فَلَوْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ خَمْرًا وَلَوْ مُحْتَرَمَةً وَخِنْزِيرًا وَكَلْبًا، وَلَوْ مُقْتَنًى، وَجِلْدَ مَيِّتٍ بِلَا دَبْغٍ فَلَا قَطْعَ، لِأَنَّ مَا ذُكِرَ لَيْسَ بِمَالٍ أَمَّا الْمَدْبُوغُ فَيُقْطَعُ بِهِ حَتَّى لَوْ دَبَغَهُ السَّارِقُ فِي الْحِرْزِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ وَهُوَ يُسَاوِي نِصَابَ سَرِقَةٍ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِهِ إذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ إذَا دَبَغَهُ الْغَاصِبُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَمِثْلُهُ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إذَا صَارَ الْخَمْرُ خَلًّا بَعْدَ وَضْعِ السَّارِقِ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَبْلَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ فَإِنْ بَلَغَ إنَاءُ الْخَمْرِ نِصَابًا قُطِعَ بِهِ، لِأَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ كَمَا إذَا سَرَقَ إنَاءً فِيهِ بَوْلٌ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِاتِّفَاقٍ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ. هَذَا إذَا قَصَدَ بِإِخْرَاجِ ذَلِكَ السَّرِقَةَ أَمَّا إذَا قَصَدَ تَغْيِيرَهَا بِدُخُولِهِ أَوْ بِإِخْرَاجِهَا فَلَا قَطْعَ وَسَوَاءٌ أَخْرَجَهَا فِي الْأُولَى، أَوْ دَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ بِقَصْدِ السَّرِقَةِ أَمْ لَا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضِ فِيهِمَا وَكَلَامِ أَصْلِهِ فِي الثَّانِيَةِ. وَلَا قَطْعَ فِي أَخْذِ مَا سَلَّطَ الشَّرْعُ عَلَى كَسْرِهِ كَمِزْمَارٍ، وَصَنَمٍ وَصَلِيبٍ وَطُنْبُورٍ، لِأَنَّ التَّوَصُّلَ إلَى إزَالَةِ الْمَعْصِيَةِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فَصَارَ شُبْهَةً كَإِرَاقَةِ الْخَمْرِ، فَإِنْ بَلَغَ مُكَسَّرُهُ نِصَابًا قُطِعَ، لِأَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ حِرْزِهِ، هَذَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ التَّغْيِيرَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فَإِنْ قَصَدَ بِإِخْرَاجِهِ تَيَسُّرَ تَغْيِيرٍ فَلَا قَطْعَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِمُسْلِمٍ، أَوْ ذِمِّيٍّ وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَا لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ الْكُتُبِ إذَا كَانَ الْجِلْدُ وَالْقِرْطَاسُ يَبْلُغُ نِصَابًا وَبِسَرِقَةِ إنَاءِ النَّقْدِ، لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ إلَّا إنْ أَخْرَجَهُ مِنْ الْحِرْزِ لِيُشْهِرَهُ بِالْكَسْرِ وَلَوْ كَسَرَ إنَاءَ الْخَمْرِ وَالطُّنْبُورَ وَنَحْوَهُ، أَوْ إنَاءَ النَّقْدِ فِي الْحِرْزِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ قُطِعَ إنْ بَلَغَ نِصَابًا كَحُكْمِ الصَّحِيحِ.
وَالْعَاشِرُ كَوْنُ الْمِلْكِ فِي النِّصَابِ تَامًّا قَوِيًّا كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ فَلَا يُقْطَعُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
بَعْضُهُمْ: وَالصَّوَابُ إسْقَاطُ هَذَا الشَّرْطِ؛ إذْ هُوَ خَارِجٌ بِمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ: نِصَابًا؛ إذْ هُوَ لَا يَكُونُ إلَّا مَالًا.
قَوْلُهُ: (فَلَوْ أَخْرَجَ) لَمْ يَقُلْ سَرَقَ لِأَنَّ أَخْذُ مَا ذُكِرَ لَا يُسَمَّى سَرِقَةً لِأَنَّهَا أَخْذُ الْمَالِ إلَخْ وَهَذَا لَا يُسَمَّى مَالًا. قَوْلُهُ: (وَجِلْدَ مَيِّتٍ) الَّذِي بِخَطِّهِ مَيْتَةٍ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ بَلَغَ إنَاءُ الْخَمْرِ) مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ وَهَذَا إنْ لَمْ يَبْلُغْ إنَاءُ الْخَمْرِ نِصَابًا.
قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ كَوْنُهُ يُقْطَعُ بِإِنَاءِ الْخَمْرِ.
قَوْلُهُ: (أَمَّا إذَا قَصَدَ تَغْيِيرَهَا) أَيْ بِالْإِرَاقَةِ قَوْلُهُ: بِدُخُولِهِ أَيْ لِلْحِرْزِ.
قَوْلُهُ: (فِي الْأُولَى) هِيَ قَوْلُهُ: إذَا قَصَدَ تَغْيِيرَهَا بِدُخُولِهِ، وَالثَّانِيَةُ هِيَ قَوْلُهُ: أَوْ بِإِخْرَاجِهَا، وَقَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا. وَقَوْلُهُ: بِقَصْدِ السَّرِقَةِ أَمْ لَا مُتَعَلِّقٌ بِإِخْرَاجِهَا. وَبِقَوْلِهِ: أَوْ دَخَلَ عَلَى وَجْهِ التَّنَازُعِ.
قَوْلُهُ: (وَطُنْبُورٍ) هُوَ بِالضَّمِّ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَالطِّنْبَارُ بِالْكَسْرِ لُغَةٌ فِيهِ. اهـ. مُخْتَارٌ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ بَلَغَ مُكَسَّرُهُ) الْمُرَادُ بِمُكَسَّرِهِ خَشَبُهُ وَأَجْزَاؤُهُ مِنْ الْحِبَالِ عَلَى فَرْضِ لَوْ فُصِلَتْ وَأُزِيلَتْ صُورَتُهَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْكَسْرَ الْحَقِيقِيَّ. قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ مَحَلُّ كَوْنِهِ يُقْطَعُ بِمُكَسَّرِهِ إنْ بَلَغَ نِصَابًا قَوْلُهُ: (مَا لَا يَحِلُّ) لَيْسَ هَذَا مُكَرَّرًا مَعَ مَا تَقَدَّمَ بَلَى هُوَ أَعَمُّ، لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ خَاصٌّ بِالشِّعْرِ الْمُحَرَّمِ وَمَا هُنَا أَعَمُّ مِنْ الشِّعْرِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَالْقِرْطَاسُ) أَيْ الْوَرَقُ. وَحَاصِلُ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّقْوِيمِ الْمُبَاحِ وَالْمُحَرَّمِ أَنَّ الْمُبَاحَ يُقَوَّمُ بِهَيْئَتِهِ مَكْتُوبًا مَعَ الْجِلْدِ وَالْمُحَرَّمَ يُقَوَّمُ الْوَرَقُ بِفَرْضِ كَوْنِهِ أَبْيَضَ مِنْ غَيْرِ كِتَابَةٍ. قَوْلُهُ: (يَبْلُغُ نِصَابًا) هَذَا قَدْ تَقَدَّمَ فَهُوَ مُكَرَّرٌ.
قَوْلُهُ: (لِيُشْهِرَهُ بِالْكَسْرِ) أَيْ لِيُشْهِرَ كَسْرَهُ بَيْنَ النَّاسِ، وَقَالَ م د: أَيْ لِيُنْظَرَ إلَيْهِ فِي إزَالَةِ الْمُنْكَرِ قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَسَرَ إنَاءَ الْخَمْرِ) مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ مَا تَقَدَّمَ إذَا سَرَقَهَا صَحِيحَةً فَإِنْ كَسَرَهَا قَبْلَ إخْرَاجِهَا، ثُمَّ أَخْرَجَهَا فَكَذَلِكَ. أَيْ إنْ بَلَغَ نِصَابًا قُطِعَ، وَإِلَّا فَلَا كَحُكْمِ الصَّحِيحِ وَمَحَلُّ الْقَطْعِ فِي الْجَمِيعِ مَا لَمْ يَقْصِدْ إزَالَةَ الْمَعْصِيَةِ سَوَاءٌ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ وَقْتَ الْإِخْرَاجِ، وَإِلَّا فَلَا قَطْعَ قَوْلُهُ: (وَالطُّنْبُورَ وَنَحْوَهُ) أَيْ كَالْمِزْمَارِ وَالصَّنَمِ وَالصَّلِيبِ كَحُكْمِ الصَّحِيحِ أَيْ كَحُكْمِ الْإِنَاءِ الصَّحِيحِ إذَا سَرَقَهُ لَا بِقَصْدِ التَّغْيِيرِ كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (أَوْ إنَاءَ النَّقْدِ) وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ بِهَيْئَتِهِ وَصُورَتِهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آلَاتِ الْمَلَاهِي أَنَّ هَذَا مُحَرَّمٌ لِعَارِضٍ دُونَ تِلْكَ وَلِهَذَا لَا تُبَاحُ إلَّا لِضَرُورَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَالْعَاشِرُ إلَخْ) قَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَوْلَى حَذْفُ هَذَا الشَّرْطِ وَمَا أَخْرَجَهُ بِهِ يَخْرُجُ بِالشَّرْطِ السَّادِسِ وَهُوَ عَدَمُ الشُّبْهَةِ وَأَيْضًا فَمَا مَعْنَى كَوْنِ الْمِلْكِ تَامًّا قَوِيًّا وَمَا مَعْنَى كَوْنِ الْمِلْكِ غَيْرَ تَامٍّ، وَغَيْرَ قَوِيٍّ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي أَخْرَجَهَا. إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ: بِالْمِلْكِ التَّامِّ الْقَوِيِّ أَنْ يَكُونَ مَالِكُهُ مُعَيَّنًا سَوَاءٌ كَانَ وَاحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا وَالْمُرَادُ بِكَوْنِ الْمِلْكِ فِيمَا أَخْرَجَهُ غَيْرَ تَامٍّ إلَخْ أَنَّ الْحَقَّ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ لَا يَخْتَصُّ بِهِ وَاحِدٌ دُونَ آخَرَ وَالتَّعْبِيرُ بِالْمِلْكِ فِيهِ نَوْعُ مُسَامَحَةٍ، لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِحْقَاقُ انْتِفَاعٍ.
قَوْلُهُ: (تَامًّا قَوِيًّا) يَقْتَضِي أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَمْلِكُونَ حُصُرَ الْمَسْجِدِ وَنَحْوَهَا مِلْكًا ضَعِيفًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ إذْ