للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقْرًا بِمَنْعِهِمْ مِنْ الْحَرَمِ، وَانْقِطَاعَ مَا كَانَ لَكُمْ بِقُدُومِهِمْ مِنْ الْمَكَاسِبِ: {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: ٢٨] وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجَلْبَ إنَّمَا يُجْلَبُ إلَى الْبَلَدِ لَا إلَى الْمَسْجِدِ نَفْسِهِ. وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ أَخْرَجُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ فَعُوقِبُوا بِالْمَنْعِ مِنْ دُخُولِهِ بِكُلِّ حَالٍ. فَإِنْ كَانَ رَسُولًا خَرَجَ إلَيْهِ الْإِمَامُ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبُهُ يَسْمَعُهُ، فَإِنْ مَرِضَ فِيهِ أُخْرِجَ مِنْهُ وَإِنْ خِيفَ مَوْتُهُ، فَإِنْ مَاتَ فِيهِ لَمْ يُدْفَنْ فِيهِ فَإِنْ دُفِنَ فِيهِ نُبِشَ وَأُخْرِجَ مِنْهُ إلَى الْحِلِّ لِأَنَّ بَقَاءَ جِيفَتِهِ فِيهِ أَشَدُّ مِنْ دُخُولِهِ حَيًّا. وَلَا يَجْرِي هَذَا الْحُكْمُ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ لِاخْتِصَاصِ حَرَمِ مَكَّةَ بِالنُّسُكِ. وَثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَدْخَلَ الْكُفَّارَ مَسْجِدَهُ وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ نُزُولِ " بَرَاءَةٌ ".

(وَيَتَضَمَّنُ عَقْدُ الذِّمَّةِ) أَيْ الْجِزْيَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى هَذِهِ الْأَرْكَانِ الْخَمْسَةِ. وَقَدْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: نَفْسُ الْعَقْدِ يَشْمَلُ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ وَالْقَدْرَ الْمَأْخُوذَ وَالْمُوجِبَ وَالْقَابِلَ فَجَعَلَهُ مُتَضَمِّنًا لِغَالِبِ الْأَرْكَانِ. ثُمَّ بَيَّنَ مَا تَضَمَّنَهُ بِقَوْلِهِ: (أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ) الْأَوَّلُ (أَنْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ) أَيْ ذِلَّةٍ (وَصَغَارٍ) أَيْ احْتِقَارٍ وَأَشَدُّهُ عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِمَا لَا يَعْتَقِدُهُ، وَيُضْطَرَّ إلَى احْتِمَالِهِ قَالَهُ فِي الزَّوَائِدِ. فَتُؤْخَذُ بِرِفْقٍ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَيَكْفِي فِي الصَّغَارِ الْمَذْكُورِ فِي آيَاتِهَا أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِمَا لَا يَعْتَقِدُ حِلَّهُ كَمَا فَسَّرَهُ الْأَصْحَابُ بِذَلِكَ وَتَفْسِيرُهُ بِأَنْ يَجْلِسَ الْآخِذُ وَيَقُومَ الْكَافِرُ وَيُطَأْطِئَ رَأْسَهُ وَيَحْنِيَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

يَأْتِي عَلَى حَاجَةٍ شَدِيدَةٍ يُمْكِنُ قِيَامُ غَيْرِ الْكَافِرِ بِهَا أَوْ لَا يَحْصُلُ مِنْ عَدَمِ فِعْلِهَا خَلَلٌ قَوِيٌّ. اهـ. ع ش عَلَى م ر وَمُرَادُهُ بِمَا يَأْتِي أَيْ فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجَلَبَ) أَيْ جَلَبُ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُبَاعُ إنَّمَا تُجْلَبُ إلَى الْبَلَدِ الْمُنَاسِبِ. أَنْ يَقُولَ: إنَّمَا يُجْلَبُ إلَى الْحَرَمِ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ بَيَانٌ لِكَوْنِ الْمُرَادِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ جَمِيعَ الْحَرَمِ لَكِنَّ الْبَلَدَ بَعْضُ الْحَرَمِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْجَلَبُ لِلْبَلَدِ يَصْدُقُ بِالْجَلَبِ لِلْحَرَمِ بِتَمَامِهِ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودُ. وَالْجَلَبُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِهَا فَفِي الْمُخْتَارِ أَنَّهُ أَيْ فِعْلُهُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَطَلَبَ.

قَوْلُهُ: (بِكُلِّ حَالٍ) أَيْ وَإِنْ دَعَتْ لِذَلِكَ ضَرُورَةٌ كَمَا فِي الْأُمِّ وَبِهِ يُرَدُّ قَوْلُ: ابْنِ كَجٍّ. يَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ كَطَبِيبٍ اُحْتِيجَ إلَيْهِ، وَحَمْلُ بَعْضِهِمْ لَهُ عَلَى مَا إذَا مَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُ الْمَرِيضِ لَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ رَسُولًا خَرَجَ إلَيْهِ الْإِمَامُ) عِبَارَةُ ق ر. عَلَى الْجَلَالِ فَإِنْ امْتَنَعَ إلَّا مِنْ أَدَائِهَا مُشَافَهَةً تَعَيَّنَ خُرُوجُ الْإِمَامِ لَهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّ بِهَا أَوْ أَسْمَعَهَا مَنْ يُخْبِرُ الْإِمَامَ وَلَوْ كَانَ طَبِيبًا وَجَبَ إخْرَاجُ الْمَرِيضِ إلَيْهِ مَحْمُولًا فَإِنْ تَعَذَّرَ رُدَّ أَيْ الطَّبِيبُ أَوْ وَصَفَ لَهُ مَرَضَهُ وَهُوَ خَارِجٌ، وَلَوْ بَذَلَ الْكَافِرُ عَلَى دُخُولِ الْحَرَمِ مَالًا لَمْ يُجَبْ إلَيْهِ فَإِنْ أُجِيبَ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ ثُمَّ إنْ وَصَلَ الْمَقْصِدَ أَخْرَجَ وَثَبَتَ الْمُسَمَّى أَوْ دُونَ الْمَقْصِدِ فَبِالْقِسْطِ مِنْ الْمُسَمَّى وَكُلُّ عَقْدٍ فَاسِدٍ يَسْقُطُ فِيهِ الْمُسَمَّى إلَّا هَذِهِ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى الْغَرَضَ، وَلَيْسَ لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ فَرَجَعَ إلَى الْمُسَمَّى. اهـ. عَنَانِيٌّ مَعَ زِيَادَةٍ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْ دُخُولِ الْحِجَازِ غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ لِمَصْلَحَةٍ بِلَا إقَامَةٍ وَلَا سُكْنَى وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ دُخُولِ الْحَرَمِ مُطْلَقًا. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ مَرِضَ فِيهِ) أَيْ فِي الْحَرَمِ أَيْ وَالصُّورَةُ أَنَّهُ تَعَدَّى وَدَخَلَ.

قَوْلُهُ: (نُبِشَ) مَا لَمْ يَتَفَتَّتْ شَرْحُ التَّحْرِيرِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ نَعَمْ إنْ تَهَرَّى بَعْدَ دَفْنِهِ تُرِكَ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَجْرِي هَذَا الْحُكْمُ) لَكِنْ يُسَنُّ جَعْلُهُ كَحَرَمِ مَكَّةَ كَمَا فِي م ر وق ل.

قَوْلُهُ: (وَيَتَضَمَّنُ) أَيْ يَقْتَضِي وَيَسْتَلْزِمُ فَانْدَفَعَ بِذَلِكَ أَنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا يَتَضَمَّنُ الْأَرْكَانَ الَّذِي تَوَرَّكَ بِهِ الشَّارِحُ بِكَلَامِ الْبُلْقِينِيُّ عَلَى الْمَتْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ الَّذِي يَتَضَمَّنُ الْأَرْكَانَ يَسْتَلْزِمُ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ مِنْ غَيْرِ اعْتِرَاضٍ اهـ أج.

قَوْلُهُ: (أَيْ الْجِزْيَةِ) تَفْسِيرٌ لِلذِّمَّةِ وَالْمُشْتَمِلُ صِفَةٌ لِلْعَقْدِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَقَدْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إلَخْ. وَلَيْسَ مُرَادُهُ بِذِكْرِ كَلَامِ الْبُلْقِينِيُّ الِاعْتِرَاضَ عَلَى الْمَتْنِ لِأَنَّ الْبُلْقِينِيُّ عَبَّرَ بِالِاشْتِمَالِ لَا بِالتَّضَمُّنِ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ) أَيْ فِي تَفْسِيرِ الْعَقْدِ.

قَوْلُهُ: (مُتَضَمِّنًا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: مُشْتَمِلًا عَلَى غَالِبِ الْأَرْكَانِ لِأَنَّهُ، عَبَّرَ بِالِاشْتِمَالِ لَا بِالتَّضَمُّنِ.

قَوْلُهُ: (الْغَالِبُ الْأَرْكَانُ) أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْمَكَانَ. قَوْلُهُ: (بِمَا) أَيْ بِحُكْمٍ لَا يَعْتَقِدُهُ أَيْ لَا يَعْتَقِدُ حِلَّهُ وَهُوَ وُجُوبُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ وَالضِّيَافَةِ شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (وَيُضْطَرُّ) عَطْفٌ عَلَى لَا يَعْتَقِدُ أَيْ وَيُضْطَرُّ إلَى احْتِمَالِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقِيلَ: إنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَنْفِيِّ وَهُوَ يَعْتَقِدُهُ أَيْ وَلَا يُضْطَرُّ إلَى احْتِمَالِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَتَحَمَّلَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>