للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَبْلَ الْقَبُولِ قُطِعَ فِي الصُّورَتَيْنِ.

أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّ الْقَبُولَ لَمْ يَقْتَرِنْ بِالْوَصِيَّةِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَبِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا لَا يَحْصُلُ بِالْمَوْتِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِالْهِبَةِ بَعْدَ الْقَبُولِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ. فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ. أُجِيبَ: بِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ مُقَصِّرٌ بِعَدَمِ الْقَبُولِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ بِخِلَافِهِ فِي الْهِبَةِ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَبْضِ، وَأَيْضًا الْقَبُولُ وُجِدَ ثَمَّ، وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا. وَلَوْ سَرَقَ الْمُوصَى بِهِ فَقِيرٌ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَالْوَصِيَّةُ لِلْفُقَرَاءِ لَمْ يُقْطَعْ كَسَرِقَةِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بِخِلَافِ مَا لَوْ سَرَقَهُ الْغَنِيُّ.

تَنْبِيهٌ: لَوْ مَلَكَ السَّارِقُ الْمَسْرُوقَ، أَوْ بَعْضَهُ بِإِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ كَشِرَاءٍ قَبْلَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ، أَوْ نَقَصَ فِي الْحِرْزِ عَنْ نِصَابٍ بِأَكْلِ بَعْضِهِ، أَوْ غَيْرِهِ، كَإِحْرَاقِهِ لَمْ يُقْطَعْ أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ مَا أَخْرَجَ إلَّا مِلْكَهُ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْ مِنْ الْحِرْزِ نِصَابًا وَلَوْ ادَّعَى السَّارِقُ مِلْكَ الْمَسْرُوقِ أَوْ بَعْضِهِ لَمْ يُقْطَعْ عَلَى النَّصِّ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ فَصَارَ شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْقَطْعِ وَيُرْوَى عَنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ سَمَّاهُ السَّارِقَ الظَّرِيفَ أَيْ الْفَقِيهَ.

وَلَوْ سَرَقَ اثْنَانِ مَثَلًا نِصَابَيْنِ وَادَّعَى الْمَسْرُوقَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَهُ أَوْ لَهُمَا فَكَذَّبَهُ الْآخَرُ لَمْ يُقْطَعْ الْمُدَّعِي، لِمَا مَرَّ وَقُطِعَ الْآخَرُ فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ نِصَابٍ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ، وَإِنْ سَرَقَ مِنْ حِرْزِ شَرِيكِهِ مَالًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَلَا قَطْعَ بِهِ. وَإِنْ قَلَّ نَصِيبُهُ، لِأَنَّ لَهُ فِي كُلِّ جُزْءٍ حَقًّا شَائِعًا وَذَلِكَ شُبْهَةٌ فَأَشْبَهَ مَنْ وَطِئَ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَكَةَ.

(وَ) السَّادِسُ كَوْنُ السَّارِقِ (لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي مَالِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ) لِحَدِيثِ: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» صَحَّحَ الْحَاكِمُ إسْنَادَهُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ شُبْهَةُ الْمِلْكِ: كَمَنْ سَرَقَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (لَا يَحْصُلُ بِالْمَوْتِ) أَيْ بَلْ بِالْقَبُولِ بَعْدَهُ قَوْلُهُ: (فَإِنْ قِيلَ إلَخْ) الْإِيرَادُ عَلَى الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ.

قَوْلُهُ: (كَشِرَاءٍ) كَأَنْ وَكَّلَ غَيْرَهُ فِي شِرَائِهِ فَاشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ قَبْلَ إخْرَاجِ الْمُوَكِّلِ لَهُ، وَقَوْلُهُ: قَبْلَ إخْرَاجِهِ ظَرْفٌ لِ مَلَكَ.

قَوْلُهُ: (قَبْلَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ) أَيْ وَكَذَا بَعْدَهُ قَبْلَ الرَّفْعِ إلَى الْحَاكِمِ. قَوْلُهُ: (أَوْ نَقَصَ فِي الْحِرْزِ عَنْ نِصَابٍ بِأَكْلِ بَعْضِهِ) هَذِهِ تَقَدَّمَتْ بِعَيْنِهَا. وَيُجَابُ عَنْ الشَّارِحِ بِأَنَّهُ كَانَ يَغْلِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِغْرَاقُ فِي بَحْرِ الْأُحْدِيَّةِ، فَيَقَعُ مِنْهُ التَّكْرَارُ وَغَيْرُهُ لَا عَنْ قَصْدٍ كَمَا وَقَعَ لِلسَّيِّدِ الدُّسُوقِيِّ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَا تَلِيقُ أَنْ تَقَعَ مِنْ غَيْرِهِ.

قَوْلُهُ: (مِلْكَ الْمَسْرُوقِ) أَيْ مِلْكًا سَابِقًا عَلَى السَّرِقَةِ، وَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بَلْ أَوْ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ بِكَذِبِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ شَرْحَ م ر. وَهَذَا عَدَّهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مِنْ الْحِيَلِ الْمُحَرَّمَةِ، وَعَدَّ دَعْوَى الزَّوْجِيَّةِ مِنْ الْحِيَلِ الْمُبَاحَةِ كَمَا فِي سم. وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر وَلَا بِمَا إذَا ادَّعَى مِلْكَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَائِقًا بِهِ وَكَانَ مِلْكُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ ثَابِتًا بِبَيِّنَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا وَهِيَ مِنْ الْحِيَلِ الْمُحَرَّمَةِ بِخِلَافِ دَعْوَى الزَّوْجِيَّةِ فِي الزِّنَا فَهِيَ مِنْ الْحِيَلِ الْمُبَاحَةِ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ دَعْوَى الْمِلْكِ هُنَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ بِخِلَافِ الزَّوْجِيَّةِ فَجَوَّزَ دَعْوَى الزَّوْجِيَّةِ فِيهِ تَوَصُّلًا إلَى إسْقَاطِ الْحَدِّ اهـ بِحُرُوفِهَا.

قَوْلُهُ: (دَارِئَةً) أَيْ مُسْقِطَةً وَادِّعَاؤُهُ الْمِلْكَ لَيْسَ قَيْدًا حَتَّى لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ مِلْكُ سَيِّدِهِ أَوْ مِلْكُ بَعْضِهِ، أَوْ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ الْحِرْزِ بِإِذْنِهِ، أَوْ أَنَّ الْحِرْزَ مَفْتُوحٌ، أَوْ أَنَّ الْمَسْرُوقَ دُونَ النِّصَابِ، وَإِنْ ثَبَتَ كَذِبُهُ كَمَا لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَادَّعَى أَنَّهَا حَلِيلَتُهُ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا قَطْعَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا زي.

قَوْلُهُ: (السَّارِقَ الظَّرِيفَ) رَوَى أَصْحَابُ الْغَرِيبِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ اللِّصُّ ظَرِيفًا لَمْ يُقْطَعْ أَيْ إذَا كَانَ بَلِيغًا جَيِّدَ الْكَلَامِ يَحْتَجُّ عَنْ نَفْسِهِ بِمَا يُسْقِطُ الْحَدَّ عَنْهُ.

وَالظَّرَافَةُ فِي اللِّسَانِ الْبَلَاغَةُ وَفِي الْوَجْهِ الْحُسْنُ وَفِي الْقَلْبِ الذَّكَاءُ. اهـ. دَمِيرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (أَنَّهُ لَهُ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: الْمَسْرُوقَ قَوْلُهُ: (فَكَذَّبَهُ الْآخَرُ) وَقَالَ: بَلْ سَرَقْنَاهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ صَدَّقَهُ، أَوْ سَكَتَ أَوْ قَالَ: لَا أَدْرِي فَلَا يُقْطَعُ أَيْضًا لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ.

قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ قَوْلُهُ: (مَالًا مُشْتَرَكًا) خَرَجَ مَا لَوْ سَرَقَ غَيْرَ الْمُشْتَرَكِ فَيُقْطَعُ إنْ دَخَلَ الْحِرْزَ بِقَصْدِ سَرِقَتِهِ فَقَطْ، لِامْتِنَاعِ دُخُولِهِ حِينَئِذٍ وَعِبَارَةُ ق ل هُوَ أَيْ التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي قَطْعَهُ بِمَالِ شَرِيكِهِ غَيْرِ الْمُشْتَرَكِ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ لَيْسَ فِيهِ مَالٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، أَوْ فِيهِ وَدَخَلَ بِقَصْدِ سَرِقَةِ مَالِ شَرِيكِهِ، وَإِلَّا فَلَا وَفِيهِ نَظَرٌ.

قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ شُبْهَةُ الْمِلْكِ) ذَكَرَ أَنَّ الشُّبْهَةَ ثَلَاثَةٌ: شُبْهَةُ الْفَاعِلِ، وَشُبْهَةُ الْمَحَلِّ، وَشُبْهَةُ الْمِلْكِ، وَهَلْ يَأْتِي هُنَا شُبْهَةُ الطَّرِيقِ اُنْظُرْهُ. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>