وَهُوَ طَهَارَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ عَلَى الْأَصَحِّ. وَأَخَّرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْوُضُوءِ إعْلَامًا بِجَوَازِ تَقْدِيمِ الْوُضُوءِ عَلَيْهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَارْتِفَاعُهُ يَحْصُلُ مَعَ قِيَامِ الْمَانِعِ، وَمُقْتَضَاهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: عَدَمُ صِحَّةِ وُضُوءِ دَائِمِ الْحَدَثِ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ، لِكَوْنِهِ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّ الْمَاءَ أَصْلٌ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ فَكَانَ أَقْوَى مِنْ التُّرَابِ الَّذِي لَا يَرْفَعُهُ أَصْلًا. (وَالِاسْتِنْجَاءُ) اسْتِفْعَالٌ مِنْ طَلَبِ النَّجَاءِ وَهُوَ الْخَلَاصُ مِنْ الشَّيْءِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ نَجَوْت الشَّجَرَةَ وَأَنْجَيْتهَا إذَا قَطَعْتهَا لِأَنَّ الْمُسْتَنْجِيَ يَقْطَعُ بِهِ الْأَذَى عَنْ نَفْسِهِ وَقَدْ يُتَرْجَمُ هَذَا الْفَصْلُ بِالِاسْتِطَابَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الِاسْتِطَابَةَ طَلَبُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
مَوَائِدِ الْجَنَّةِ، وَالْمَضْمَضَةُ لِكَلَامِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالِاسْتِنْشَاقُ لِرَوَائِحِ الْجَنَّةِ، وَغَسْلُ الْوَجْهِ لِلنَّظَرِ إلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ إلَى الْمَرْفِقَيْنِ لِلْأَسَاوِرِ، وَمَسْحُ الرَّأْسِ لِلتَّاجِ وَالْإِكْلِيلِ وَهُوَ شَيْءٌ يُوضَعُ فَوْقَ الْعِمَامَةِ الَّتِي هِيَ التَّاجُ، وَالْإِكْلِيلُ كَالشَّالِ. وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ لِسَمَاعِ كَلَامِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ لِلْمَشْيِ فِي الْجَنَّةِ. اهـ. . وَجَمِيعُ مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ مِنْ الْآدَابِ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، إلَّا تَرْكَ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ فِي غَيْرِ مُعَدٍّ بِدُونِ السَّاتِرِ فَوَاجِبَانِ. وَكَذَا الِاسْتِنْجَاءُ بِشُرُوطِهِ وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِنَا كَمَا فِي سم. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ بِالْمَاءِ أَوْ بِالْحَجَرِ وَيُعَارِضُهُ مَا نَقَلَهُ طب أَنَّ الْخُصُوصِيَّةَ بِالْحَجَرِ لَا بِالْمَاءِ. وَقَالَ الشَّوْبَرِيُّ: إنَّهُ بِالْمَاءِ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ، وَبِالْحَجَرِ مِنْ خُصُوصِيَّتِنَا، وَمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّ الْأَعْرَابَ كَانَتْ تَسْتَنْجِي بِالْأَحْجَارِ كَانَ مِنْ غَيْرِ شَرْعٍ، بَلْ كَانَ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ عَنْهُ، وَشُرِعَ مَعَ الْوُضُوءِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ.
وَقِيلَ: أَوَّلُ الْمَبْعَثِ وَهُوَ بِالْحَجَرِ رُخْصَةٌ كَمَا يَأْتِي، وَإِنَّمَا جَازَ لِلْعَاصِي بِسَفَرِهِ لِأَنَّهُمْ تَوَسَّعُوا فِيهِ مَا لَمْ يَتَوَسَّعُوا فِي غَيْرِهِ مِنْ الرُّخَصِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ طَهَارَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ) أَيْ فَلِذَلِكَ عَقَدَ لَهُ فَصْلًا. وَقَوْلُهُ: (عَلَى الْأَصَحِّ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: مُسْتَقِلَّةٌ أَيْ، فَلَيْسَ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ أَنَّهُ مِنْهَا أَيْ فِي قَوْلِهِ إزَالَةً لِلنَّجَاسَةِ وَعَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ، فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ إزَالَتَهُ لَيْسَتْ عَلَى طَرِيقِ إزَالَتِهَا؛ لِأَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ الْجَامِدُ فَهُوَ مُسَلَّمٌ. وَأَرْكَانُ الِاسْتِنْجَاءِ أَرْبَعَةٌ: مُسْتَنْجٍ وَمُسْتَنْجًى بِهِ وَمُسْتَنْجًى مِنْهُ وَمُسْتَنْجًى فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَأَخَّرَهُ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) وَمَنْ قَدَّمَهُ عَلَيْهِ كَالْمِنْهَاجِ نَظَرَ إلَى تَعْيِينِ تَقْدِيمِهِ عَلَى الْوُضُوءِ فِي حَقِّ مَنْ ذُكِرَ.
قَوْلُهُ: (مَعَ قِيَامِ الْمَانِعِ) أَيْ مِنْ الصَّلَاةِ وَهُوَ النَّجَاسَةُ، بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ مُبِيحٌ وَلَا تَحْصُلُ الْإِبَاحَةُ مَعَ الْمَانِعِ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ الظَّاهِرُ) مُعْتَمَدٌ. وَمَا فِي حَاشِيَةِ اج غَلَطٌ، تَبِعَ فِي ق ل وَعِبَارَةُ اج قَوْلُهُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ اعْتَمَدَ م ر وَأَتْبَاعُهُ وَخِلَافَهُ، وَلَعَلَّهُ الْمُرَادُ بِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ. اهـ. ق ل، وَهَذَا وَاَلَّذِي فِي كَلَامِ م ر أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ فِي حَقِّهِ تَقْدِيمُ الِاسْتِنْجَاءِ عَلَى وُضُوئِهِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ.
قَوْلُهُ: (فَكَانَ أَقْوَى) هُوَ مِنْ تَتْمِيمِ التَّعْلِيلِ فَتَلَخَّصَ أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْ التَّيَمُّمِ وَلَا عَنْ وُضُوءِ الضَّرُورَةِ.
قَوْلُهُ: (وَالِاسْتِنْجَاءُ اسْتِفْعَالٌ) أَيْ عَلَى وَزْنِهِ قَوْلُهُ مِنْ طَلَبِ النَّجَاءِ يَقْتَضِي أَنَّ السِّينَ وَالتَّاءِ لِلطَّلَبِ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَا زَائِدَتَيْنِ وَأَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ نَجَوْت أَيْ مِنْ مَصْدَرِهِ وَهُوَ النَّجْوُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِنْ بَيَانِيَّةٌ أَيْ وَهُوَ طَلَبُ النَّجَاءِ بِالْمَدِّ أَيْ السَّلَامَةُ مِنْ الْمَضَارِّ دُنْيَا وَأُخْرَى وَقَدْ يُقْصَرُ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ وَهَذَا مَعْنَاهُ لُغَةً وَأَمَّا شَرْعًا فَهُوَ إزَالَةُ الْخَارِجِ مِنْ الْفَرْجِ عَنْ الْفَرْجِ بِمَاءٍ أَوْ حَجَرٍ بِشَرْطِهِ الْآتِي وَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ أَيْ أَنَّ أَحَدَ النَّوْعَيْنِ مُجْزِئٌ وَحْدَهُ وَلَوْ مَعَ تَيَسُّرِ الْآخَرِ وَلَيْسَتْ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ لِأَنَّ الْجَمْعَ جَائِزٌ.
قَوْلُهُ: (إذَا قَطَعْتَهَا) بِفَتْحِ التَّاءِ عَلَى الْأَشْهَرِ فِي الْمُفَسَّرِ بِإِذَا دُونَ الْمُفَسَّرِ بِأَيِّ فَإِنَّهُ بِضَمِّ التَّاءُ قَالَ فِي الْمُغْنِي:
إذَا كَنَيْتَ بِأَيٍّ فِعْلًا تُفَسِّرُهُ ... فَضُمَّ تَاءَك فِيهِ ضَمَّ مُعْتَرِفِ
وَإِنْ تَكُنْ بِإِذَا يَوْمًا تُفَسِّرُهُ ... فَفَتْحَةُ التَّاءِ فِيهِ غَيْرُ مُخْتَلِفِ