للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِئَلَّا يَطَّلِعَ عَلَى عَوْرَاتِنَا. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَرْضَى الْجَارُ بِذَلِكَ أَمْ لَا. لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ لِحَقِّ الدِّينِ لَا لِمَحْضِ حَقِّ الدَّارِ.

وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ مِنْ الْمُسَاوَاةِ أَيْضًا فَإِنْ كَانُوا بِمَحَلَّةٍ مُنْفَصِلَةٍ عَنْ الْمُسْلِمِينَ كَطَرَفٍ مِنْ الْبَلَدِ لَمْ يُمْنَعُوا مِنْ رَفْعِ الْبِنَاءِ

(وَيُعَرَّفُونَ) بِضَمِّ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ مَعَ تَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَفْتُوحَةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ نُعَرِّفُهُمْ وَنَأْمُرُهُمْ أَيْ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْمُكَلَّفُونَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. وُجُوبًا أَنَّهُمْ يَتَمَيَّزُونَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ (بِلُبْسِ الْغِيَارِ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَإِنْ لَمْ يُشْرَطْ عَلَيْهِمْ وَهُوَ أَنْ يَخِيطَ كُلٌّ مِنْهُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ غَيْرِهِ بِمَوْضِعٍ لَا يُعْتَادُ الْخِيَاطَةُ عَلَيْهِ كَالْكَتِفِ عَلَى ثَوْبِهِ الظَّاهِرِ مَا يُخَالِفُ لَوْنُهُ لَوْنَ ثَوْبِهِ وَيَلْبَسَهُ وَذَلِكَ لِلتَّمْيِيزِ وَلِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - صَالَحَهُمْ عَلَى تَغْيِيرِ زِيِّهِمْ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يَفْعَلْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا بِيَهُودِ الْمَدِينَةِ؟ أُجِيبَ: بِأَنَّهُمْ كَانُوا قَلِيلِينَ مَعْرُوفِينَ فَلَمَّا كَثُرُوا فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَخَافُوا مِنْ الْتِبَاسِهِمْ بِالْمُسْلِمِينَ احْتَاجُوا إلَى تَمْيِيزِهِمْ وَإِلْقَاءِ مِنْدِيلٍ وَنَحْوِهِ كَالْخِيَاطَةِ وَالْأَوْلَى بِالْيَهُودِ الْأَصْفَرُ وَبِالنَّصَارَى الْأَزْرَقُ أَوْ الْأَكْهَبُ.

وَيُقَالُ لَهُ: الرَّمَادِيُّ وَبِالْمَجُوسِيِّ الْأَحْمَرُ أَوْ الْأَسْوَدُ (وَشَدُّ الزُّنَّارِ) أَيْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْجَانِبِ عَدَمُ الِارْتِفَاعِ وَالْمُسَاوَاةُ وَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ الْجَوَانِبِ لِأَنَّهُ لَا جَارَ فِيهِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر.

قَوْلُهُ: (لِحَقِّ الدِّينِ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ لِحَقِّ اللَّهِ، وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ لِحَقِّ الْإِسْلَامِ اهـ وَلِذَلِكَ لَا يَسْقُطُ هَدْمُهُ بِوَقْفِهِ وَلَا بِبَيْعِهِ لِكَافِرٍ مُطْلَقًا وَلَا لِمُسْلِمٍ وَإِنْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِمَنْعِ هَدْمِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا لَوْ غَصَبَ أَرْضًا وَبَنَى فِيهَا ثُمَّ بَاعَهَا فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ لِهَدْمٍ. قَوْلُهُ: (لَا لِمَحْضِ حَقِّ الدَّارِ) كَذَا فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الرَّوْضِ لَا لِمَحْضِ حَقِّ الْجَارِ وَهُوَ وَاضِحٌ اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِمَحَلَّةٍ) عِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ وَالْمَحَلُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْكَسْرُ لُغَةٌ حَكَاهَا ابْنُ الْقُطَّاعِ مَوْضِعُ الْحُلُولِ وَالْمَحِلُّ بِالْكَسْرِ الْإِحْلَالُ وَالْمَحَلَّةُ بِالْفَتْحِ الْمَكَانُ الَّذِي يَنْزِلُ فِيهِ الْقَوْمُ. اهـ. ع ش عَلَى م ر وَفِي شَرْحِ م ر: وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْجَارَ هُنَا أَهْلُ مَحَلَّتِهِ كَمَا قَالَهُ الْجُرْجَانِيِّ: وَاسْتَظْهَرَهُ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُلْحَقُ بِمَا مَرَّ فِي الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَعْلُو عَلَى أَهْلِ مَحَلَّتِهِ وَيَعْلُو عَلَى مُلَاصِقِهِ مِنْ مَحَلَّةٍ أُخْرَى نَعَمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ مُلَاصِقِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ مَحَلَّتِهِ اهـ قَالَ ع ش: عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَارِ هُنَا أَهْلُ مَحَلَّتِهِ أَيْ فَمَا زَادَ عَلَى أَهْلِ مَحَلَّتِهِ لَا يُمْنَعُ مِنْ مُسَاوَاةِ بِنَائِهِ لَهُ أَوْ رَفْعِهِ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَصِلْ لِلْأَرْبَعِينَ دَارًا اهـ كَلَامُهُ قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَوْ كَانَ جَارُهُ مَسْجِدًا أَوْ وَقْفًا عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ أَوْ عَلَى مُعَيَّنٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْمِلْكِ اهـ. وَوَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّا لَوْ اشْتَرَكَ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ فِي بِنَاءٍ وَجَارٍ لَهُمَا مُسْلِمٌ هَلْ يُهْدَمُ أَوْ لَا؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُتَّجَهَ أَنَّهُ يُهْدَمُ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إعْلَاءُ بِنَاءِ ذِمِّيٍّ عَلَى جَارِهِ الْمُسْلِمِ وَأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الذِّمِّيِّ بِنَقْضِهِ آلَةَ الْمُسْلِمِ أَوْ تَلَفِهَا بِالْهَدْمِ وَإِنْ كَانَ الْهَدْمُ بِسَبَبِهِ كَذَا فِي سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَيُعَرَّفُونَ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَأَمْرُهُمْ بِغِيَارٍ إلَخْ أَيْ وَلَزِمَنَا أَمْرُهُمْ أَيْ أَنَّ الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِمَا يَتَمَيَّزُونَ بِهِ بِشَرْطِ التَّكْلِيفِ وَأَنْ يَكُونُوا بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ، وَقَوْلُهُ: لَزِمَنَا أَمْرُهُمْ أَيْ مَنْ دَخَلَ دَارَنَا مِنْهُمْ وَلَوْ بِرِسَالَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ وَإِنْ قَصُرَتْ مُدَّةُ اخْتِلَاطِهِ م ر فِي شَرْحِهِ.

قَوْلُهُ: (أَيْ أَهْلٌ) تَفْسِيرٌ لِلْوَاوِ فِي يُعَرَّفُونَ لَكِنْ قَوْلُهُ: إنَّهُمْ يَتَمَيَّزُونَ رُبَّمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِضَمِيرِ يَأْمُرُهُمْ فَيَكُونُ مَنْصُوبًا وَالْمُكَلَّفُونَ نَعْتٌ مَقْطُوعٌ.

قَوْلُهُ: (بِيَهُودِ الْمَدِينَةِ) أَيْ بِيَهُودِ مَا حَوَالَيْ الْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ الْحِجَازِ لِأَنَّ الْمَدِينَةَ أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا فَلَمْ يَبْقَ بِهَا يَهُودٌ زَمَنَ الصَّحَابَةِ، فَاحْتِيجَ لِذَلِكَ التَّأْوِيلِ أَوْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ دُخُولِهِمْ الْحِجَازَ.

قَوْلُهُ: (وَالْأَوْلَى بِالْيَهُودِ الْأَصْفَرُ) : هَذَا هُوَ الْمُعْتَادُ فِي كُلٍّ بَعْدَ الْأَزْمِنَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. فَلَا يَرِدُ كَوْنُ الْأَصْفَرِ كَانَ زِيَّ النَّصَارَى وَزِيَّ الْمَلَائِكَةِ يَوْمَ بَدْرٍ وَكَأَنَّهُمْ إنَّمَا آثَرُوهُمْ بِهِ لِغَلَبَةِ الصُّفْرَةِ فِي أَلْوَانِهِمْ النَّاشِئَةِ عَنْ زِيَادَةِ فَسَادِ قُلُوبِهِمْ وَلَوْ أَرَادُوا التَّمْيِيزَ بِغَيْرِ الْمُعْتَادِ مُنِعُوا خَشْيَةَ الِالْتِبَاسِ وَتُؤْمَرُ ذِمِّيَّةٌ خَرَجَتْ بِتَخَالُفِ لَوْنِ خُفَّيْهَا " وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى شَرْحُ م ر قَالَ الرَّشِيدِيُّ عَلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَا بِلَوْنَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا بِلَوْنٍ اهـ.

قَوْلُهُ: (الزُّنَّارُ) بِوَزْنِ تُفَّاحٍ وَيُجْمَعُ عَلَى زَنَانِيرَ، وَالْوَاوُ يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ عَلَى بَابِهَا وَيَكُونُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِلتَّأْكِيدِ وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى أَوْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ التَّمْيِيزِ وَهُوَ الْحَاصِلُ بِأَحَدِهِمَا وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَشَرْحُهُ أَوْ زُنَّارٍ بِضَمِّ الزَّايِ وَهُوَ خَيْطٌ غَلِيظٌ فِيهِ أَلْوَانٌ تُشَدُّ فِي الْوَسَطِ

<<  <  ج: ص:  >  >>