للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُقَالُ لَهُ الْقُعْقُعُ، وَهُوَ ذُو لَوْنَيْنِ أَبْيَضُ وَأَسْوَدُ، طَوِيلُ الذَّنَبِ، قَصِيرُ الْجَنَاحِ عَيْنَاهُ يُشْبِهَانِ الزِّئْبَقَ صَوْتُهُ الْعَقْعَقَةُ. كَانَتْ الْعَرَبُ تَتَشَاءَمُ بِصَوْتِهِ، ثَانِيهَا الْغُدَافُ الْكَبِيرُ وَيُسَمَّى الْغُرَابَ الْجَبَلِيَّ لِأَنَّهُ لَا يَسْكُنُ إلَّا الْجِبَالَ فَهَذَانِ حَرَامَانِ لِخُبْثِهِمَا، ثَالِثُهَا الْغُدَافُ الصَّغِيرُ وَهُوَ أَسْوَدُ رَمَادِيُّ اللَّوْنِ. وَهَذَا قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ: يَحْرُمُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي لِلْأَمْرِ بِقَتْلِ الْغُرَابِ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ وَقِيلَ بِحِلِّهِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَقَدْ صَرَّحَ بِحِلِّهِ الْبَغَوِيّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ. وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ يَأْكُلُ الزَّرْعَ وَاعْتَمَدَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ (وَيَحِلُّ لِلْمُضْطَرِّ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ. (فِي) حَالِ (الْمَخْمَصَةِ) بِمِيمَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا خَاءٌ مُعْجَمَةٌ وَبَعْدَهُمَا صَادٌ أَيْ الْمَجَاعَةُ مَوْتًا أَوْ مَرَضًا مَخُوفًا زِيَادَتُهُ أَوْ طُولُ مُدَّتِهِ أَوْ انْقِطَاعَهُ عَنْ رُفْقَتِهِ أَوْ خَوْفَ ضَعْفٍ عَنْ مَشْيٍ أَوْ رُكُوبٍ. وَلَمْ يَجِدْ حَلَالًا يَأْكُلُهُ. (أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الْمَيْتَةِ الْمُحَرَّمَةِ) عَلَيْهِ قَبْلَ اضْطِرَارِهِ لِأَنَّ تَارِكَهُ سَاعٍ فِي هَلَاكِ نَفْسِهِ وَكَمَا يَجِبُ دَفْعُ الْهَلَاكِ بِأَكْلِ الْحَلَالِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: ٢٩] فَلَا يُشْتَرَطُ فِيمَا يَخَافُ تَحَقُّقُ وُقُوعِهِ لَوْ لَمْ يَأْكُلْ بَلْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ الظَّنُّ كَمَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى أَكْلِ ذَلِكَ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّيَقُّنُ وَلَا الْإِشْرَافُ عَلَى الْمَوْتِ بَلْ لَوْ انْتَهَى إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَكْلُهُ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ.

تَنْبِيهٌ:

يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ فَلَا يُبَاحُ لَهُ الْأَكْلُ حَتَّى يَتُوبَ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَكَالْعَاصِي بِسَفَرِهِ مُرَاقُ الدَّمِ كَالْمُرْتَدِّ، وَالْحَرْبِيِّ فَلَا يَأْكُلَانِ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يُسْلِمَا قَالَ: وَكَذَا مُرَاقُ الدَّمِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إسْقَاطِ الْقَتْلِ بِالتَّوْبَةِ كَتَارِكِ الصَّلَاةِ. وَمَنْ قَتَلَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ قَالَ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ.

تَنْبِيهٌ:

أَفْهَمَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ الْمَيْتَةَ الْمُحَرَّمَةَ التَّخْيِيرَ بَيْنَ أَنْوَاعِهَا كَمَيْتَةِ شَاةٍ وَحِمَارٍ لَكِنْ لَوْ كَانَتْ الْمَيْتَةُ مِنْ حَيَوَانٍ نَجَسٍ فِي حَيَاتِهِ كَخِنْزِيرٍ وَمَيْتَةِ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ فِي حَيَاتِهِ كَحِمَارٍ وَجَبَ تَقْدِيمُ مَيْتَةِ الطَّاهِرِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ خَالَفَهُ الْإِسْنَوِيُّ ثُمَّ إنْ تَوَقَّعَ الْمُضْطَرُّ حَلَالًا عَلَى قُرْبٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْكُلَ غَيْرَ (مَا يَسُدُّ رَمَقُهُ) لِانْدِفَاعِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

عِقْدٍ ثَمِينٍ اخْتَطَفَهُ مِنْ شِمَالٍ وَيَمِينٍ وَاخْتَلَفُوا فِي تَسْمِيَتِهِ عَقْعَقٌ فَقِيلَ: لِأَنَّهُ يَعُقُّ فِرَاخَهُ فَيَتْرُكُهُمْ بِلَا طُعْمٍ وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْغِرْبَانِ لِأَنَّ جَمِيعَهَا يَفْعَلُ ذَلِكَ وَقِيلَ: اُشْتُقَّ لَهُ هَذَا الِاسْمُ مِنْ صَوْتِهِ وَالْعَرَبُ كَانَتْ تَتَشَاءَمُ بِهِ وَبِصِيَاحِهِ اهـ.

قَوْلُهُ: (الْغُدَافُ) وَهُوَ بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُهُ غِدْفَانُ بِكَسْرِ الْغَيْنِ اهـ. دَمِيرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ الظَّاهِرُ) مُعْتَمَدٌ وَيَحِلُّ الْكَرَوَانُ بِالْإِجْمَاعِ اهـ، دَيْرَبِيٌّ.

قَوْلُهُ: (أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يُعَبِّرَ بِالْوُجُوبِ كَمَا هُوَ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ.

قَوْلُهُ: (مَوْتًا) مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ.

قَوْلُهُ: (مَخُوفًا) لَيْسَ قَيْدًا وَعِبَارَةُ م ر وَمَرَضٌ مَخُوفٌ أَوْ غَيْرُ مَخُوفٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَحْذُورٍ وَيُبِيحُ التَّيَمُّمَ اهـ.

قَوْلُهُ: (أَوْ خَوْفَ ضَعْفٍ) الْأَوْلَى إسْقَاطُ خَوْفٍ وَيَقُولُ: أَوْ ضَعْفًا لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَوْتًا وَيَصِيرُ الْمَعْنَى عَلَى ثُبُوتِ خَوْفٍ إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ خَوْفَ ضَعْفٍ وَلَا مَعْنًى لَهُ اهـ. شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَجِدْ حَلَالًا) وَكَذَا إذَا وَجَدَهُ وَلَمْ يَبْذُلْهُ مَالِكُهُ أَوْ كَانَ مُضْطَرًّا أَيْضًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالْعَدَمِ.

قَوْلُهُ: (عَلَى أَكْلِ ذَلِكَ) أَيْ الْمَيْتَةِ فَيَكْفِي فِيهِ ظَنُّ وُقُوعِ مَا هَدَّدَهُ بِهِ الْمُكْرِهُ بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ عَلَى إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ مَثَلًا فَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ مَا يُخَوِّفُهُ بِهِ اهـ.

قَوْلُهُ: (فَلَا يُشْتَرَطُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: بَلْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ الظَّنُّ وَأَتَى بِهِ وَإِنْ عُلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ.

قَوْلُهُ: (الْعَاصِي بِسَفَرِهِ) لِأَنَّ إبَاحَةَ الْمَيْتَةِ رُخْصَةٌ فَلَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي. قَوْلُهُ: (وَمَنْ قَتَلَ) أَيْ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (لَهُ) أَيْ لِلْأَخِيرِ وَهُوَ مُرَاقُ الدَّمِ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ اسْتِثْنَاؤُهُ مُتَعَيِّنٌ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ إنْ تَوَقَّعَ إلَخْ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمَتْنِ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا تَوَقَّعَ حَلَالًا عَنْ قُرْبٍ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَوَقَّعْ فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ، بَلْ يَأْكُلُ حَتَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>