للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَخْفَى عَلَيْهِ كَمَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا ثُمَّ أَفَاقَ، أَوْ نَشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ فَلَيْسَ مُرْتَدًّا بَلْ يُعَرَّفُ الْوُجُوبَ، فَإِنْ عَادَ بَعْدَ ذَلِكَ صَارَ مُرْتَدًّا.

(وَ) الضَّرْبُ (الثَّانِي أَنْ يَتْرُكَهَا) كَسَلًا أَوْ تَهَاوُنًا (مُعْتَقِدًا لِوُجُوبِهَا) عَلَيْهِ (فَيُسْتَتَابُ) قَبْلَ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَسْوَأَ حَالًا مِنْ الْمُرْتَدِّ. وَهِيَ مَنْدُوبَةٌ كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ كَاسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّ وَالْفَرْقُ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّ جَرِيمَةَ الْمُرْتَدِّ تَقْتَضِي الْخُلُودَ فِي النَّارِ فَوَجَبَتْ الِاسْتِتَابَةُ، رَجَاءَ نَجَاتِهِ مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ تَارِكِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ عُقُوبَتَهُ أَخَفُّ لِكَوْنِهِ يُقْتَلُ حَدًّا بَلْ مُقْتَضَى مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ كَوْنِ الْحُدُودِ تُسْقِطُ الْإِثْمَ أَنَّهُ لَا يَبْقَى عَلَيْهِ شَيْءٌ بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّهُ قَدْ حُدَّ عَلَى هَذِهِ الْجَرِيمَةِ وَالْمُسْتَقْبَلُ لَمْ يُخَاطَبْ بِهِ، وَتَوْبَتُهُ عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّ الْإِمْهَالَ يُؤَدِّي إلَى تَأْخِيرِ صَلَوَاتٍ. (فَإِنْ تَابَ) بِأَنْ امْتَثَلَ الْأَمْرَ (وَصَلَّى) خُلِّيَ سَبِيلُهُ مِنْ غَيْرِ قَتْلٍ. فَإِنْ قِيلَ هَذَا الْقَتْلُ حَدٌّ وَالْحُدُودُ لَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ. أُجِيبَ أَنَّ هَذَا الْقَتْلَ لَا يُضَاهِي الْحُدُودَ الَّتِي وُضِعَتْ عُقُوبَةً عَلَى مَعْصِيَةٍ سَابِقَةٍ بَلْ حَمْلًا عَلَى مَا تَوَجَّهَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ وَلِهَذَا لَا خِلَافَ فِي سُقُوطِهِ بِالْفِعْلِ الَّذِي هُوَ تَوْبَةٌ وَلَا يَتَخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ بِالتَّوْبَةِ عَلَى الصَّوَابِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ (قُتِلَ بِالسَّيْفِ) إنْ لَمْ يُبْدِ عُذْرًا (حَدًّا) لَا كُفْرًا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ. فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» فَإِنْ أَبْدَى عُذْرًا كَأَنْ قَالَ: تَرَكْتهَا نَاسِيًا أَوْ لِلْبَرْدِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْذَارِ صَحِيحَةً كَانَتْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ بَاطِلَةً لَمْ يُقْتَلْ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ تَعَمُّدُ تَأْخِيرِهَا عَنْ الْوَقْتِ بِغَيْرِ عُذْرٍ، لَكِنْ نَأْمُرُهُ بِهَا بَعْدَ ذِكْرِ الْعُذْرِ وُجُوبًا فِي الْعُذْرِ الْبَاطِلِ وَنَدْبًا فِي الصَّحِيحِ بِأَنْ نَقُولَ لَهُ: صَلِّ فَإِنْ امْتَنَعَ لَمْ يُقْتَلْ لِذَلِكَ. فَإِنْ قَالَ: تَعَمَّدْت تَرْكَهَا بِلَا عُذْرٍ، قُتِلَ سَوَاءٌ أَقَالَ وَلَمْ أُصَلِّهَا أَوْ سَكَتَ، لِتَحَقُّقِ جِنَايَتِهِ بِتَعَمُّدِ التَّأْخِيرِ.

وَيُقْتَلُ تَارِكُ الطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَعَدَمُ وُجُودِهِمَا الْآنَ فَلَيْسَ كُفْرًا لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ إنَّهُمَا غَيْرُ مَوْجُودَيْنِ فِي الدُّنْيَا وَكَذَا إنْكَارُ الصِّرَاطِ وَالْمِيزَانِ لَيْسَ كُفْرًا.

قَوْلُهُ: (أَمَّا مَنْ أَنْكَرَهُ جَاهِلًا) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بِأَنْ أَنْكَرَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ. . . إلَخْ شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (كَسَلًا) أَيْ بِأَنْ يَسْتَثْقِلَهَا أَيْ تَكُونَ ثَقِيلَةً عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: أَوْ تَهَاوُنًا أَيْ بِتَرْكِهَا بِأَنْ يَجْعَلَ تَرْكَهَا هَيِّنًا سَهْلًا.

قَوْلُهُ: (فَيُسْتَتَابُ) بِأَنْ يُؤْمَرَ بِأَدَائِهَا عِنْدَ ضِيقِ وَقْتِهَا وَيُتَوَعَّدُ بِالْقَتْلِ إذَا أَخْرَجَهَا عَنْ وَقْتِهَا.

قَوْلُهُ: (وَهِيَ مَنْدُوبَةٌ) أَيْ الِاسْتِتَابَةُ أَيْ عَرْضُ التَّوْبَةِ عَلَيْهِ أَيْ الطَّلَبُ مِنَّا، وَأَمَّا التَّوْبَةُ نَفْسُهَا بِالصَّلَاةِ فَهِيَ وَاجِبَةٌ.

قَوْلُهُ: (لِكَوْنِهِ يُقْتَلُ حَدًّا) أَيْ فَلَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ عِلَّةٌ لِلْأَخَفِّيَّةِ وَهَذَا أَمْرٌ فِي الدُّنْيَا فَلَا يُقَابِلُ غِلَظَ عُقُوبَةِ الْمُرْتَدِّ الَّتِي فِي الْآخِرَةِ بِالْخُلُودِ فِي النَّارِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُرْتَدَّ يَتَحَتَّمُ عَذَابُهُ قَطْعًا بِخِلَافِ تَارِكِ الصَّلَاةِ كَسَلًا فَإِنَّهُ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ سَامَحَهُ وَهَذَا أَخَفُّ مِنْ ذَلِكَ وَكُلٌّ مِنْهُمَا فِي الْآخِرَةِ.

قَوْلُهُ: (وَالْمُسْتَقْبَلُ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: قَدْ كَانَ عَازِمًا عَلَى تَرْكِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ. اهـ. شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَابَ وَصَلَّى) أَيْ بِالْفِعْلِ فَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ: أُصَلِّيهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ.

قَوْلُهُ: (لَا يُضَاهِي) أَيْ لَا يُشَابِهُ.

قَوْلُهُ: (عَلَى مَعْصِيَةٍ) كَالْخَمْرِ وَالزِّنَا.

قَوْلُهُ: (بَلْ حَمْلًا) أَيْ بَلْ شُرِعَ حَمْلًا أَيْ حَامِلًا وَبَاعِثًا عَلَى الْحَقِّ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الصَّلَاةِ فَالْمَصْدَرُ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ وَلَمَّا أَمْكَنَ تَدَارُكُ مَا لِأَجْلِهِ الْحَدُّ وَهُوَ الصَّلَاةُ سَقَطَ الْحَدُّ بِهَا أَيْ بِفِعْلِهَا بِخِلَافِ الزِّنَا لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ وَلَا رُجُوعُهُ بِالتَّوْبَةِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ بِالتَّوْبَةِ وَالْأَوْلَى جَعْلُ قَوْلِهِ: بَلْ حَمْلًا عِلَّةً لِقَوْلِهِ: لَا يُضَاهِي الْحُدُودَ بِأَنْ يَقُولَ: لِأَنَّهُ شُرِعَ حَمْلًا عَلَى مَا ذُكِرَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْحُدُودِ فَإِنَّهُ شُرِعَ لِلزَّجْرِ عَنْ ارْتِكَابِهَا وَهُوَ يَحْصُلُ مَعَ التَّوْبَةِ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْحَقِّ) وَهُوَ طَلَبُ الصَّلَاةِ.

قَوْلُهُ: (فِي سُقُوطِهِ) أَيْ الْقَتْلِ بِالْفِعْلِ أَيْ الصَّلَاةِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَتَخَرَّجُ) أَيْ لَا يُقَاسُ هَذَا الْحَدُّ وَقَوْلُهُ: فِي سُقُوطِ الْحَدِّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: فِي عَدَمِ سُقُوطِ الْحَدِّ بِالتَّوْبَةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ وَفِي عَدَمِ سُقُوطِهِ بِالتَّوْبَةِ خِلَافٌ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّارِحُ. وَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَيْهِ سَابِقًا بِأَنْ يَقُولَ: لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَوْلُهُ: عَلَى الصَّوَابِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: وَلَا يَتَخَرَّجُ. قَوْلُهُ: (لِذَلِكَ) أَيْ لِلنِّسْيَانِ أَوْ الْبَرْدِ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْأَعْذَارِ. اهـ. شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَالَ: تَعَمَّدْت تَرْكَهَا بِلَا عُذْرٍ قُتِلَ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ طَلَبٌ مِنْ الْإِمَامِ وَتَهْدِيدٌ وَبِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ. وَيَكُونُ مَدَارُ الْقَتْلِ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ: إمَّا التَّوَعُّدُ وَالتَّهْدِيدُ أَوْ قَوْلُ الشَّخْصِ

<<  <  ج: ص:  >  >>