للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّبِيُّ وَلَوْ مُمَيِّزًا وَالْمَجْنُونُ فَلَا تَصِحُّ رِدَّتُهُمَا لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمَا وَالْمُكْرَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: ١٠٦] وَدَخَلَ فِيهِ السَّكْرَانُ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ فَتَصِحُّ رِدَّتُهُ كَطَلَاقِهِ وَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ وَإِسْلَامِهِ عَنْ رِدَّتِهِ. (وَمَنْ ارْتَدَّ) مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ عَنْ دِينِ (الْإِسْلَامِ) بِشَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ أَوْ بِغَيْرِهِ مِمَّا قُرِّرَ فِي الْمَبْسُوطَاتِ وَغَيْرِهَا (اُسْتُتِيبَ) وُجُوبًا قَبْلَ قَتْلِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُحْتَرَمًا بِالْإِسْلَامِ فَرُبَّمَا عَرَضَتْ لَهُ شُبْهَةٌ. فَيَسْعَى فِي إزَالَتِهَا لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الرِّدَّةَ تَكُونُ عَنْ شُبْهَةٍ عَرَضَتْ وَثَبَتَ وُجُوبُ الِاسْتِتَابَةِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ جَابِرٍ: «أَنَّ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

بِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَالْحَالَةُ مَا ذَكَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ إزْرَاءً؛ لِأَنَّ الْإِزْرَاءَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْحَالَةِ الْكَامِلَةِ وَيَنْتَقِلَ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَمَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ فِي الْحُرْمَةِ مِنْ حُرْمَةِ مَدِّ الرِّجْلِ إلَى الْمُصْحَفِ مَرْدُودٌ بِمَا تَقَرَّرَ وَيَلْزَمُ الْقَائِلَ بِالْحُرْمَةِ هُنَا أَنْ يَقُولَ بِالْحُرْمَةِ فِيمَا لَوْ كَتَبَ الْقُرْآنَ بِيَسَارِهِ مَعَ تَعَطُّلِ الْيَمِينِ وَلَا قَائِلَ بِهِ اهـ قَدْ يُقَالُ: فَرْقٌ بَيْنَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ.

فَائِدَةٌ: ذَكَرَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ اللَّقَانِيِّ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ عَلَى عَقِيدَتِهِ الْمُسَمَّاةِ بِالْجَوْهَرَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَقُلْ يُعَادُ الْجِسْمُ بِالتَّحْقِيقِ نَقَلَ الزَّرْكَشِيّ عَنْ الْحَلِيمِيِّ أَنَّ مَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ ارْتَدَّ وَمَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ أَيُبْعَثُ بِتِلْكَ الْيَدِ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ يُبْعَثُ بِهَا لَزِمَ أَنْ يَلِجَ النَّارَ عُضْوٌ لَمْ يُذْنِبْ بِهِ صَاحِبُهُ، وَإِنْ قُلْتُمْ لَا يُبْعَثُ بِهَا لَزِمَ أَنْ لَا يُعَادَ جَمِيعُ الْأَجْزَاءِ الْأَصْلِيَّةِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يُبْعَثُ تَامَّ الْخِلْقَةِ كَامِلَ الْبَدَنِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ تَابِعَةٌ لِلْبَدَنِ لَا حُكْمَ لَهَا عَلَى الِانْفِرَادِ فِي طَاعَةٍ وَلَا مَعْصِيَةٍ. وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ إنَّمَا هُوَ بِحَالِ الْمَوْتِ لِخَبَرِ «إنَّ أَحَدَكُمْ يَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ» الْحَدِيثَ، وَأَمَّا الْأَجْزَاءُ بِانْفِرَادِهَا قَبْلَ ذَلِكَ فَغَيْرُ مَنْظُورٍ إلَيْهَا. اهـ. خَضِرٌ.

قَوْلُهُ: (وَسُجُودٌ لِمَخْلُوقٍ كَصَنَمٍ) إلَّا لِضَرُورَةٍ بِأَنْ كَانَ فِي بِلَادِهِمْ مَثَلًا وَأَمَرُوهُ بِذَلِكَ وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ وَخَرَجَ بِالسُّجُودِ الرُّكُوعُ فَلَا يَكْفُرُ بِهِ مَا لَمْ يَعْتَقِدْ التَّشْرِيكَ أَوْ قَصَدَ بِالرُّكُوعِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعْظِيمَهُ كَتَعْظِيمِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ وَعِبَارَةُ سم. وَسُجُودُ غَيْرِ أَسِيرٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِحَضْرَتِهِمْ لِصَنَمٍ وَخَرَجَ بِالسُّجُودِ الرُّكُوعُ لِوُقُوعِ صُورَتِهِ لِلْمَخْلُوقِ عَادَةً وَلَا كَذَلِكَ السُّجُودُ نَعَمْ يَتَّجِهُ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَإِنْ قَصَدَ تَعْظِيمَ مَخْلُوقٍ بِالرُّكُوعِ كَمَا يُعَظِّمُ اللَّهَ بِهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْكُفْرِ حِينَئِذٍ اهـ حَجّ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِانْحِنَاءَ لِمَخْلُوقٍ كَمَا يُفْعَلُ عِنْدَ مُلَاقَاةِ الْعُظَمَاءِ حَرَامٌ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَوْ قَصْدِ تَعْظِيمِهِمْ لَا كَتَعْظِيمِ اللَّهِ وَكُفْرٌ إنْ قَصَدَ تَعْظِيمَهُمْ كَتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ: (اُسْتُتِيبَ وُجُوبًا) بِأَنْ يُؤْمَرَ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَيَأْتِي بِهِمَا مَعَ تَرْتِيبِهِمَا وَمُوَالَاتِهِمَا وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِأَحَدِهِمَا وَإِنْ كَانَ كُفْرُهُ بِإِنْكَارِ مَا لَا يُنَافِي الْإِقْرَارَ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا كَأَنْ خَصَّصَ رِسَالَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعَرَبِ أَوْ جَحَدَ فَرْضًا أَوْ تَحْرِيمًا وَجَبَ مَعَ الشَّهَادَتَيْنِ الِاعْتِرَافُ بِمَا أَنْكَرَهُ بِأَنْ يَعْتَرِفَ فِي الْأُولَى بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَكْفِي الِاعْتِرَافُ بِرِسَالَتِهِ إلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ؛ لِأَنَّ رِسَالَتَهُ إلَى الْمَلَكِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا أَوْ يَبْرَأُ مِنْ كُلِّ دِينٍ يُخَالِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ وَيَرْجِعُ فِي الثَّانِي عَنْ جَحْدِهِ. وَاخْتُلِفَ فِي اشْتِرَاطِ لَفْظِ أَشْهَدُ وَالْوَجْهُ عَلَى اشْتِرَاطِهِ تَكْرِيرُهُ عِنْدَ الْعَطْفِ اهـ. سم وَعِبَارَةُ م ر فِي شَرْحِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَكَرُّرِ لَفْظِ أَشْهَدُ فِي صِحَّةِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمَا فِي الْكَفَّارَةِ أَوْ غَيْرِهَا وَخَالَفَ فِيهِ جَمْعٌ اهـ وَقَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَكَرُّرِ لَفْظِ أَشْهَدُ أَيْ وَعَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ بِدُونِهَا وَإِنْ أَتَى بِالْوَاوِ وَقَوْلُهُ: وَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامِهِمَا مُعْتَمَدٌ وَلِبَعْضِهِمْ:

شُرُوطُ الْإِسْلَامِ بِلَا اشْتِبَاهِ ... عَقْلٌ بُلُوغٌ عَدَمُ الْإِكْرَاهِ

وَالنُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَالَوْلَا ... كَذَلِكَ التَّرْتِيبُ فَاعْلَمْ وَاعْمَلَا

وَقَوْلُهُ: كَذَلِكَ التَّرْتِيبُ وَفِي لَفْظِ السَّادِسِ التَّرْتِيبُ.

قَوْلُهُ: (وُجُوبًا) وَقِيلَ نَدْبًا؛ وَعَلَى كُلٍّ قِيلَ حَالًا وَقِيلَ يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>