للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّثْلِيثُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ تَثْلِيثُ الْمَمْسُوحِ شَامِلٌ لِذَلِكَ، وَأَمَّا مَا تَقَدَّمَ فَمَحَلُّهُ فِي عُضْوٍ يَجِبُ اسْتِيعَابُهُ بِالتَّطْهِيرِ وَلَا بَعْدَ تَمَامِ الْوُضُوءِ، فَلَوْ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً ثُمَّ تَوَضَّأَ ثَانِيًا وَثَالِثًا كَذَلِكَ لَمْ يَحْصُلْ التَّثْلِيثُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَفِي فُرُوقِ الْجُوَيْنِيِّ مَا يَقْتَضِيهِ، وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُ الْإِمَامِ خِلَافَهُ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ أَنَّ التَّثْلِيثَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ. أُجِيبَ: بِأَنَّ الْفَمَ وَالْأَنْفَ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ، فَجَارٍ ذَلِكَ فِيهِمَا كَالْيَدَيْنِ بِخِلَافِ الْوَجْهِ وَالْيَدِ مَثَلًا لِتَبَاعُدِهِمَا، فَيَنْبَغِي أَنْ يَفْرُغَ مِنْ أَحَدِهِمَا ثُمَّ يَنْتَقِلَ إلَى الْآخَرِ، وَيَأْخُذُ الشَّاكُّ بِالْيَقِينِ فِي الْمَفْرُوضِ وُجُوبًا وَفِي الْمَنْدُوبِ نَدْبًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا زَادَ، كَمَا لَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، فَإِذَا شَكَّ هَلْ غَسَلَ ثَلَاثًا أَوْ مَرَّتَيْنِ أَخَذَ بِالْأَقَلِّ وَغَسَلَ أُخْرَى.

(وَ) الْعَاشِرَةُ (الْمُوَالَاةُ) بَيْنَ الْأَعْضَاءِ فِي التَّطْهِيرِ بِحَيْثُ لَا يَجِفُّ الْأَوَّلُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الثَّانِي مَعَ اعْتِدَالِ الْهَوَاءِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الشِّهَابِ م ر أَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ التَّثْلِيثُ، وَرَدَّهُ وَلَدُهُ الشَّمْسُ م ر وَالرَّدُّ ظَاهِرٌ.

قَوْلُهُ: (لِذَلِكَ) أَيْ لِلِاقْتِصَارِ عَلَى مَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ ثَلَاثًا. قَوْلُهُ: (وَلَا بَعْدَ تَمَامِ الْوُضُوءِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ قَبْلَ تَمَامِ الْعُضْوِ.

قَوْلُهُ: (فَلَوْ تَوَضَّأَ مَرَّةً) أَيْ اقْتَصَرَ فِي كُلِّ عُضْوٍ عَلَى مَرَّةٍ ع ش.

قَوْلُهُ: (لَمْ يَحْصُلْ التَّثْلِيثُ) بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ كَتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ قَبْلَ فِعْلِ صَلَاةٍ أَيْ تَنْزِيهًا لَا تَحْرِيمًا خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ، وَعَلَّلَ الْحُرْمَةَ بِأَنَّهُ تَعَاطِي عِبَادَةٍ فَاسِدَةٍ، وَرَدَّهُ م ر، بِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ النَّظَافَةُ فَلَيْسَ كَمَا قَالَ.

قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَمْ يَحْرُمْ نَظَرًا لِلْقَوْلِ بِحُصُولِ التَّثْلِيثِ بِهِ، وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ وَلَوْ رَكْعَةً وَاحِدَةً إذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهَا لَا سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ أَوْ شُكْرٍ لِعَدَمِ كَوْنِهِمَا صَلَاةً، وَكَذَا الطَّوَافُ أَوْ صَلَاةُ جِنَازَةٍ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مُلْحَقًا بِالصَّلَاةِ، وَكَذَا خُطْبَةُ جُمُعَةٍ كَمَا فِي شَرْحِ م ر.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُ الْإِمَامِ خِلَافَهُ) وَهُوَ حُصُولُ التَّثْلِيثِ. قَوْلُهُ: (يَحْصُلُ بِذَلِكَ) أَيْ بِنَظِيرِ ذَلِكَ أَيْ فَيُجْزِئُ التَّعَدُّدُ قَبْلَ تَمَامِ الْعُضْوِ اهـ. م د. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهُ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ إلَخْ. وَارِدٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يُجْزِئُ تَعَدُّدٌ إلَخْ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ وَارِدٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا بَعْدَ تَمَامِ الْوُضُوءِ، فَلَوْ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً إلَخْ. وَيَدُلُّ لِذَلِكَ عِبَارَةُ م ر حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً ثُمَّ كَذَلِكَ لَمْ تَحْصُلْ فَضِيلَةُ التَّثْلِيثِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ وَالْفُورَانِيِّ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظِيرِهِ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ بِأَنَّ الْوَجْهَ وَالْيَدَ إلَخْ. اهـ.

قَوْلُهُ: (أُجِيبَ بِأَنَّ الْفَمَ إلَخْ) وَمُقْتَضَى عِلَّتِهِمْ أَنَّهُ لَوْ غَسَلَ الْيَمِينَ مِنْ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ مَرَّةً ثُمَّ الْيُسْرَى كَذَلِكَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْيُمْنَى مَرَّةً ثَانِيَةً ثُمَّ إلَى الْيُسْرَى كَذَلِكَ، وَهَكَذَا فِي الثَّالِثَةِ حَصَلَتْ فَضِيلَةُ التَّثْلِيثِ؛ لِأَنَّ الْيَدَيْنِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي كَلَامِهِمْ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَجِبْ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ الرِّجْلَانِ بَلْ أَوْلَى مِمَّا تَقَرَّرَ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ لِاتِّفَاقِهِمَا اسْمًا وَصُورَةً بِخِلَافِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ. اهـ. فَلَوْ غَسَلَ يَدَيْهِ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ رَاكِدٍ وَحَرَّكَهُمَا حَصَلَ التَّثْلِيثُ عِنْدَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْبَغَوِيِّ، وَأَفْتَى الشَّيْخُ بِمُخَالَفَتِهِمَا رِعَايَةً لِصُورَةِ الْعَدَدِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ قَبْلَ الِانْفِصَالِ عَنْ الْمَحَلِّ لَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُهُ أَيْ الْعَدَدِ فَلَا يَحْصُلُ الْعَدَدُ بِهِ م ر. وَقَوْلُهُ: وَأَفْتَى الشَّيْخُ أَشَارَ إلَى تَضْعِيفِهِ.

قَوْلُهُ: (وَيَأْخُذُ الشَّاكُّ) أَيْ فِي الْعَدَدِ بِالْيَقِينِ.

وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ ذَلِكَ رُبَّمَا يَزِيدُ رَابِعَةً وَهِيَ بِدْعَةٌ وَتَرْكُ سُنَّةٍ أَسْهَلُ مِنْ اقْتِحَامِ بِدْعَةٍ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ بِدْعَةً إذَا عُلِمَ أَنَّهَا رَابِعَةٌ. قَوْلُهُ: (فِي الْمَفْرُوضِ) أَيْ فِي التَّثْلِيثِ الْمَفْرُوضِ. وَقَوْلُهُ: (وُجُوبًا) لَا يَخْفَى أَنَّ الْغَسْلَ الْمَفْرُوضَ لَا تَعَدُّدَ فِيهِ، وَإِرَادَةُ غَسْلِ النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ هُنَا بَعِيدٌ مَرْحُومِيٌّ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُصَوَّرَ بِمَا إذَا نَذَرَ التَّثْلِيثَ اهـ. مَيْدَانِيٌّ.

قَوْلُهُ: (بَيْنَ الْأَعْضَاءِ) وَكَذَا بَيْنَ الْغَسَلَاتِ، وَكَذَا فِي أَجْزَاءِ كُلِّ عُضْوٍ اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (مَعَ اعْتِدَالِ الْهَوَاءِ) بِالْمَدِّ اسْمٌ لِلرِّيَاحِ الَّتِي تَهُبُّ وَتَسِيرُ بِهَا السُّفُنُ وَبِالْقَصْرِ مَيْلُ النَّفْسِ إلَى مَا لَا يَلِيقُ شَرْعًا، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَيْلِ النَّفْسِ الْمَحْمُودِ كَمَحَبَّةِ الْأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَقَدْ اجْتَمَعَ الْهَوَاءَانِ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ:

جُمِعَ الْهَوَاءُ مَعَ الْهَوَى فِي مُهْجَتِي ... فَتَكَامَلَتْ فِي أَضْلُعِي نَارَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>