للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُسَنُّ أَنْ يَذْبَحَ الْأُضْحِيَّةَ الرَّجُلُ بِنَفْسِهِ إنْ أَحْسَنَ. الذَّبْحَ لِلِاتِّبَاعِ. أَمَّا الْمَرْأَةُ فَالسُّنَّةُ لَهَا أَنْ تُوَكِّلَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. وَالْخُنْثَى مِثْلُهَا وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِهِ فَلْيَشْهَدْهَا لِمَا رَوَى الْحَاكِمُ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: قَوْمِي إلَى أُضْحِيَّتِك فَاشْهَدِيهَا فَإِنَّهُ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْهَا أَيْ مِنْ دَمِهَا: يُغْفَرُ لَك مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِك قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ هَذَا لَك وَلِأَهْلِ بَيْتِك فَأَهْلُ ذَلِكَ أَنْتُمْ أَمْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً؟ قَالَ بَلْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً»

وَشَرْطُ التَّضْحِيَةِ نَعَمٌ إبِلٌ وَبَقَرٌ وَغَنَمٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: ٣٤] وَلِأَنَّ التَّضْحِيَةَ عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْحَيَوَانِ فَاخْتُصَّتْ بِالنَّعَمِ كَالزَّكَاةِ.

(وَيُجْزِئُ فِيهَا) مِنْ النَّعَمِ (الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ) وَهُوَ مَا اسْتَكْمَلَ سَنَةً وَطَعَنَ فِي الثَّانِيَةِ وَلَوْ أَجَذَعَ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ. أَيْ سَقَطَتْ أَسْنَانُهُ أَجْزَأَ لِعُمُومِ خَبَرِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

التَّضْحِيَةِ سم.

قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ أَنْ يَذْبَحَ الْأُضْحِيَّةَ الرَّجُلُ بِنَفْسِهِ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاةِ الْأَضْحَى وَخُطْبَتِهُ يُؤْتَى لَهُ بِكَبْشَيْنِ وَهُوَ قَائِمٌ فِي مُصَلَّاهُ فَيَذْبَحُ أَحَدُهُمَا بِيَدِهِ وَيَقُولُ: «هَذَا عَنْ أُمَّتِي جَمِيعًا مَنْ شَهِدَ لَك بِالتَّوْحِيدِ وَشَهِدَ لِي بِالْبَلَاغِ» . وَعَنْ الْحَاكِمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَبَحَ كَبْشًا أَقْرَنَ بِالْمُصَلَّى بَعْدَ أَنْ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَقَالَ: اللَّهُمَّ هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي» وَاسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَيَذْبَحُ الْآخَرُ وَيَقُولُ: هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ فَيَأْكُلُ هُوَ وَأَهْلُهُ مِنْهُمَا وَيُطْعِمُ الْمَسَاكِينَ وَلَمْ يَتْرُكْ الْأُضْحِيَّةَ قَطُّ. اهـ. ح ل.

قَوْلُهُ: (أَنْ يَذْبَحَ الْأُضْحِيَّةَ) وَمِثْلُهَا الْهَدْيُ بِرْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (بِنَفْسِهِ) أَيْ وَلَوْ مُرَاهِقًا وَسَفِيهًا لِأَنَّهُ قُرْبَةً فَالْإِتْيَانُ بِهَا أَوْلَى.

«وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى بِمِائَةِ بَدَنَةٍ نَحَرَ مِنْهَا بِيَدِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ. وَأَمَرَ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَنَحَرَ تَمَامَ الْمِائَةِ» وَفِي ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى مُدَّةِ حَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ق ل عَلَى الْجَلَالِ.

قَوْلُهُ: (إنَّ أَحْسَنَ الذَّبْحِ) أَيْ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ فَخَرَجَ الْأَعْمَى فَالسُّنَّةُ فِي حَقِّهِ التَّوْكِيلُ اهـ.

ع ش.

قَوْلُهُ: (وَالْخُنْثَى مِثْلُهَا) مِثْلُهُمَا مَنْ ضَعُفَ مِنْ الرِّجَالِ عَنْ الذَّبْحِ وَالْأَعْمَى إذْ تُكْرَهُ ذَبِيحَتُهُ س ل.

قَوْلُهُ: (فَلْيَشْهَدْهَا) الْمُرَادُ بِشُهُودِهِ حُضُورِهِ، وَلَوْ أَعْمَى ق ل. وَالْأَوْلَى فِي الْوَكِيلِ كَوْنُهُ فَقِيهًا مُسْلِمًا وَيُكْرَهُ اسْتِنَابَةُ كَافِرٍ وَصَبِيٍّ وَأَعْمَى لَا حَائِضٍ وَيُسَنُّ لِغَيْرِ الْإِمَامِ أَنْ يُضَحِّيَ فِي بَيْتِهِ لِيَشْهَدَ أَهْلُهُ، وَأَنْ يَسْتَحْضِرَ فِي نَفْسِهِ عِظَمَ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ وَمَا سَخَّرَ لَهُ مِنْ الْأَنْعَامِ. وَأَنْ يَقُولَ: إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي إلَى قَوْلِهِ: وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَيُجَدِّدَ الشُّكْرَ عَلَى ذَلِكَ؛ وَلِلْإِمَامِ إذَا ضَحَّى عَنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَذْبَحَ بِنَفْسِهِ فِي الْمُصَلَّى عَقِبَ الصَّلَاةِ وَيُخَلِّيهَا لِلنَّاسِ بِرْمَاوِيٌّ. وَهَذَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ التَّضْحِيَةَ عَنْ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ مِنْ خَوَاصِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

قَوْلُهُ: (قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ) أَيْ لِلنَّبِيِّ وَقَوْلُهُ: هَذَا لَك أَيْ الثَّوَابُ الْمَذْكُورُ لِفَاطِمَةَ مِنْ أَنَّهُ يَغْفِرُ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْهَا مَا سَلَفَ مِنْ الذُّنُوبِ لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (فَأَهْلٌ) فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ أَيْ لِأَنَّكُمْ أَهْلٌ لِذَلِكَ وَأَهْلٌ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وَأَنْتُمْ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ: فَأَهْلُ ذَلِكَ أَنْتُمْ أَيْ فَالْمَخْصُوصُ بِالْغُفْرَانِ أَنْتُمْ يَا آلَ الْبَيْتِ مَنْ ضَحَّى مِنْ غَيْرِكُمْ لَا يُغْفَرُ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ فِي الْجَوَابِ بَلْ لِلْمُسْلِمِينَ أَيْ كُلُّ مَنْ ضَحَّى مِنْهُمْ فَلَهُ هَذَا الثَّوَابُ.

قَوْلُهُ: (أَمْ لِلْمُسْلِمِينَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: لَك وَلِأَهْلِ بَيْتِك.

قَوْلُهُ: (وَشَرْطُ التَّضْحِيَةِ نَعَمٌ) أَيْ كَوْنُهَا نَعَمًا إلَخْ.

وَعِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ يَكْفِي إرَاقَةُ الدَّمِ وَلَوْ مِنْ دَجَاجٍ أَوْ إوَزٍّ مَيْدَانِيٌّ أَيْ فَلَا يُجْزِئُ غَيْرُهَا مِنْ بَقَرِ الْوَحْشِ وَحَمِيرِهِ وَالظِّبَاءِ وَغَيْرِهَا. وَأَمَّا الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ جِنْسَيْنِ مِنْ النَّعَمِ فَيُجْزِئُ هُنَا. وَفِي الْعَقِيقَةِ وَالْهَدْيِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي اعْتِبَارُ أَعْلَى الْأَبَوَيْنِ سِنًّا فِي الْأُضْحِيَّةِ وَنَحْوِهَا، حَتَّى يُعْتَبَرَ فِي الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ بُلُوغُهُ سَنَتَيْنِ إلْحَاقًا لَهُ بِأَعْلَى السِّنِينَ بِرْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَبَقَرٍ) أَيْ عِرَابٍ أَوْ جَوَامِيسَ بِرْمَاوِيٌّ. وَسَوَاءٌ فِي الْبَقَرِ وَغَيْرِهَا الْإِنَاثُ أَوْ الْخَنَاثَى أَوْ الذُّكُورُ وَلَوْ خَصِيًّا وَالْخَصِيُّ مَا قُطِعَ خُصْيَتَاهُ أَيْ الْبَيْضَتَانِ وَيَجْبُرُ مَا قُطِعَ مِنْهُ زِيَادَةُ لَحْمِهِ طِيبًا وَكَثْرَةً كَمَا قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ.

قَوْلُهُ: (مَنْسَكًا) أَيْ عِبَارَةٌ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ التَّضْحِيَةَ إلَخْ) أَيْ فَكَمَا أَنَّ الزَّكَاةَ قَاصِرَةٌ عَلَى النَّعَمِ. كَذَلِكَ التَّضْحِيَةُ قَاصِرَةٌ عَلَيْهَا بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ.

قَوْلُهُ: (أَيْ سَقَطَتْ أَسْنَانُهُ) هَلْ وَلَوْ وَاحِدَةً وَقِيَاسُ الِاكْتِفَاءِ بِقَطْرَةٍ فِي الْبُلُوغِ بِالِاحْتِلَامِ الِاكْتِفَاءُ بِسُقُوطِ السِّنِّ الْوَاحِدَةِ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>