كَمَا فِي شَرْحِ الشَّارِحِ عَلَى الْمِنْهَاجِ.

قَوْلُهُ: (الْمُشَارُ إلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ الْأَرْكَانِ) فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الرُّكْنَ هُوَ الْمَالُ الْمَسْرُوقُ، وَأَمَّا بُلُوغُهُ نِصَابًا فَهُوَ شَرْطٌ فِيهِ ق ل.

قَوْلُهُ: (نِصَابًا) أَيْ يَقِينًا فَلَوْ شَكَّ فِيهِ وَلَوْ بِاخْتِلَافِ الْمَوَازِينِ أَوْ الْمُقَوِّمِينَ، أَوْ الشَّاهِدِينَ فَلَا قَطْعَ مُطْلَقًا وَلِصَاحِبِهِ الْحَلِفُ عَلَى الْأَكْثَرِ لِلتَّقْوِيمِ، إذَا لَمْ يَحْلِفْ الْآخِذُ عَلَى الْأَقَلِّ، ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَشَذَّ مَنْ قَطَعَ بِأَقَلَّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ وَخَبَرُ «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ وَالْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» إمَّا أَنْ يُرَادَ بِالْبَيْضَةِ فِيهِ بَيْضَةُ الْحَدِيدِ وَبِالْحَبْلِ مَا يُسَاوِي رُبُعًا كَحَبْلِ السَّفِينَةِ، أَوْ الْجِنْسُ، أَوْ أَنَّ مِنْ شَأْنِ السَّرِقَةِ أَنَّ صَاحِبَهَا يَتَدَرَّجُ مِنْ الْقَلِيلِ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>