للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَيْثُ الْمَعْنَى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّارِقِ بِأَنَّ السَّارِقَ يَأْخُذُ الْمَالَ خِفْيَةً وَلَا يَتَأَتَّى مَنْعُهُ فَشُرِعَ الْقَطْعُ زَجْرًا لَهُ، وَهَؤُلَاءِ يَقْصِدُونَهُ عِيَانًا فَيُمْكِنُ مَنْعُهُمْ بِالسُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ. كَذَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ. وَلَعَلَّ هَذَا حُكْمٌ عَلَى الْأَغْلَبِ، وَإِلَّا فَالْجَاحِدُ لَا يَقْصِدُ الْأَخْذَ عِنْدَ جُحُودِهِ عِيَانًا فَلَا يُمْكِنُ مَنْعُهُ بِسُلْطَانٍ وَلَا بِغَيْرِهِ، وَفُرُوعُ الْبَابِ كَثِيرَةٌ وَمَحَلُّ ذِكْرِهَا الْمَبْسُوطَاتُ، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ لِقَارِئِ هَذَا الْكِتَابِ.

(وَتُقْطَعُ يَدُهُ) أَيْ السَّارِقِ (الْيُمْنَى) قَالَ تَعَالَى: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] وَقُرِئَ شَاذًّا

ــ

[حاشية البجيرمي]

شُرُوطًا يَتَمَيَّزُ بِهَا فَلَمْ يَشْمَلْهُ الْإِطْلَاقُ شَرْحَ م ر.

قَوْلُهُ: (وَلَا مُنْكِرُ وَدِيعَةٍ إلَخْ) خِلَافًا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي الْقَطْعِ بِالْعَارِيَّةِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ

قَوْلُهُ: (وَتُقْطَعُ يَدُهُ إلَخْ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ الشُّرُوطِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ وَالشُّبْهَةِ الْمُسْقِطَةِ لَهُ شَرَعَ فِي الْحُكْمِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى السَّرِقَةِ وَهُوَ الْقَطْعُ فَقَالَ: وَتُقْطَعُ يَدُهُ إلَخْ أَيْ بَعْدَ طَلَبِ الْمَالِكِ الْمَالَ وَثُبُوتِ السَّرِقَةِ بِشُرُوطِهَا، وَإِلَّا قُطِعَ فِي الْحَالِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ الْمَالِ فَيَسْقُطَ الْقَطْعُ، أَوْ يُقِرَّ الْمَالِكُ بِأَنَّ الْمَالَ لِلسَّارِقِ فَيَسْقُطَ أَيْضًا وَإِنْ كَذَّبَهُ السَّارِقُ وَالْقَاطِعُ الْإِمَامُ، أَوْ السَّيِّدُ إنْ كَانَ الْمَقْطُوعُ عَبْدًا فَإِنْ كَانَ حُرًّا فَالْإِمَامُ فَقَطْ، أَوْ نَائِبُهُ. وَلَا يَجُوزُ الْإِذْنُ لِعَدُوِّ الْجَانِي لِئَلَّا يُعَذِّبَهُ وَلَا لِكَافِرٍ فِي مُسْلِمٍ وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْ نَفْسِهِ فِي قَتْلٍ وَقَطْعٍ وَلَوْ فِي سَرِقَةٍ لَا فِي جَلْدٍ وَنَحْوِهِ لِاتِّهَامِ عَدَمِ إيلَامِ نَفْسِهِ، وَلَا يَأْثَمُ بِقَتْلِ نَفْسِهِ هُنَا كَمَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ، وَبِهِ يُلْغَزُ وَيُقَالُ: لَنَا شَخْصٌ قَتَلَ نَفْسَهُ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ. فَافْهَمْ، فَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ صَبِيًّا، أَوْ مَجْنُونًا اُنْتُظِرَ كَمَالُهُمَا لِأَنَّهُمَا رُبَّمَا أَبَاحَا لَهُ ذَلِكَ بَعْدُ فَيَسْقُطُ الْقَطْعُ اهـ أج وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَلَا قَطْعَ إلَّا بِطَلَبٍ مِنْ مَالِكٍ فَلَوْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ لِغَائِبٍ أَوْ صَبِيٍّ، أَوْ مَجْنُونٍ، أَوْ لِسَفِيهٍ فِيمَا يَظْهَرُ لَمْ يُقْطَعْ حَالًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يُقِرَّ أَنَّهُ كَانَ لَهُ، أَوْ أَقَرَّ بِزِنًا بِأَمَتِهِ أَيْ الْغَائِبِ حُدَّ حَالًا، لِأَنَّ حَدَّ الزِّنَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الطَّلَبِ اهـ. وَقَوْلُهُ: إلَّا بِطَلَبٍ لِلْمَالِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَثُبُوتِ سَرِقَتِهِ وَهُوَ مُشْكِلٌ مَعَ قَوْلِهِمْ: يُقْطَعُ وَلَوْ أَبْرَأَهُ الْمَالِكُ مِنْ الْمَالِ الْمَسْرُوقِ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّ طَلَبَهُ لِلْمَالِ يُثْبِتُ سَرِقَتَهُ، وَإِذَا ثَبَتَتْ سَرِقَتُهُ لَا يَسْقُطُ الْقَطْعُ، وَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْ الْمَالِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ. وَعَلَى هَذَا لَا إشْكَالَ ح ل أَيْ فَالْمَدَارُ عَلَى ثُبُوتِ السَّرِقَةِ وَالْمَالِ وَإِنْ أُبْرِئَ مِنْهُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَلَيْسَ الْمَطْلُوبُ خُصُوصَ الْإِيفَاءِ كَمَا قَالَهُ سم قَالَ النَّاشِرِيُّ: وَلَوْ قَطَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ الطَّلَبِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ سَرَى إلَى النَّفْسِ. اهـ. م ر شَوْبَرِيٌّ. فَرْعٌ: يُسَنُّ لِصَاحِبِ الْمَالِ الْعَفْوُ عَنْ السَّارِقِ قَبْلَ رَفْعِ الْأَمْرِ لِلْحَاكِمِ وَبَعْدَهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْحَاكِمِ.

وَفِي الدَّمِيرِيِّ أَنَّ مُعَاوِيَةَ عَفَا عَنْ السَّارِقِ حِينَ أَنْشَدَتْهُ أُمُّهُ:

يَمِينِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أُعِيذُهَا ... بِعَفْوِكَ أَنْ تَلْقَى نَكَالًا يَشِينُهَا

فَلَا خَيْرَ فِي الدُّنْيَا وَكَانَتْ خَبِيثَةً ... إذَا مَا شِمَالِي فَارَقَتْهَا يَمِينُهَا

فَعَفَا عَنْهَا وَهَذَا مَذْهَبُ صَحَابِيٍّ فَلَا يُرَدُّ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ.

قَوْلُهُ: (الْيُمْنَى) وَلَوْ شَلَّاءَ حَيْثُ أُمِنَ نَزْفُ الدَّمِ وَإِلَّا فَرِجْلُهُ الْيُسْرَى وَهَذَا حَيْثُ كَانَ الشَّلَلُ مُتَقَدِّمًا عَلَى السَّرِقَةِ. أَمَّا لَوْ سَرَقَ فَشُلَّتْ يَمِينُهُ وَلَمْ يُؤْمَنْ مِنْ نَزْفِ الدَّمِ، أَوْ سَقَطَتْ بِآفَةٍ، أَوْ بِغَيْرِهَا فَيَسْقُطُ الْقَطْعُ سم وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ: الْيُمْنَى أَيْ إنْ انْفَرَدَتْ وَلَوْ مَعِيبَةً، أَوْ نَاقِصَةً، أَوْ شَلَّاءَ، إنْ أُمِنَ نَزْفُ الدَّمِ، أَوْ زَائِدَةَ الْأَصَابِعِ، أَوْ فَاقِدَتَهَا خِلْقَةً أَوْ عَرَضًا فَإِنْ تَعَدَّدَتْ كَفَى الْأَصْلِيُّ مِنْهَا إنْ عُرِفَ، أَوْ وَاحِدَةٌ إنْ اشْتَبَهَ وَعَلَى هَذَا لَوْ سَرَقَ ثَانِيًا قُطِعَتْ الثَّانِيَةُ وَحِينَئِذٍ تَرِدُ هَذِهِ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيًا قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى وَقَدْ يُقَالُ: لَا تَرِدُ، لِأَنَّ كَلَامَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلْقَةِ الْمُعْتَادَةِ، وَالْحِكْمَةُ فِي الْبَدَاءَةِ بِالْيَمِينِ أَنَّ الْبَطْشَ بِهَا أَقْوَى وَلِأَنَّ الْغَالِبَ كَوْنُ السَّرِقَةِ بِهَا فَكَانَ قَطْعُهَا أَرْدَعَ، وَحِكْمَةُ التَّعَلُّقِ بِالرِّجْلِ أَيْضًا أَنَّهُ فِي السَّرِقَةِ يَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيَمْشِي بِرِجْلِهِ سم عَلَى الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] دَلِيلٌ لِقَوْلِهِ: وَتُقْطَعُ، وَقَوْلُهُ: وَقُرِئَ شَاذًّا دَلِيلٌ لِقَوْلِهِ: الْيُمْنَى وَلَوْ أَخْرَجَ السَّارِقُ لِلْجَلَّادِ يَسَارَهُ فَقَطَعَهَا فَإِنْ قَالَ الْمُخْرِجُ: ظَنَنْتُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>