للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِزَاجِ الشَّخْصِ نَفْسِهِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَيُقَدَّرُ الْمَمْسُوحُ مَغْسُولًا. هَذَا فِي غَيْرِ وُضُوءِ صَاحِبِ الضَّرُورَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَا لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ، وَإِلَّا فَتَجِبُ وَالِاعْتِبَارُ بِالْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ وَلَا يَحْتَاجُ التَّفْرِيقُ الْكَثِيرُ إلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ عِنْدَ عُزُوبِهَا؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا بَاقٍ.

، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَحْصُرْ سُنَنَ الْوُضُوءِ فِيمَا ذَكَرَهُ، فَلْنَذْكُرْ مِنْهَا شَيْئًا مِمَّا تَرَكَهُ، فَمِنْ السُّنَنِ تَرْكُ الِاسْتِعَانَةِ بِالصَّبِّ عَلَيْهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ؛ لِأَنَّهُ الْأَكْثَرُ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَلِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْ التَّنَعُّمِ وَالتَّكَبُّرِ، وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِالْمُتَعَبِّدِ وَالْأَجْرُ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ، وَهِيَ خِلَافُ الْأَوْلَى.

أَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ فَلَا يَكُونُ خِلَافَ الْأَوْلَى دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ، بَلْ قَدْ تَجِبُ الِاسْتِعَانَةُ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ التَّطَهُّرُ إلَّا بِهَا وَلَوْ بِبَذْلِ أُجْرَةِ مِثْلٍ، وَالْمُرَادُ بِتَرْكِ الِاسْتِعَانَةِ الِاسْتِقْلَالُ بِالْأَفْعَالِ لَا طَلَبُ الْإِعَانَةِ فَقَطْ حَتَّى لَوْ أَعَانَهُ غَيْرُهُ وَهُوَ سَاكِتٌ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ.

وَمِنْهَا تَرْكُ نَفْضِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ كَالتَّبَرِّي مِنْ الْعِبَادَةِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

فَقَصُرْت بِالْمَمْدُودِ عَنْ نَيْلِ الْمُنَى ... وَمَدَدْت بِالْمَقْصُورِ فِي أَكْفَانِي

اهـ.

قَوْلُهُ: (وَمِزَاجِ الشَّخْصِ نَفْسِهِ) وَمِزَاجُ الشَّخْصِ مَا تَرَكَّبَ مِنْهُ وَهُوَ الطَّبَائِعُ الْأَرْبَعُ السَّوْدَاءُ وَالصَّفْرَاءُ وَالْبَلْغَمُ وَالدَّمُ فَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ أَيْ مُشْتَمِلٌ عَلَيْهَا لَكِنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ وَاحِدَةٌ مِنْهَا.

قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَتَجِبُ) أَيْ الْمُوَالَاةُ وَمُرَادُهُ بِالْوُجُوبِ مَا يَشْمَلُ الشَّرْطَ بِقَرِينَةِ ذِكْرِ صَاحِبِ الضَّرُورَةِ.

قَوْلُهُ: (وَالِاعْتِبَارُ بِالْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ) أَيْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعُضْوِ الَّذِي يُغْسَلُ بَعْدَهَا فَلَا تُعْتَبَرُ أَوَّلُ الْغَسَلَاتِ مَعَ الْعُضْوِ الَّذِي يُغْسَلُ بَعْدَهَا، وَتُعْتَبَرُ أَيْضًا الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الْغَسْلَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَبَيْنَ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، وَلَا يُنَافِي هَذَا أَيْ قَوْلُنَا وَتُعْتَبَرُ أَيْضًا الْمُوَالَاةُ إلَخْ. قَوْلُ الشَّارِحِ كَابْنِ قَاسِمٍ الْغَزِّيِّ عَلَى الْكِتَابِ وَالِاعْتِبَارُ بِالْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِهَا إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعُضْوِ الَّذِي يُغْسَلُ بَعْدَهَا كَمَا تَقَرَّرَ وَحِينَئِذٍ فَلَا وَجْهَ لِاعْتِرَاضِ ق ل عَلَى عِبَارَةِ ابْنِ قَاسِمٍ فَرَاجِعْهُ.

قَوْلُهُ: (تَرْكُ الِاسْتِعَانَةِ) وَلَوْ كَانَ الْمُعِينُ كَافِرًا خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ سم عَنْ حَجّ ع ش. وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ ذَلِكَ الْوُضُوءُ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِلِاسْتِعْمَالِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِحَيْثُ لَا يَتَأَتَّى الِاسْتِعْمَالُ مِنْهَا عَلَى غَيْرِهِ، فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْوُضُوءِ مِنْهَا مُجَرَّدُ التَّرَفُّهِ، بَلْ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْوُضُوءِ مِنْهَا الْخُرُوجُ مِنْ خِلَافِ مَنْ مَنَعَ الْوُضُوءَ مِنْ الْفَسَاقِي الصَّغِيرَةِ وَنَظَافَةُ مَائِهَا فِي الْغَالِبِ عَنْ مَاءِ غَيْرِهَا اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَتَعْبِيرُهُ كَغَيْرِهِ بِتَرْكِ الِاسْتِعَانَةِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ فَإِنَّهُ لَوْ أَعَانَهُ غَيْرُهُ مَعَ قُدْرَتِهِ وَهُوَ سَاكِتٌ مُتَمَكِّنٌ مِنْ مَنْعِهِ كَانَ كَطَلَبِهَا، وَمِنْ ثَمَّ عَبَّرَ بَعْضُهُمْ بِالْإِعَانَةِ هَذَا إذَا كَانَتْ السِّينُ فِيهَا لِلطَّلَبِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لِغَيْرِهِ كَالصَّيْرُورَةِ كَمَا فِي اسْتَحْجَرَ الطِّينُ أَيْ صَارَ حَجَرًا فَلَا جَرْيَ عَلَى مَا ذُكِرَ أَفَادَهُ الشَّوْبَرِيُّ وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ.

قَوْلُهُ: (بِالصَّبِّ) اُنْظُرْ لِمَ قَيَّدَ بِذَلِكَ وَهَلَّا تَرَكَهُ لِيَشْمَلَ تَرْكَ الِاسْتِعَانَةِ فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ أَيْضًا.

وَأَجَابَ شَيْخُنَا ح ف: بِأَنَّهُ إنَّمَا قُيِّدَ بِذَلِكَ بِالنَّظَرِ لِلْمَفْهُومِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ تَرْكَ السُّنَّةِ يَكُونُ خِلَافَ الْأَوْلَى، فَلَوْ أُطْلِقَ فِي الِاسْتِعَانَةِ لَتُوُهِّمَ أَنَّ الِاسْتِعَانَةَ فِي الْغَسْلِ خِلَافُ الْأَوْلَى مَعَ أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ فَدُفِعَ ذَلِكَ بِالتَّقْيِيدِ وَلَوْ أُطْلِقَ أَيْضًا لَاقْتَضَى أَنَّ الِاسْتِعَانَةَ فِي إحْضَارِ الْمَاءِ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَتَرْكُهَا سُنَّةٌ مَعَ أَنَّهَا وَتَرْكَهَا مُبَاحَانِ. اهـ. وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: خَرَجَ الِاسْتِعَانَةُ فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ بِلَا عُذْرٍ فَمَكْرُوهَةٌ. وَالِاسْتِعَانَةُ فِي إحْضَارِ الْمَاءِ فَلَا بَأْسَ بِهَا أَيْ مُبَاحَةٌ، فَإِنْ اسْتَعَانَ فِي الصَّبِّ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقِفَ الصَّابُّ عَنْ يَسَارِ الْمُتَوَضِّئِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ وَأَحْسَنُ أَدَبًا.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ التَّرْكَ الْأَكْثَرَ إلَخْ. أَيْ، وَإِلَّا فَقَدْ وَقَعَ «فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَبَّ عَلَى غَيْرِهِ» .

قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْ التَّنَعُّمِ) وَلَيْسَ مِنْ التَّرَفُّهِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِي الْعِبَادَةِ عُدُولُهُ مِنْ الْمَاءِ الْمِلْحِ إلَى الْعَذْبِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. اهـ. بَرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ) أَيْ الْمَشَقَّةِ. قَوْلُهُ (أَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ الِاسْتِعَانَةِ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ أَوْ قَصَدَ بِهَا تَعْلِيمَ الْمُعِينِ لَمْ تَكُنْ خِلَافَ الْأَوْلَى فِيمَا يَظْهَرُ حَجّ.

قَوْلُهُ: (فَلَا يَكُونُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الِاسْتِعَانَةِ.

قَوْلُهُ: (أُجْرَةِ مِثْلٍ) أَيْ فَاضِلَةٌ عَنْ مَئُونَةِ مَمُونِهِ مِنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا صَلَّى وَأَعَادَ اهـ. مَرْحُومِيٌّ. فَيُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ كُلُّ مَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ م د عَلَى التَّحْرِيرِ.

قَوْلُهُ: (لَا طَلَبُ الْإِعَانَةِ) أَيْ لَا تَرْكُ طَلَبِ الْإِعَانَةِ فَالسِّينُ وَالتَّاءُ

<<  <  ج: ص:  >  >>