عَرَجُهَا يَسِيرًا بِحَيْثُ لَا تَتَخَلَّفُ بِهِ عَنْ الْمَاشِيَةِ لَمْ يَضُرَّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ. (وَ) الثَّالِثَةُ (الْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا) بِأَنْ يَظْهَرَ بِسَبَبِهِ هُزَالُهَا وَفَسَادُ لَحْمِهَا فَلَوْ كَانَ مَرَضُهَا يَسِيرًا لَمْ يَضُرَّ وَيَدْخُلُ فِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْهَيْمَاءَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالْمَدِّ فَلَا تُجْزِئُ لِأَنَّ الْهُيَامَ كَالْمَرَضِ يَأْخُذُ الْمَاشِيَةَ فَتَهِيمُ فِي الْأَرْضِ وَلَا تَرْعَى كَمَا قَالَهُ فِي الزَّوَائِدِ. (وَ) الرَّابِعَةُ (الْعَجْفَاءُ) بِالْمَدِّ وَهِيَ الَّتِي ذَهَبَ لَحْمُهَا السَّمِينُ بِسَبَبِ مَا حَصَلَ لَهَا مِنْ الْهُزَالِ بِضَمِّ الْهَاءِ وَهُوَ كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ ضِدَّ السِّمَنِ وَيَدُلُّ لِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ: مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَرْبَعٌ لَا تُجْزِئُ فِي الْأَضَاحِيِّ الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي» مَأْخُوذَةٌ مِنْ النِّقْيِ بِكَسْرِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَهُوَ الْمُخُّ أَيْ لَا مُخَّ لَهَا مِنْ شِدَّةِ الْهُزَالِ. وَعُلِمَ مِنْ هَذَا عَدَمُ إجْزَاءِ الْمَجْنُونَةِ وَهِيَ الَّتِي تَدُورُ فِي الْمَرْعَى وَلَا تَرْعَى إلَّا قَلِيلًا فَتَهْزَلُ وَتُسَمَّى أَيْضًا التَّوْلَى، بَلْ هُوَ أَوْلَى بِهَا. تَنْبِيهٌ:
قَدْ عَرَفْت مَا تَنَاوَلَهُ كَلَامُ الْمُصَنَّفِ مِنْ أَنَّ الْعَمْيَاءَ وَالْهَيْمَاءَ وَالْمَجْنُونَةَ لَا تُجْزِئُ وَبِهِ صَارَتْ الْعُيُوبُ الْمَذْكُورَةُ سَبْعَةً وَبَقِيَ مِنْهَا مَا لَا يَتَنَاوَلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْجَرْبَاءُ، وَإِنْ كَانَ الْجَرَبُ يَسِيرًا عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ. لِأَنَّهُ يُفْسِدُ اللَّحْمَ وَالْوَدَكَ، وَالْحَامِلُ فَلَا تُجْزِئُ. كَمَا حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ فِي الْمُهِمَّاتِ وَتَعَجَّبَ مِنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ حَيْثُ صَحَّحَ فِي الْكِفَايَةِ الْإِجْزَاءَ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
مُرَتَّبَةٍ بِثُمَّ مَثَلًا لَا يُعْطَفُ بِهَا حَذَرًا مِنْ ذَلِكَ الْإِيهَامِ لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ كَثِيرًا مَا يَقَعُونَ فِي ذَلِكَ لِمَزِيدِ الْإِيضَاحِ، أَيْ لِأَنَّ الْمَقَامَ يَقْتَضِي بَيَانَ الْمُفَضَّلِ وَالْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ وَحَيْثُ ذَكَرَ الْبَلْقَاءَ عُلِمَ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ السَّوْدَاءِ، فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِ السَّوْدَاءِ حِينَئِذٍ مُتَّصِفَةً إذْ لَا مُفَضَّلَ عَلَيْهِ بَعْدُ فَلْيُتَأَمَّلْ شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَأَرْبَعٌ لَا تُجْزِئُ) مَحَلُّ عَدَمِ إجْزَائِهَا مَا لَمْ يَلْتَزِمْهَا مُتَّصِفَةً بِالْعُيُوبِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنْ الْتَزَمَهَا كَذَلِكَ كَقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَذِهِ وَكَانَتْ عَرْجَاءَ مَثَلًا أَوْ جَعَلْت هَذِهِ أُضْحِيَّةً وَكَانَتْ مَرِيضَةً مَثَلًا أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِعَرْجَاءَ أَوْ بِحَامِلٍ فَتُجْزِئُ التَّضْحِيَةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَلَوْ كَانَتْ مَعِيبَةً وَالْعِبْرَةُ بِالسَّلَامَةِ. وَعَدَمِهَا عِنْدَ الذَّبْحِ مَا لَمْ يَتَقَدَّمْهُ إيجَابٌ فَإِنْ تَقَدَّمَ فَإِنْ أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ مَعِيبَةً فَذَاكَ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ السَّلَامَةِ فَإِذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أُضْحِيَّةٌ ثَبَتَتْ فِي ذِمَّتِهِ سَلِيمَةً ثُمَّ إنْ عَيَّنَ سَلِيمًا عَنْ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ، وَاسْتَمَرَّ إلَى الذَّبْحِ فَذَاكَ وَإِنْ عَيَّنَ سَلِيمًا ثُمَّ تَعَيَّبَ قَبْلَ الذَّبْحِ أَبْدَلَهُ بِسَلِيمٍ.
قَوْلُهُ: (وَيَدْخُلُ فِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ) أَيْ فِي الْمَرِيضَةِ.
قَوْلُهُ: (الْهَيْمَاءُ) هِيَ الَّتِي لَا تَسْتَقِرُّ فِي مَكَان وَمِنْهُ الْهَائِمُ وَهُوَ الَّذِي لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ فَهُوَ تَابِعٌ لِشَهْوَةِ بَطْنِهِ.
قَوْلُهُ: (بِكَسْرِ النُّونِ إلَخْ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ النِّقْيُ بِالْكَسْرِ شَحْمُ الْعَيْنِ مِنْ السِّمَنِ.
قَوْلُهُ: (فَتُهْزَلُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَفْعَالِ الْمُلَازِمَةِ لِلْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، فَهُوَ عَلَى وَزْنِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْفَاعِلَ أَيْ يَقُومُ بِهَا الْهُزَالُ وَعِبَارَةُ الرَّشِيدِيِّ، فَتَهْزِلُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الزَّايِ مِنْ بَابِ فَعَلَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ يَفْعِلُ بِكَسْرِهَا مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ كَمَا فِي مُقَدِّمَةِ الْأَدَبِ لِلزَّمَخْشَرِيِّ. وَهَذَا خِلَافُ مَا اُشْتُهِرَ أَنَّ هُزِلَ لَمْ يُسْمَعْ إلَّا مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ فَتَنَبَّهْ اهـ.
قَوْلُهُ: (بَلْ هُوَ) أَيْ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ وَقَوْلُهُ: بِهَا أَيْ بِالْمَجْنُونَةِ. وَقَالَ م د. بَلْ هُوَ أَيْ اسْمُ التَّوْلَى أَوْلَى بِهَا مِنْ الْمَجْنُونَةِ لِأَنَّ الْجُنُونَ عَدَمُ الْعَقْلِ الْخَاصِّ بِالْعُقَلَاءِ.
قَوْلُهُ: (مَا تَنَاوَلَهُ) أَيْ بِاللَّازِمِ أَوْ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ.
قَوْلُهُ: (سَبْعَةً) وَسَيَأْتِي أَيْضًا مِنْهَا الْجَرَبُ وَالْحَمْلُ وَقَطْعُ الْأُذُنِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا، وَقَطْعُ الذَّنَبِ كَذَلِكَ فَصَارَتْ الْعُيُوبُ أَحَدَ عَشَرَ.
قَوْلُهُ: (وَبَقِيَ مِنْهَا مَا لَا يَتَنَاوَلُهُ) فَصَارَتْ الْعُيُوبُ تِسْعَةً، وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ:
عَوْرَا وَعَرْجَا ثُمَّ تَوْلَى عَجْفَا ... مَرِيضَةٌ وَحَامِلٌ لَا تَخْفَى
عَمْيَا وَهَيْمَا ثُمَّ جَرْبَاءُ فَذَا ... عِنْدَ التَّضَحِّي تِسْعَةٌ لَهَا انْبِذَا
قَوْلُهُ: (الْجَرْبَاءُ) بَدَلٌ مِنْ مَا وَقَوْلُهُ: وَالْوَدَكُ أَيْ الدُّهْنُ.
قَوْلُهُ: (وَالْحَامِلُ فَلَا تُجْزِئُ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّ الْحَمْلَ يُنْقِصُ لَحْمَهَا وَإِنَّمَا عَدُّوهَا كَامِلَةً فِي الزَّكَاةِ، لِأَنَّ الْقَصْدَ فِيهَا النَّسْلُ دُونَ طِيبِ اللَّحْمِ وَأَلْحَقَ الزَّرْكَشِيّ بِالْحَامِلِ قَرِيبَةَ الْعَهْدِ بِالْوِلَادَةِ لِنَقْصِ لَحْمِهَا وَالْمُرْضِعَ وَرَدَّهُ حَجّ. وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْحَمْلَ يُفْسِدُ الْجَوْفَ وَيُصَيِّرُ اللَّحْمَ رَدِيئًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَبِالْوِلَادَةِ