قَالَ الزَّرْكَشِيّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ: وَيَحْرُمُ أَكْلُ الشِّوَاءِ الْمَكْمُورِ وَهُوَ مَا يُكْفَأُ عَلَيْهِ غِطَاءٌ بَعْدَ اسْتِوَائِهِ لِإِضْرَارِهِ بِالْبَدَنِ.
وَيُسَنّ تَرْكُ التَّبَسُّطِ فِي الطَّعَامِ الْمُبَاحِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِ السَّلَفِ، هَذَا إذَا لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ حَاجَةٌ كَقِرَى الضَّيْفِ وَأَوْقَاتِ التَّوَسُّعَةِ عَلَى الْعِيَالِ كَيَوْمِ عَاشُورَاءَ وَيَوْمَيْ الْعِيدِ وَلَمْ يُقْصَدْ بِذَلِكَ التَّفَاخُرُ وَالتَّكَاثُرُ بَلْ لِطِيبِ خَاطِرِ الضَّيْفِ وَالْعِيَالِ وَقَضَاءِ وَطَرِهِمْ مِمَّا يَشْتَهُونَهُ؛ وَفِي إعْطَاءِ النَّفْسِ شَهَوَاتِهَا الْمُبَاحَةَ، مَذَاهِبُ حَكَاهَا الْمَاوَرْدِيُّ: مَنْعُهَا وَقَهْرُهَا لِئَلَّا تَطْغَى، وَالثَّانِي إعْطَاؤُهَا تَحَيُّلًا عَلَى نَشَاطِهَا وَبَعْثًا لِرُوحَانِيَّتِهَا. قَالَ: وَالْأَشْبَهُ التَّوَسُّطُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ لِأَنَّ فِي إعْطَائِهَا الْكُلَّ سَلَاطَةً عَلَيْهِ وَفِي مَنْعِهَا بَلَادَةً. وَيُسَنُّ الْحُلْوُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ وَكَثْرَةُ الْأَيْدِي عَلَى الطَّعَامِ وَأَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى عَقِبَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْمَجَارِي. اهـ. ق ل وَقَوْلُهُ: مَا يَضُرُّ الْبَدَنُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْمُرَادُ الضَّرَرُ الْبَيِّنُ الَّذِي لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً لَا مُطْلَقُ الضَّرَرِ شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَالتُّرَابُ) أَيْ وَطِينٌ وَطَفَلٌ وَمَحَلُّهُ فِي غَيْرِ النِّسَاءِ الْحَبَالَى فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِنَّ أَكْلُ الطِّينِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّدَاوِي م ر. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (كَالْأَفْيُونِ) تَنْظِيرٌ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ لَبَنُ الْخَشْخَاشِ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَالْخَشْخَاشُ نَبْتٌ مَعْرُوفٌ أَيْ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي النَّوْمِ وَالْمُرَادُ بِلَبَنِهِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ بِعَصْرِهِ وَهُوَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ الْوَاحِدَةِ خَشْخَاشَةٌ وَقَدْ أَلْغَزَ فِيهِ بَعْضُهُمْ فَقَالَ:
وَمَا قُبَّةٌ مَبْنِيَّةٌ فَوْقَ شَاهِقٍ ... لَهَا شَرَفٌ نَحْوَ الْمَلَاحَةِ وَالظُّرْفِ
وَأَوْلَادُهَا فِي بَطْنِهَا إنْ عَدَدْتهمْ ... يَكُونُونَ أَلْفًا أَوْ يَزِيدُونَ عَنْ أَلْفِ
وَيَأْخُذُهَا الطِّفْلُ الصَّغِيرُ بِجَهْلِهِ ... فَيَقْلِبُهَا عَسْفًا عَلَى رَاحَةِ الْكَفِّ
قَوْلُهُ: (الشِّوَاءِ) أَيْ الْمَشْوِيِّ الْمَكْمُورِ كَاللَّحْمِ الْمَشْوِيِّ وَالْفُولِ الْمَكْمُورِ وَالْمُعْتَمَدُ الْكَرَاهَةُ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا غُطِّيَ مِنْ أَوَّلِ وَضْعِهِ عَلَى النَّارِ إلَى اسْتِوَائِهِ، وَمَنَعَ خُرُوجَ الْبُخَارِ مِنْهُ وَدُخُولَ الْهَوَاءِ لَهُ وَإِلَّا فَلَا حُرْمَةَ وَلَا كَرَاهَةَ خِلَافًا لِلشَّارِحِ، حَيْثُ قَالَ بَعْدَ اسْتِوَائِهِ، وَيَحْرُمُ الْبَنْجُ وَالْحَشِيشُ وَلَا يُحَدُّ بِهِ، بِخِلَافِ الشَّرَابِ الْمُسْكِرِ وَإِنَّمَا لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّهُ لَا يُلِذُّ وَلَا يُطْرِبُ وَلَا يَدْعُو قَلِيلُهُ إلَى كَثِيرِهِ بَلْ فِيهِ التَّعْزِيرُ وَلَهُ تَنَاوُلُهُ لِيُزِيلَ عَقْلَهُ لِقَطْعِ عُضْوٍ مُتَأَكِّلٍ حَتَّى لَا يَحُسُّ بِالْأَلَمِ، وَلِبَعْضِهِمْ:
قُلْ لِمَنْ يَأْكُلُ الْحَشِيشَةَ جَهْلًا ... يَا خَسِيسًا قَدْ عِشْت شَرَّ مَعِيشَهْ
دِيَةُ الْعَقْلِ بَدْرَةٌ فَلِمَاذَا ... يَا سَفِيهًا قَدْ بِعْتهَا بِحَشِيشَهْ
وَالْبَدْرَةُ عَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ أَلْفُ دِينَارٍ. اهـ. .
قَوْلُهُ: (التَّبَسُّطِ) أَيْ الْأَلْوَانُ الْمُخْتَلِفَةُ.
قَوْلُهُ: (كَقِرَى الضَّيْفِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ قَرَيْت الضَّيْفَ أَقْرِيهِ مِنْ بَابِ رَمَى، قَرَى. وَفِي الْمُخْتَارِ قَرَى الضَّيْفَ يَقْرِيهِ بِالْكَسْرِ وَالْقَصْرِ وَقَرَّاءٌ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ أَحْسَنُ إلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَفِي إعْطَاءٍ إلَخْ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَمَذَاهِبُ مُبْتَدَأٍ مُؤَخَّرٍ وَقَوْلُهُ: مَذَاهِبُ أَيْ أَقْوَالٌ. قَوْلُهُ: (مَنَعَهَا) أَيْ أَحَدُهَا مَنَعَهَا وَقَوْلُهُ: إعْطَاؤُهَا أَيْ الثَّانِي إعْطَاؤُهَا.
قَوْلُهُ: (وَبَعْثًا) أَيْ بَاعِثًا وَحَامِلًا وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَنْ يُرِيدُ تَهْذِيبَ نَفْسِهِ، أَمَّا مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ بُخْلًا وَشُحًّا فَهُوَ مَذْمُومٌ وَلِبَعْضِهِمْ:
الْبُخْلُ شَيْنٌ وَلَا يَرْضَى بِهِ ... أَحَدٌ إلَّا الْأَسَافِلُ أَهْلُ الذَّمِّ وَالْعَارِ
الْمُنْفِقُونَ لَهُمْ إخْلَافَ مَا بَذَلُوا ... وَالْمُمْسِكُونَ لَهُمْ إتْلَافَ مَا نَارِ
قَوْلُهُ: (لِرُوحَانِيَّتِهَا) أَيْ رَاحَتِهَا. قَوْله: (وَالْأَشْبَهُ) هُوَ الثَّالِثُ.
قَوْلُهُ: (سَلَاطَةٌ عَلَيْهِ) أَيْ الطُّغْيَانُ.
قَوْلُهُ: (وَفِي مَنْعِهَا بَلَادَةٌ) أَيْ إذَا مَنَعَهَا ذَلِكَ مُطْلَقًا أَوْرَثَهُ الْبَلَادَةَ.