للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْمَسْرُوقِ كَمَالِ الْمَصَالِحِ، سَوَاءٌ أَكَانَ فَقِيرًا أَمْ غَنِيًّا وَكَصَدَقَةٍ وَهُوَ فَقِيرٌ أَوْ غَارِمٌ لِذَاتِ الْبَيْنِ أَوْ غَازٍ فَلَا يُقْطَعُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ لَهُ حَقًّا، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا كَمَا مَرَّ، لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يُصْرَفُ فِي عِمَارَةِ الْمَسَاجِدِ وَالرِّبَاطَاتِ وَالْقَنَاطِرِ فَيَنْتَفِعُ بِهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. لِأَنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِهِمْ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ يُقْطَعُ بِذَلِكَ وَلَا نَظَرَ إلَى إنْفَاقِ الْإِمَامِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يُنْفَقُ عَلَيْهِ لِلضَّرُورَةِ وَبِشَرْطِ الضَّمَانِ كَمَا يُنْفَقُ عَلَى الْمُضْطَرِّ بِشَرْطِ الضَّمَانِ وَانْتِفَاعُهُ بِالْقَنَاطِرِ وَالرِّبَاطَاتِ بِالتَّبَعِيَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَاطِنٌ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لَا لِاخْتِصَاصِهِ بِحَقٍّ فِيهَا. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِاسْتِحْقَاقِهِ بِخِلَافِ الْغَنِيِّ. فَإِنَّهُ يُقْطَعُ لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ إلَّا إذَا كَانَ غَازِيًا، أَوْ غَارِمًا لِذَاتِ الْبَيْنِ فَلَا يُقْطَعُ لِمَا مَرَّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ حَقٌّ قُطِعَ لِانْتِفَاءِ التَّبَعِيَّةِ.

فَرْعٌ: لَوْ سَرَقَ شَخْصٌ الْمُصْحَفَ الْمَوْقُوفَ عَلَى الْقِرَاءَةِ لَمْ يُقْطَعْ إذَا كَانَ قَارِئًا، لِأَنَّ لَهُ فِيهِ حَقًّا. وَكَذَا إنْ كَانَ غَيْرَ قَارِئٍ لِأَنَّهُ رُبَّمَا تَعَلَّمَ مِنْهُ قَالَ الزَّرْكَشِيّ: أَوْ يَدْفَعُهُ إلَى مَنْ يَقْرَأُ فِيهِ لِاسْتِمَاعِ الْحَاضِرِينَ وَيُقْطَعُ بِمَوْقُوفٍ عَلَى غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ مَالٌ مُحْرَزٌ وَلَوْ سَرَقَ مَالًا مَوْقُوفًا عَلَى الْجِهَاتِ الْعَامَّةِ، أَوْ عَلَى وُجُوهِ الْخَيْرِ لَمْ يُقْطَعْ، وَإِنْ كَانَ السَّارِقُ ذِمِّيًّا، لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْمُسْلِمِينَ.

تَنْبِيهٌ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَرَكَ الرُّكْنَ الثَّالِثَ، وَهُوَ السَّرِقَةُ وَهِيَ أَخْذُ الْمَالِ خِفْيَةً كَمَا مَرَّ.

وَحِينَئِذٍ لَا يُقْطَعُ مُخْتَلِسٌ وَهُوَ مَنْ يَعْتَمِدُ الْهَرَبَ مِنْ غَيْرِ غَلَبَةٍ مَعَ مُعَايَنَةِ الْمَالِكِ وَلَا مُنْتَهِبٌ وَهُوَ مَنْ يَأْخُذُ عِيَانًا مُعْتَمِدًا عَلَى الْقُوَّةِ وَالْغَلَبَةِ وَلَا مُنْكِرُ وَدِيعَةٍ وَعَارِيَّةٍ لِحَدِيثِ: «لَيْسَ عَلَى الْمُخْتَلِسِ وَالْمُنْتَهِبِ وَالْخَائِنِ قَطْعٌ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَفَرَّقَ مِنْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

مُعَيَّنَةٍ، وَإِلَّا فَهُوَ مُفْرَزٌ مُتَمَيِّزٌ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ. قَوْلُهُ: (كَمَالِ الْمَصَالِحِ) هَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَوْلُهُ: (وَكَصَدَقَةٍ) أَيْ وَاجِبَةٍ وَهِيَ الزَّكَاةُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: أَوْ غَارِمٌ لِذَاتِ الْبَيْنِ أَوْ غَازٍ، لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي الزَّكَاةِ لَا فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَهَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ.

قَوْلُهُ: (يُقْطَعُ بِذَلِكَ) أَيْ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِبَيْتِ الْمَالِ قَوْلُهُ: (وَبِشَرْطِ الضَّمَانِ) أَيْ، لِأَنَّهُ إذَا أَيْسَرَ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَهُ لَهُ. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (بِالتَّبَعِيَّةِ) أَيْ فَلَا نَظَرَ إلَيْهِ فِي رَفْعِ الْحَدِّ، وَهَلْ يُشْكِلُ بِمَا يَأْتِي فِيمَا لَوْ سَرَقَ مَالًا مَوْقُوفًا عَلَى الْوُجُوهِ الْعَامَّةِ حَيْثُ لَا يُقْطَعُ وَلَوْ كَانَ السَّارِقُ ذِمِّيًّا لِلتَّبَعِيَّةِ، أَوْ لَا؟ وَيُفَرَّقُ بِقُوَّةِ التَّبَعِيَّةِ، ثُمَّ بِاعْتِبَارِ وَقْفِهِ عَلَى نَفْسِ الْجِهَةِ الَّتِي بِهَا انْتِفَاعُ التَّابِعِ وَالْمَتْبُوعِ بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّهُ لَمْ يَخْتَصَّ بِتِلْكَ الْجِهَةِ بَلْ لَمَّا كَانَ قَدْ يُصْرَفُ فِيمَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ كَانَ شُبْهَةً لَهُمْ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ لِضَعْفِ الشُّبْهَةِ بِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ فِي الصَّرْفِ لِمَا بِهِ الِانْتِفَاعُ اهـ. وَأَقَرَّ بَعْضُهُمْ الْفَرْقَ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّبَعِيَّةَ فِي مَالِ الْمَصَالِحِ ضَعِيفَةٌ وَالتَّبَعِيَّةَ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَى الْجِهَاتِ الْعَامَّةِ قَوِيَّةٌ لِتَعَيُّنِ هَذَا لِجِهَةِ الِانْتِفَاعِ بِخِلَافِ مَالِ الْمَصَالِحِ. اهـ. م د قَوْلُهُ: (وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ) وَهِيَ الصَّدَقَةُ أَيْ الزَّكَاةُ.

قَوْلُهُ: (فَلَا يُقْطَعُ لِمَا مَرَّ) أَيْ لِاسْتِحْقَاقِهِ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ حَقٌّ) كَانَ الْأَوْلَى حَذْفَهُ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِمَالِ الْمَصَالِحِ فَالْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ لَهُ فِيهِ حَقٌّ فَلَمْ يَبْقَ غَيْرُهُمَا حَتَّى يُخْرِجَهُ بِذَلِكَ، وَإِنْ أَخْرَجْنَا بِهِ الذِّمِّيَّ فَذَكَرَهُ الشَّارِحُ سَابِقًا، وَإِنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِمَسْأَلَةِ الصَّدَقَةِ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْغَنِيَّ. فَقَدْ أَخْرَجَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَتَعَيَّنَ عَدَمُ ذِكْرِهِ حِينَئِذٍ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ الذِّمِّيُّ، لِأَنَّ الشَّارِحَ أَخْرَجَهُ أَيْضًا وَقَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ أَيْ وَكَانَ الْأَخْذُ مِنْ غَيْرِ مَالِ الْمَصَالِحِ. اهـ. شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (وَيُقْطَعُ بِمَوْقُوفٍ عَلَى غَيْرِهِ) أَيْ مِمَّنْ لَيْسَ نَحْوَ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ وَلَا مُشَارِكًا لَهُ فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْوَقْفِ؛ إذْ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ حِينَئِذٍ. اهـ. م ر.

قَوْلُهُ: (مَوْقُوفًا عَلَى الْجِهَاتِ الْعَامَّةِ) كَطَاسَةِ السَّبِيلِ قَوْلُهُ: (أَوْ عَلَى وُجُوهِ الْخَيْرِ) كَمَرْكَبٍ مَوْقُوفٍ عَلَى مَنْ رَكِبَهَا قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْمُسْلِمِينَ) لَا يُنَافِيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي سَرِقَةِ بَيْتِ الْمَالِ حَيْثُ يُقْطَعُ بِهِ الذِّمِّيُّ وَلَا نَظَرَ لِلصَّرْفِ مِنْهُ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ الَّتِي يُنْتَفَعُ بِهَا تَبَعًا لِتَعَيُّنِ هَذَا لِلْمَصَالِحِ فَقَوِيَتْ فِيهِ الشُّبْهَةُ بِخِلَافِ ذَاكَ كَمَا تَقَدَّمَ. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (مُخْتَلِسٌ) أَيْ مُخْتَطِفٌ ح ل. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَنْ يَأْخُذُ عِيَانًا إلَخْ) وَمَا قِيلَ: مِنْ أَنَّ تَفْسِيرَ الْمُنْتَهِبِ يَشْمَلُ قَاطِعَ الطَّرِيقِ فَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ يُخْرِجُهُ يُرَدُّ بِأَنَّ لِلْقَاطِعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>