للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النُّهُوضِ كَمَا دَخَلَ فِي الشَّجَاعَةِ

وَتَنْعَقِدُ الْإِمَامَةُ بِثَلَاثَةِ طُرُقٍ: الْأُولَى بِبَيْعَةِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَوُجُوهِ النَّاسِ الْمُتَيَسِّرِ اجْتِمَاعُهُمْ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا عَدَدٌ وَيُعْتَبَرُ اتِّصَافُ الْمُبَايِعِ بِصِفَةِ الشُّهُودِ. وَالثَّانِيَةُ بِاسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ مِنْ عَيْنِهِ فِي حَيَاتِهِ كَمَا عَهِدَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَيُشْتَرَطُ الْقَبُولُ فِي حَيَاتِهِ. كَجَعْلِهِ الْأَمْرَ فِي الْخِلَافَةِ تَشَاوُرًا بَيْنَ جَمْعٍ، كَمَا جَعَلَ عُمَرُ الْأَمْرَ شُورَى بَيْنَ سِتَّةٍ عَلِيٍّ وَالزُّبَيْرِ، وَعُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَطَلْحَةَ فَاتَّفَقُوا عَلَى عُثْمَانَ. وَالثَّالِثَةُ بِاسْتِيلَاءِ شَخْصٍ مُتَغَلِّبٍ عَلَى الْإِمَامَةِ وَلَوْ غَيْرَ أَهْلٍ لَهَا. نَعَمْ الْكَافِرُ إذَا تَغَلَّبَ لَا تَنْعَقِدُ إمَامَتُهُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

سُرْعَةِ النُّهُوضِ قَوْلُهُ: (كَمَا دَخَلَ فِي الشَّجَاعَةِ) أَيْ الِاعْتِبَارُ الْمَذْكُورُ.

قَوْلُهُ: (بِثَلَاثَةِ طُرُقٍ) أَيْ بِوَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةِ طُرُقٍ قَوْلُهُ: (بِبَيْعَةِ) أَيْ بِمُعَاقَدَتِهِمْ وَمُوَافَقَتِهِمْ كَأَنْ يَقُولُوا بَايَعْنَاك الْخِلَافَةَ فَيَقْبَلَ. اهـ. شَيْخُنَا. وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ بَلْ الشَّرْطُ عَدَمُ الرَّدِّ فَإِنْ امْتَنَعَ لَمْ يُجْبَرْ إلَّا أَنْ لَا يَصْلُحَ غَيْرُهُ شَرْحُ م ر.

قَوْلُهُ: (أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ) أَيْ حَلِّ الْأُمُورِ وَعَقْدِهَا.

قَوْلُهُ: (وَوُجُوهُ النَّاسِ) مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ فَإِنَّ وُجُوهَ النَّاسِ عُظَمَاؤُهُمْ بِإِمَارَةٍ أَوْ عِلْمٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، فَفِي الْمُخْتَارِ وَجُهَ الرَّجُلُ صَارَ وَجِيهًا أَيْ ذَا جَاهٍ وَقَدْرٍ وَبَابُهُ ظَرْفٌ ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (الْمُبَايِعِ) بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ.

قَوْلُهُ: (بِصِفَةِ الشُّهُودِ) مِنْ عَدَالَةٍ وَغَيْرِهَا لَا اجْتِهَادٍ.

قَوْلُهُ: (بِاسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ) خَرَجَ بِالْإِمَامِ غَيْرُهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْأُمَرَاءِ فَلَا يَصْلُحُ اسْتِخْلَافُهُمْ فِي حَيَاتِهِمْ مَنْ يَكُونُ أَمِيرًا بَعْدَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُمْ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ فِي ذَلِكَ اهـ ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (كَمَا عَهِدَ أَبُو بَكْرٍ) حَاصِلُهُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا ثَقُلَ عَلَيْهِ الْمَرَضُ دَعَا جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ وَاسْتَخْبَرَ عَنْ حَالِ عُمَرَ، مِنْهُمْ فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ وَمِنْهُمْ عُثْمَانُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ثُمَّ أَمَرَ عُثْمَانَ " أَنْ يَكْتُبَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا عَهِدَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ فِي آخِرِ عَهْدِهِ بِالدُّنْيَا خَارِجًا مِنْهَا وَعِنْدَ أَوَّلِ عَهْدِهِ بِالْآخِرَةِ دَاخِلًا فِيهَا حَيْثُ يُؤْمِنُ فِيهَا الْكَافِرُ، وَيَتَّقِي فِيهَا الْفَاجِرُ، وَيَصْدُقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، إنِّي اسْتَخْلَفْت عَلَيْكُمْ بَعْدِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا فَإِنْ عَدَلَ فَذَاكَ ظَنِّي وَعِلْمِي بِهِ وَإِنْ بَدَّلَ فَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا اكْتَسَبَ وَالْخَيْرَ أَرَدْت، وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: ٢٢٧] وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ " ثُمَّ أَمَرَ وَاحِدًا بِخَتْمِ الْكِتَابِ فَخَتَمَهُ ثُمَّ أَمَرَ عُثْمَانَ فَخَرَجَ بِالْكِتَابِ مَخْتُومًا فَبَايَعَ النَّاسُ وَرَضُوا بِهِ ثُمَّ دَعَا أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ خَالِيًا فَأَوْصَاهُ بِمَا أَوْصَاهُ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ وَدَعَا لَهُ بِدَعَوَاتٍ مَذْكُورَةٍ فِي الصَّوَاعِقِ لِابْنِ حَجَرٍ.

وَالْكَافُ فِي قَوْلِهِ: كَمَا لِلتَّمْثِيلِ وَفِي قَوْلِهِ: كَجَعْلِهِ لِلتَّنْظِيرِ وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: كَمَا عَهِدَ. . . إلَخْ. أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ الْمَذْكُورَ يُسَمَّى عَهْدًا.

قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ الْقَبُولُ) أَيْ عَدَمُ الرَّدِّ وَلَيْسَ لَهُ عَزْلُهُ، بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ نَائِبًا عَنْهُ وَلَوْ غَابَ الْمَعْهُودُ لَهُ وَتَضَرَّرُوا بِغَيْبَتِهِ فَلَهُمْ إقَامَةُ نَائِبٍ عَنْهُ مَكَانَهُ لِيُعْزَلَ بِقُدُومِهِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ.

قَوْلُهُ: (كَمَا جَعَلَ عُمَرُ الْأَمْرَ شُورَى) فَإِنْ قِيلَ: كَانَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ السِّتَّةِ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ وَكَانَ رَأْيُ عُمَرَ أَنَّ الْأَحَقَّ بِالْخِلَافَةِ أَفْضَلُهُمْ. وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ وِلَايَةُ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْفَاضِلِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِالْأَفْضَلِ مِنْهُمْ لَكَانَ قَدْ نَصَّ عَلَى اسْتِخْلَافِهِ، وَهُوَ قَصَدَ أَنْ لَا يَتَقَلَّدَ الْعَهْدَ فِي ذَلِكَ فَجَعَلَهَا فِي سِتَّةٍ مُتَقَارِبِينَ فِي الْفَضْلِ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ أَنَّهُمْ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى تَوْلِيَةِ الْمَفْضُولِ وَأَنَّ الْمَفْضُولَ مِنْهُمْ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْفَاضِلِ وَلَا يَتَكَلَّمُ فِي مَنْزِلَةٍ وَغَيْرُهُ أَحَقُّ بِهَا مِنْهُ. وَعُلِمَ رِضَا الْأُمَّةِ بِمَنْ رَضِيَ بِهِ السِّتَّةُ شَوْبَرِيٌّ. وَقَوْلُهُ: أَنْ لَا يَتَقَلَّدَ الْعَهْدَ جَعَلَ الْعَهْدَ كَالْقِلَادَةِ فِي عُنُقِهِ.

قَوْلُهُ: (شُورَى) أَيْ تَشَاوُرًا بَيْنَهُمْ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِغَيْرِهِمْ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (بَيْنَ سِتَّةٍ) . وَقَدْ نَظَمَهُمْ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ:

أَصْحَابُ شُورَى سِتَّةٌ فَهَاكَهَا ... لِكُلِّ شَخْصٍ مِنْهُمُو قَدْرٌ عَلِيٍّ

عُثْمَانُ طَلْحَةُ وَابْنُ عَوْفٍ يَا فَتَى ... سَعْدُ بْنُ وَقَّاصٍ زُبَيْرٌ مَعَ عَلِيٍّ

قَوْلُهُ: (فَاتَّفَقُوا عَلَى عُثْمَانَ) ؛ لِأَنَّهُ كَانَ حَلِيمًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيْ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ وَيَجُوزُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنْ يَتَّفِقُوا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>