قَتْلِ الضِّفْدَعِ. فَائِدَةٌ:
رَوَى الْقَزْوِينِيُّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ خَلَّفَ فِي الْأَرْضِ أَلْفَ أُمَّةٍ سِتُّمِائَةٍ فِي الْبَحْرِ وَأَرْبَعُمِائَةٍ فِي الْبَرِّ» وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: لِلَّهِ تَعَالَى ثَمَانُونَ أَلْفَ عَالَمٍ أَرْبَعُونَ أَلْفًا فِي الْبَحْرِ وَأَرْبَعُونَ أَلْفًا فِي الْبَرِّ (وَدَمَانِ حَلَالَانِ) وَهُمَا (الْكَبِدُ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ عَلَى الْأَفْصَحِ (وَالطِّحَالِ) بِكَسْرِ الطَّاءِ لِحَدِيثِ: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ» رَفَعَهُ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَصَحَّحَ الْبَيْهَقِيُّ وَقْفَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ. وَلِذَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: الصَّحِيحُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ هُوَ الْقَائِلُ: أُحِلَّتْ لَنَا، وَأَنَّهُ يَكُونُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ مَرْفُوعًا. تَتِمَّةٌ:
أَفْضَلُ مَا أَكَلْت مِنْهُ كَسْبُك مِنْ زِرَاعَةٍ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى التَّوَكُّلِ ثُمَّ مِنْ صِنَاعَةٍ لِأَنَّ الْكَسْبَ فِيهَا يَحْصُلُ بِكَدِّ الْيَمِينِ ثُمَّ مِنْ تِجَارَةٍ، لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَكْتَسِبُونَ بِهَا. وَيَحْرُمُ مَا يَضُرُّ الْبَدَنَ أَوْ الْعَقْلَ كَالْحَجَرِ وَالتُّرَابِ وَالزُّجَاجِ، وَالسُّمِّ كَالْأَفْيُونِ وَهُوَ لَبَنُ الْخَشْخَاشِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُضِرٌّ وَرُبَّمَا يَقْتُلُ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥] .
ــ
[حاشية البجيرمي]
(وَسُلَحْفَاةٍ) أَيْ بَرِّيَّةٍ أَمَّا الْبَحْرِيَّةُ فَيَجُوزُ أَكْلُهَا. وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر. فَالْحَيَّةُ وَالنِّسْنَاسُ وَالسُّلَحْفَاةُ الْبَحْرِيَّةُ حَلَالٌ، وَالسُّلَحْفَاةُ هِيَ التِّرْسَةُ الْمَعْرُوفَةُ فَتَحِلُّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ كَانَتْ تَعِيشُ فِي الْبَرِّ اهـ.
قَوْلُهُ: (أَلْفُ أُمَّةٍ) أَيْ أَلْفُ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ وَكَذَا قَوْلُهُ: أَلْفُ عَالَمٍ أَيْ أَلْفُ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَالَمِ.
قَوْلُهُ: (الْكَبِدُ) الْكَبِدُ مُؤَنَّثَةٌ وَهِيَ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا مَعَ فَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا وَالْجَمْعُ أَكْبَادُ وَكُبُودٌ. قَوْلُهُ: (حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ) أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ.
قَوْلُهُ: (يَكُونُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ مَرْفُوعًا) أَيْ بِقَوْلِهِ: أُحِلَّتْ لَنَا أَيْ أَحَلَّ لَنَا الشَّارِعُ وَهُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ نَحْوُ أُمِرْنَا وَنُهِينَا.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى التَّوَكُّلِ) وَأَسْلَمُ مِنْ الْغِشِّ وَلِعُمُومِ النَّفْعِ بِهَا لِلْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْكَسْبَ يَحْصُلُ فِيهَا بِكَدِّ الْيَمِينِ) وَلِذَلِكَ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: «مَنْ بَاتَ كَالًّا مِنْ عَمَلِهِ بَاتَ مَغْفُورًا لَهُ» قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَكْتَسِبُونَ بِهَا) وَعَنْ الْمِقْدَامِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ» اهـ فَكَانَ يَعْمَلُ الزَّرَدَ وَيَبِيعُهُ لِقُوتِهِ، وَكَانَ لَا يَأْكُلُ إلَّا مِنْ يَدِهِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ حَاجَةٍ، لِأَنَّهُ كَانَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ. قَالَ الضَّحَّاكُ وَالْكَلْبِيُّ: مَلَكَ دَاوُد بَعْدَ قَتْلِهِ جَالُوتَ سَبْعِينَ سَنَةً وَجَمَعَ اللَّهُ لِدَاوُدَ بَيْنَ الْمُلْكِ وَالنُّبُوَّةِ وَلَمْ يَجْتَمِعْ ذَلِكَ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ بَلْ كَانَ الْمُلْكُ فِي سَبْطٍ وَالنُّبُوَّةُ فِي سَبْطٍ فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ} [البقرة: ٢٥١] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ دَاوُد أَشَدَّ مُلُوكِ الْأَرْضِ سُلْطَانًا يَحْرُسُ مِحْرَابَهُ كُلَّ لَيْلَةٍ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ أَلْفِ رَجُلٍ فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ} [ص: ٢٠] وَكَانَ نُوحٌ نَجَّارًا وَإِبْرَاهِيمُ بَزَّازًا وَإِدْرِيسُ خَيَّاطًا وَنَحْوُ هَذَا لَا يُفِيدُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتَاتُونَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا بُدَّ وَقَدْ كَانَ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْكُلُ مِنْ سَعْيِهِ الَّذِي يَكْتَسِبُهُ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ بِالْجِهَادِ، وَهُوَ أَشْرَفُ الْمَكَاسِبِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِمَا فِيهِ مِنْ إعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ. وَذَكَرَ صَاحِبُ كِتَابِ بَصَائِرِ الْقُدَمَاءِ وَسَرَائِرِ الْحُكَمَاءِ صِنَاعَةَ كُلِّ مَنْ عُلِمْت صِنَاعَتُهُ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ بَزَّازًا وَكَذَلِكَ عُثْمَانُ وَطَلْحَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَكَانَ عُمَرُ دَلَّالًا يَسْعَى بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَكَانَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ حَدَّادًا وَكَذَلِكَ أَبُو الْعَاصِ أَخُو أَبِي جَهْلٍ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُدْعَانَ نَخَّاسًا يَبِيعُ الْجَوَارِيَ، وَكَانَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ عَوَّادًا يَضْرِبُ بِالْعُودِ، وَكَانَ الْحَكَمُ بْنُ الْعَاصِ خَصَّاءً يَخْصِي الْغَنَمَ، وَكَانَ الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ بَيْطَارًا يُعَالِجُ الْخَيْلَ، وَكَانَ ابْنُهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ جَزَّارًا، وَكَذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ صَاحِبُ الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ اهـ مِنْ الدَّمِيرِيِّ مَعَ زِيَادَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ مَا يَضُرُّ الْبَدَنَ أَوْ الْعَقْلَ) وَمِنْهُ يُعْلَمُ حُرْمَةُ الدُّخَانِ الْمَشْهُورِ لِمَا نُقِلَ عَنْ الثِّقَاتِ أَنَّهُ يُورِثُ الْعَمَى وَالتَّرَهُّلَ وَالتَّنَافِيسَ وَاتِّسَاعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute