للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبُخَارِيُّ وَمِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ فِي أَخْذِهَا مَعُونَةً لَنَا وَإِهَانَةً لَهُمْ وَرُبَّمَا يَحْمِلُهُمْ ذَلِكَ عَلَى الْإِسْلَامِ. وَفَسَّرَ إعْطَاءَ الْجِزْيَةِ فِي الْآيَةِ بِالْتِزَامِهَا وَالصَّغَارَ بِالْتِزَامِ أَحْكَامِنَا. وَأَرْكَانُهَا خَمْسَةٌ: عَاقِدٌ وَمَعْقُودٌ لَهُ، وَمَكَانٌ وَمَالٌ وَصِيغَةٌ. وَشَرَطَ فِي الصِّيغَةِ وَهِيَ الرُّكْنُ الْأَوَّلُ مَا مَرَّ فِي شَرْطِهَا فِي الْبَيْعِ وَالصِّيغَةُ إيجَابًا كَأَقْرَرْتُكُمْ أَوْ أَذِنْت فِي إقَامَتِكُمْ بِدَارِنَا مَثَلًا عَلَى أَنْ تَلْتَزِمُوا كَذَا جِزْيَةً وَتَنْقَادُوا لِحُكْمِنَا. وَقَبُولًا

ــ

[حاشية البجيرمي]

مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (تُطْلَقُ عَلَى الْعَقْدِ) أَيْ شَرْعًا وَقَوْلُهُ: وَعَلَى الْمَالِ الْمُلْتَزَمِ بِهِ أَيْ لُغَةً وَشَرْعًا. قَوْلُهُ: (لِكَفِّنَا عَنْهُمْ) أَيْ وَالْتِزَامِهِمْ أَحْكَامَنَا لِأَنَّ الْمُجَازَاةَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَيْ جَانِبِنَا وَجَانِبِهِمْ.

قَوْلُهُ: (بِمَعْنَى الْقَضَاءِ) أَيْ الْأَدَاءِ لِأَنَّهُمْ يُؤَدُّونَهَا أَوْ الْقَضَاءِ بِمَعْنَى الْحُكْمِ لِأَنَّ قَضَى عَلَيْهِمْ بِهَا أَوْ الْقَضَاءَ بِمَعْنَى إغْنَائِنَا لِأَنَّ فِيهَا إغْنَاءَنَا عَنْ الْمُحَارَبَةِ.

قَوْلُهُ: (مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ) أَيْ هَجَرَ الْبَحْرَيْنِ، وَالْبَحْرَيْنِ اسْمٌ لِإِقْلِيمٍ.

قَوْلُهُ: (سُنُّوا بِهِمْ) أَيْ اُسْلُكُوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَيْ طَرِيقَتَهُمْ وَهُوَ بِضَمِّ السِّينِ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ «سُنُّوا بِالْمَجُوسِ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ: سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلَ الْكِتَابِ لَكِنْ رَوَى الشَّافِعِيُّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَلِيٍّ " كَانَ الْمَجُوسُ أَهْلَ كِتَابٍ يَقْرَءُونَهُ وَعِلْمٍ يَدْرُسُونَهُ فَشَرِبَ أَمِيرُهُمْ الْخَمْرَ فَوَقَعَ عَلَى أُخْتِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ: عَلَى بِنْتِهِ فَلَمَّا أَصْبَحَ دَعَا أَهْلَ الطَّمَعِ مِنْ الرُّهْبَانِ فَأَعْطَاهُمْ مَالًا وَقَالَ: إنَّ آدَمَ كَانَ يُنْكِحُ أَوْلَادَهُ بَنَاتِهِ أَيْ غَيْرَ التَّوْأَمَيْنِ فَالذَّكَرُ مِنْ بَطْنٍ يَتَزَوَّجُ بِالْأُنْثَى مِنْ بَطْنٍ أُخْرَى فَأَطَاعُوهُ وَقَتَلَ مَنْ خَالَفَ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَوَضَعَ الْأُخْدُودَ لِمَنْ خَالَفَهُ فَرَمَاهُ فِيهِ فَأَسْرَى عَلَى كِتَابِهِمْ فَرُفِعَ لَمَّا بَدَّلُوهُ وَعَلَى مَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنْهُ فَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُمْ مِنْهُ شَيْءٌ " فَهَذِهِ حُجَّةُ مَنْ قَالَ: كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ. وَقَوْلُهُ: سُنُّوا بِهِمْ إلَخْ أَيْ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ فَقَطْ دُونَ مُنَاكَحَتِهِمْ وَأَكْلِ ذَبِيحَتِهِمْ فَلَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَلَا أَكْلُ ذَبِيحَتِهِمْ. وَاخْتُلِفَ فِي سَنَةِ مَشْرُوعِيَّتِهَا فَقِيلَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَقِيلَ: وَفِي سَنَةِ تِسْعٍ وَجَمْعُهَا جُزْءٌ بِكَسْرِ الْجِيمِ كَقُرْبَةٍ وَقِرَبٍ اهـ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْعُقُودَ الَّتِي تُفِيدُهُمْ الْأَمَانَ ثَلَاثَةٌ أَمَانٌ وَجِزْيَةٌ وَهُدْنَةٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَعَلَّقَ بِمَحْصُورٍ فَالْأَمَانُ أَوْ بِغَيْرٍ مَحْصُورٍ فَإِنْ كَانَ إلَى غَايَةٍ فَالْهُدْنَةُ وَإِلَّا فَالْجِزْيَةُ وَهُمَا مُخْتَصَّانِ بِالْإِمَامِ بِخِلَافِ الْأَمَانِ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ.

قَوْلُهُ: (وَمِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ) وَهُمْ نَصَارَى وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ بَذَلَ الْجِزْيَةَ وَفِيهِمْ أَنْزَلَ اللَّهُ صَدْرَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ. اهـ. ح ل.

قَوْلُهُ: (وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْجِزْيَةِ. قَوْلُهُ: (وَرُبَّمَا يَحْمِلُهُمْ ذَلِكَ عَلَى الْإِسْلَامِ) أَيْ بِسَبَبِ مَا فِيهَا مِنْ مُخَالَطَةِ الْمُسْلِمِينَ وَرُؤْيَةِ مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ.

قَوْلُهُ: (بِالْتِزَامِهَا) أَيْ وَلَوْ قَبْلَ الْإِعْطَاءِ فَنَكُفُّ عَنْهُمْ إذَا الْتَزَمُوهَا وَإِنْ تَأَخَّرَ إعْطَاؤُهُمْ لَهَا. قَوْلُهُ: (وَالصَّغَارُ بِالْتِزَامِ أَحْكَامِنَا) وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّخْصَ إذَا كُلِّفَ بِمَا لَا يَعْتَقِدُهُ يُسَمِّي ذَلِكَ صَغَارًا عُرْفًا سم.

وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ قَالُوا: وَأَشَدُّ الصَّغَارِ عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِمَا لَا يَعْتَقِدُهُ وَيُضْطَرَّ إلَى احْتِمَالِهِ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَأَرْكَانُهَا) أَيْ الْجِزْيَةِ بِمَعْنَى الْعَقْدِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.

قَوْلُهُ: (عَاقِدٌ) وَهُوَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ.

قَوْلُهُ: (فِي الصِّيغَةِ) فِيهِ إظْهَارٌ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ.

قَوْلُهُ: (وَهِيَ الرُّكْنُ الْأَوَّلُ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهَا الرُّكْنُ الْخَامِسُ فِي كَلَامِهِ وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ أَوَّلًا إذَا بُدِئَ بِهَا.

قَوْلُهُ: (فِي شَرْطِهَا) فِيهِ أَنَّ مَا شُرِطَ هُنَا لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي شَرْطِهَا فِي الْبَيْعِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ فِي بِمَعْنَى مِنْ وَقَوْلُهُ: مَا مَرَّ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ نَظِيرَ مَا مَرَّ. أَيْ وَشَرَطَ فِي الصِّيغَةِ نَظِيرَ مَا مَرَّ مِنْ شَرْطِهَا فِي الْبَيْعِ.

قَوْلُهُ: (إيجَابًا) مَنْصُوبٌ خَبَرًا لِتَكُونَ مَحْذُوفًا أَيْ تَكُونُ إيجَابًا وَقَبُولًا، وَلَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ بَلْ قَوْلُهُ: أَقْرَرْتُكُمْ إلَخْ خَبَرًا وَإِيجَابًا حَالٌ. وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ وَهَذَا جَلِيٌّ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الصِّيغَةَ إيجَابٌ وَقَبُولٌ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ التَّقْدِيرِ.

قَوْلُهُ: (بِدَارِنَا) أَيْ غَيْرِ الْحِجَازِ كَمَا يَأْتِي لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ التَّنْصِيصُ عَلَى إخْرَاجِهِ حَالَ الْعَقْدِ اكْتِفَاءً بِاسْتِثْنَائِهِ شَرْعًا وَإِنْ جَهِلَهُ الْعَاقِدَانِ، وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ مَعَ شَرْحِ م ر. صُورَةُ عَقْدِهَا مَعَ الذُّكُورِ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ أَوْ نَائِبُهُ: أُقِرُّكُمْ أَوْ أَقْرَرْتُكُمْ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ لِأَنَّ الْمُضَارِعَ عِنْدَ التَّجَرُّدِ عَنْ الْقَرَائِنِ يَكُونُ لِلْحَالِ وَبِأَنَّهُ يَأْتِي لِلْإِنْشَاءِ كَ أُشْهِدُ وَلَا يُنَافِيهِ مَا مَرَّ فِي الضَّمَانِ، أَنْ أُؤَدِّيَ الْمَالَ أَوْ أُحْضِرَ الشَّخْصَ لَا يَكُونُ ضَمَانًا وَلَا كَفَالَةً وَمَا فِي الْإِقْرَارِ إنْ أَقَرَّ بِكَذَا لَغْوٌ؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ لِأَنَّ شِدَّةَ نَظَرِهِمْ فِي هَذَا الْبَابِ لِحَقْنِ الدِّمَاءِ اقْتَضَى

<<  <  ج: ص:  >  >>