للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمَنْ نَفَى الصَّانِعَ وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَهُمْ الدَّهْرِيُّونَ الزَّاعِمُونَ أَنَّ الْعَالَمَ لَمْ يَزَلْ مَوْجُودًا كَذَلِكَ بِلَا صَانِعٍ أَوْ نَفَى الرُّسُلَ بِأَنْ قَالَ: لَمْ يُرْسِلْهُمْ اللَّهُ تَعَالَى، أَوْ نَفَى نُبُوَّةَ نَبِيٍّ أَوْ كَذَّبَ رَسُولًا أَوْ نَبِيًّا أَوْ سَبَّهُ أَوْ اسْتَخَفَّ بِهِ أَوْ بِاسْمِهِ أَوْ بِاسْمِ اللَّهِ أَوْ بِأَمْرِهِ أَوْ وَعْدِهِ أَوْ جَحَدَ آيَةً

ــ

[حاشية البجيرمي]

عَلَى فِعْلِ كَبِيرَةٍ فِي غَدٍ لَا يَفْسُقُ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَوْلٍ مُكَفِّرٍ) لَوْ قَدَّمَهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَغْلَبُ مِنْ الْفِعْلِ وَقَوْلُهُ أَوْ قَوْلٍ: مُكَفِّرٍ أَيْ عَمْدًا فَيَخْرُجُ مَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَيْهِ وَلِغَيْرِ نَحْوِ تَعْلِيمٍ اهـ قَالَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ أَقَالَهُ) أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ النِّيَّةِ وَالْفِعْلِ وَالْقَوْلِ فَهُوَ رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر وَلَوْ قَالَ: كَمَا فِي الْمَنْهَجِ اسْتِهْزَاءً كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ أَوْلَى اهـ. لِأَنَّ النِّيَّةَ وَالْفِعْلَ لَيْسَا قَوْلًا.

قَوْلُهُ: (اسْتِهْزَاءً) أَيْ تَحْقِيرًا وَاسْتِخْفَافًا فَخَرَجَ مَنْ يُرِيدُ تَبْعِيدَ نَفْسِهِ أَوْ أَطْلَقَ كَقَوْلِ مَنْ سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُرِدْهُ لَوْ جَاءَنِي جِبْرِيلُ أَوْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا فَعَلْته.

وَاعْلَمْ أَنَّ التَّوْرِيَةَ هُنَا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ لَا تُفِيدُ فَيَكْفُرُ بَاطِنًا وَفَارَقَ الطَّلَاقَ بِوُجُودِ التَّهَاوُنِ هُنَا. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَالَ الْحِصْنِيُّ: وَمِنْ صُوَرِ الِاسْتِهْزَاءِ مَا يَصْدُرُ: مِنْ الظَّلَمَةِ عِنْدَ ضَرْبِهِمْ فَيَسْتَغِيثُ الْمَضْرُوبُ بِسَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَقُولُ خَلِّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُخَلِّصْك وَنَحْوَ ذَلِكَ. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (أَمْ عِنَادًا) أَيْ مُعَانَدَةَ شَخْصٍ وَمُرَاغَمَةً لَهُ وَمُخَاصَمَةً لَهُ كَأَنْ أَنْكَرَ وُجُوبَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ عِنَادًا وَقَوْلُهُ: أَوْ اعْتِقَادًا بِأَنْ قَالَ لِشَخْصٍ: يَا كَافِرُ مُعْتَقِدًا أَنَّ الْمُخَاطَبَ مُتَّصِفٌ بِذَلِكَ حَقِيقَةً وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ هَذَا التَّعْمِيمَ رَاجِعٌ لِلْقَوْلِ فَقَطْ وَلَكِنَّ بَعْضَهُ رَجَعَهُ لِمَا قَبْلَهُ وَهُوَ مُمْكِنٌ فِي الْفِعْلِ بَعِيدٌ فِي النِّيَّةِ فَافْهَمْ.

وَقَدْ يُجَابُ بِحَمْلِ الْفِعْلِ عَلَى مَا يَشْمَلُ فِعْلَ الْقَلْبِ وَالِاعْتِقَادِ وَيُعَدُّ فِعْلًا وَإِنْ كَانَ فِي التَّحْقِيقِ كَيْفِيَّةً قَالَهُ سم.

قَوْلُهُ: (فَمَنْ نَفَى الصَّانِعَ) مَنْ مَوْصُولَةٌ مُبْتَدَأٌ وَجُمْلَةُ كَفَرَ فِيمَا يَأْتِي خَبَرٌ أَوْ إنَّ مَنْ شَرْطِيَّةٌ وَالْجُمْلَةُ جَوَابُ الشَّرْطِ. وَفِيهِ إطْلَاقُ الصَّانِعِ عَلَى الْمَوْلَى وَهُوَ غَيْرُ وَارِدٍ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ جَارٍ عَلَى مَذْهَبِ الْغَزَالِيِّ مِنْ جَوَازِ إطْلَاقِ مَا وَرَدَتْ بِهِ الْمَادَّةُ وَقَدْ وَرَدَ فِي قَوْلِهِ: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: ٨٨] .

قَوْلُهُ: (الدَّهْرِيُّونَ) وَهُمْ الَّذِينَ يَنْسُبُونَ الْفِعْلَ لِلدَّهْرِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ نَفَى الرُّسُلَ) أَلْ لِلْجِنْسِ فَيَصْدُقُ بِالْوَاحِدِ وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ تَكْفِيرُ الْقَائِلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَنَافِي الرُّؤْيَةِ وَصَوَّبَ النَّوَوِيُّ خِلَافَهُ وَأَوَّلَ النَّصَّ. وَقَدْ اسْتَشْكَلَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: عَدَمَ تَكْفِيرِ الْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِمْ بِخَلْقِ الْأَفْعَالِ مَعَ تَكْفِيرِ مَنْ أَسْنَدَ لِلْكَوَاكِبِ فِعْلًا. وَأَجَابَ الزَّرْكَشِيّ بِأَنَّ الْفَرْقَ كَوْنُ الْكَوَاكِبِ مُؤَثِّرَةً فِي جَمْعِ الْكَائِنَاتِ بِخِلَافِ هَذَا. أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ قَضِيَّتَهُ لَوْ أَسْنَدَ لِلْكَوَاكِبِ بَعْضَ الْأَفْعَالِ لَا يَكُونُ كَافِرًا وَهُوَ بَاطِلٌ فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ: بِأَنَّهُمْ أَعْنِي الْمُعْتَزِلَةَ يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَوْجَدَ فِي الْعَبْدِ قُدْرَةً وَلَكِنْ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْعَبْدَ بِتِلْكَ الْقُدْرَةِ يَخْلُقُ أَفْعَالَ نَفْسِهِ اهـ سم.

قَوْلُهُ: (أَوْ كَذَّبَ رَسُولًا) بِخِلَافِ مَنْ كَذَبَ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ كُفْرًا بَلْ كَبِيرَةً فَقَطْ اهـ ع ش. فَرْعٌ: لَوْ ادَّعَى أَنَّ النَّبِيَّ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ لَمْ يَكْفُرْ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ يَدَّعِي أَنَّ النَّبِيَّ رَاضٍ عَلَيْهِ وَهَذَا لَا يَقْتَضِي الْكُفْرَ فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَذَاكَ ظَاهِرٌ، وَإِلَّا فَهُوَ مُجَرَّدُ كَذِبٍ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ يُوحَى إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ النُّبُوَّةَ أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَيَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَأَنَّهُ يُعَانِقُ الْحُورَ الْعِينَ فَهَذَا كُفْرٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي شَرْحِ الْحِصْنِيِّ. وَالْأَنْبِيَاءُ الَّذِينَ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِمْ تَفْصِيلًا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ:

حَتْمٌ عَلَى كُلِّ ذِي التَّكْلِيفِ مَعْرِفَةٌ ... ؛ لِأَنْبِيَاءٍ عَلَى التَّفْضِيلِ قَدْ عُلِمُوا

فِي تِلْكَ حُجَّتُنَا مِنْهُمْ ثَمَانِيَةٌ ... مِنْ بَعْدِ عَشْرٍ وَيَبْقَى سَبْعَةٌ وَهُمُو

إدْرِيسُ هُودٌ شُعَيْبٌ صَالِحٌ وَكَذَا ... ذُو الْكِفْلِ آدَم بِالْمُخْتَارِ قَدْ خُتِمُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>