للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَمْ يَسْأَلْ عَنْ ذَاتِ زَوْجٍ وَلَا غَيْرِهَا. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَهَا زَوْجٌ، وَتُرَقُّ زَوْجَةُ الذِّمِّيِّ بِنَفْسِ الْأَسْرِ وَيُقْطَعُ بِهِ نِكَاحُهُ. فَإِنْ قِيلَ هَذَا يُخَالِفُ قَوْلَهُمْ: إنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا بَذَلَ الْجِزْيَةَ عَصَمَ نَفْسَهُ وَزَوْجَتَهُ مِنْ الِاسْتِرْقَاقِ. أُجِيبَ: بِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَاكَ الزَّوْجَةُ الْمَوْجُودَةُ حِينَ الْعَقْدِ. فَيَتَنَاوَلُهَا الْعَقْدُ عَلَى جِهَةِ التَّبَعِيَّةِ وَالْمُرَادُ هُنَا الزَّوْجَةُ الْمُتَجَدِّدَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا وَيَجُوزُ إرْقَاقُ عَتِيقِ الذِّمِّيِّ إذَا كَانَ حَرْبِيًّا لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ اُسْتُرِقَّ فَعَتِيقُهُ أَوْلَى، لَا عَتِيقُ مُسْلِمٍ الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَلَا يُسْتَرَقُّ لِأَنَّ الْوَلَاءَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يُرْفَعُ، وَلَا تُسْتَرَقُّ زَوْجَةُ الْمُسْلِمِ الْحَرْبِيَّةُ إذَا سُبِيَتْ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ وَأَصْلُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحَيْنِ الْجَوَازُ فَإِنَّهُمَا سَوَّيَا فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ زَوْجَةِ الْحَرْبِيِّ إذَا أَسْلَمَ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ الْأَصْلِيَّ أَقْوَى مِنْ الْإِسْلَامِ الطَّارِئِ وَلَوْ سُبِيَتْ زَوْجَةٌ حُرَّةٌ أَوْ زَوْجٌ حُرٌّ وَرُقَّ انْفَسَخَ النِّكَاحُ لِحُدُوثِ الرِّقِّ، فَإِنْ كَانَا رَقِيقَيْنِ لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ إذْ لَمْ يَحْدُثْ رِقٌّ، وَإِنَّمَا انْتَقَلَ الْمِلْكُ مِنْ شَخْصٍ إلَى آخَرَ وَذَلِكَ لَا يَقْطَعُ النِّكَاحَ كَالْبَيْعِ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ قَلِيلَ عَزْوِ الْكَلَامِ لِأَهْلِهِ اهـ أج.

قَوْلُهُ: (عَنْ ذَاتِ زَوْجٍ وَلَا غَيْرَهَا) . أَيْ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى انْقِطَاعِ النِّكَاحِ بِاسْتِرْقَاقِهَا لِأَنَّ الْحَدِيثَ وَإِنْ كَانَ وَارِدًا فِي الِاسْتِبْرَاءِ شَامِلٌ لِوَطْءِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ وَقَوْلُهُ: لَا تُوطَأُ حَامِلٌ إلَخْ وَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ زَوْجًا لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ عَنْ الرِّقِّ لَكِنْ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ: حَتَّى تَضَعَ لِأَنَّ انْقِطَاعَ نِكَاحِهَا يُحَرِّمُهَا حَتَّى يَعْقِدَ عَلَيْهَا عَقْدًا جَدِيدًا، وَشُمُولُ الْحَدِيثِ لِوَطْءِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ فِيهِ نَظَرٌ. قَوْلُهُ (كَانَ فِيهِمْ) الْمُنَاسِبُ فِيهِنَّ.

قَوْلُهُ: (وَتُرَقُّ زَوْجَةُ الذِّمِّيِّ) وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ زَوْجَةَ الْمُسْلِمِ الْأَصْلِيِّ لَا تُرَقُّ وَعَتِيقُ الْمُسْلِمِ لَا يُرَقُّ وَزَوْجَةُ الذِّمِّيِّ الْمَوْجُودَةُ وَقْتَ عَقْدِ الْجِزْيَةِ لَا تُرَقُّ أَمَّا زَوْجَةُ الْحَرْبِيِّ إذَا أَسْلَمَ أَوْ زَوْجَةُ الذِّمِّيِّ إذَا حَدَّثَتْ بَعْدَ الْجِزْيَةِ وَعَتِيقُ الذِّمِّيِّ فَيُرَقُّونَ.

قَوْلُهُ: (وَيَقْطَعُ بِهِ نِكَاحَهُ) أَيْ لِأَنَّ طُرُوُّ الرِّقِّ كَالْمَوْتِ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يُخَالِفُ قَوْلَهُمْ إلَخْ) وَجْهُ الْمُخَالَفَةِ أَنَّهُ إذَا عَصَمَ زَوْجَتَهُ عَنْ الِاسْتِرْقَاقِ كَيْفَ يُلَائِمُ قَوْلَهُ: تُرَقُّ زَوْجَةُ الذِّمِّيِّ بِنَفْسِ الْأَسْرِ لَهَا. وَجَوَابُهُ أَنَّ الَّتِي يَعْصِمُهَا هِيَ الْمَوْجُودَةُ عِنْدَ عَقْدِ الْجِزْيَةِ لَهُ وَاَلَّتِي لَا يَعْصِمُهَا هِيَ الَّتِي يَطْرَأُ تَزْوِيجُهَا عَلَى عَقْدِ الْجِزْيَةِ.

قَوْلُهُ: (عَصَمَ نَفْسَهُ) مَعَ أَنَّهُ صَارَ ذِمِّيًّا بِبَذْلِ الْجِزْيَةِ.

قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ هُنَا) أَيْ فِي قَوْلِهِ: وَتُرَقُّ زَوْجَةُ الذِّمِّيِّ إلَخْ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا أَوْ يَحْمِلْ مَا هُنَاكَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ زَوْجَتُهُ دَاخِلَةً تَحْتَ الْقُدْرَةِ حِينَ الْعَقْدِ وَمَا هُنَا عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ شَرْحُ الرَّوْضِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا تُسْتَرَقُّ زَوْجَةُ الْمُسْلِمِ) أَيْ الْأَصْلِيِّ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ) جَرَى عَلَيْهِ ز ي فِي حَاشِيَتِهِ وَنَصُّهُ الْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمِنْهَاجِ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ أَسْرِهَا بِخِلَافِ زَوْجَةِ مَنْ أَسْلَمَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إرْقَاقُهَا اهـ اج.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْإِسْلَامَ) تَعْلِيلٌ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَيْ لَا تُسْتَرَقُّ زَوْجَةُ الْأَصْلِيِّ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ سُبِيَتْ) لَمْ يَقُلْ: وَرُقَّتْ كَمَا قَالَهُ: فِي الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا تُرَقُّ بِنَفْسِ السَّبْيِ بِخِلَافِهِ. اهـ. م ر. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ حَدَثَ الرِّقُّ فِي الزَّوْجَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ رِقٌّ وَلَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الزَّوْجَةَ الَّتِي يَطْرَأُ عَلَيْهَا الرِّقُّ هِيَ زَوْجَةُ الْحَرْبِيِّ الَّذِي لَمْ يُسْلِمْ وَلَمْ يُعْطِ الْجِزْيَةَ وَزَوْجَةُ الذِّمِّيِّ إذَا حَدَثَتْ بَعْدَ الْجِزْيَةِ، وَإِيضَاحُ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الزَّوْجَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَا حُرَّيْنِ أَوْ رَقِيقَيْنِ أَوْ الزَّوْجُ حُرٌّ أَوْ الزَّوْجَةُ رَقِيقَةٌ أَوْ عَكْسُهُ فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ، وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يُسْبَيَا أَوْ تُسْبَى الزَّوْجَةُ أَوْ يُسْبَى الزَّوْجُ أَوْ يُسْتَرَقَّ أَوَّلًا فَالْجُمْلَةُ سِتَّ عَشْرَةَ صُورَةً فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ فِيمَا إذَا كَانَا حُرَّيْنِ وَسُبِيَا أَوْ سُبِيَتْ هِيَ أَوْ سُبِيَ هُوَ أَوْ اُسْتُرِقَّ فَإِنْ لَمْ يُسْتَرَقَّ فَلَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ وَإِنْ كَانَا رَقِيقَيْنِ فَلَا فَسْخَ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعَةِ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا وَالزَّوْجَةُ رَقِيقَةً فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ فِيمَا إذَا سُبِيَا أَوْ سُبِيَ الزَّوْجُ وَحْدَهُ وَاسْتُرِقَّ فِيهَا وَلَا يَنْفَسِخُ فِيمَا إذَا سُبِيَتْ الزَّوْجَةُ وَحْدَهَا إذْ لَمْ يَتَجَدَّدْ لَهَا رِقٌّ أَوْ سُبِيَ الزَّوْجُ وَحْدَهُ وَلَمْ يُسْتَرَقَّ، فَإِنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً وَالزَّوْجُ رَقِيقًا فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ فِيمَا إذَا سُبِيَا أَوْ سُبِيَتْ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ سُبِيَ وَرُقَّ انْقَطَعَ نِكَاحُهُ فَتَأَمَّلْ وَافْهَمْ.

قَوْلُهُ: (أَوْ زَوْجٍ حُرٍّ) قَيْدٌ وَقَوْلُهُ: وَرُقَّ قَيْدٌ سَوَاءٌ كَانَ الرِّقُّ بِمُجَرَّدِ الْأَسْرِ بِأَنْ كَانَ صَغِيرًا مَثَلًا أَوْ بِالضَّرْبِ بِأَنْ كَانَ كَامِلًا وَاخْتَارَ الْإِمَامُ فِيهِ الرِّقَّ أَيْ فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ بِهِ النِّكَاحُ وَانْظُرْ مَا وَجْهُ ذَلِكَ فَإِنَّ غَايَةَ أَمْرِهِ أَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>