للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُضْحِيَّةِ التَّطَوُّعِ كَمَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا. كَأَنْ يَجْعَلَهُ دَلْوًا أَوْ نَعْلًا أَوْ خُفًّا وَالتَّصَدُّقُ بِهِ أَفْضَلُ. وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا إجَارَتُهُ لِأَنَّهَا بَيْعُ الْمَنَافِعِ لِخَبَرِ الْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ: «مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ فَلَا أُضْحِيَّةَ لَهُ» وَلَا يَجُوزُ إعْطَاؤُهُ أُجْرَةً لِلْجَزَّارِ، وَتَجُوزُ إعَارَتَهُ، كَمَا لَهُ إعَارَتُهَا. أَمَّا الْوَاجِبَةُ فَيَجِبُ التَّصَدُّقُ بِجِلْدِهَا. كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَالْقَرْنُ مِثْلُ الْجِلْدِ فِيمَا ذُكِرَ وَلَهُ جَزُّ صُوفٍ عَلَيْهَا إنْ تُرِكَ إلَى الذَّبْحِ ضَرَّ بِهَا لِلضَّرُورَةِ وَإِلَّا فَلَا يَجُزُّهُ إنْ كَانَتْ وَاجِبَةً لِانْتِفَاعِ الْحَيَوَانِ بِهِ فِي دَفْعِ الْأَذَى وَانْتِفَاعِ الْمَسَاكِينِ بِهِ عِنْدَ الذَّبْحِ. وَكَالصُّوفِ فِيمَا ذُكِرَ الشَّعْرُ وَالْوَبَرُ وَوَلَدُ الْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ يُذْبَحُ حَتْمًا كَأُمِّهِ وَيَجُوزُ لَهُ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ أَكْلُهُ قِيَاسًا عَلَى اللَّبَنِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْ أُمِّهِ وَلَهُ شُرْبُ فَاضِلِ لَبَنِهَا عَنْ وَلَدِهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ

(وَيُطْعِمُ الْفُقَرَاءَ وَالْمَسَاكِينَ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ، عَلَى سَبِيلِ التَّصَدُّقِ مِنْ أُضْحِيَّةِ التَّطَوُّعِ بَعْضِهَا وُجُوبًا وَلَوْ جُزْءًا يَسِيرًا مِنْ لَحْمِهَا بِحَيْثُ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَيَكْفِي الصَّرْفُ لِوَاحِدٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاكِينِ. وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ تَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ بِخِلَافِ سَهْمِ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنْ الزَّكَاةِ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ لِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِأَنَّهُ يَجُوزُ هُنَا الِاقْتِصَارُ عَلَى جُزْءٍ يَسِيرٍ لَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ لِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ وَيُشْتَرَطُ فِي اللَّحْمِ أَنْ يَكُونَ نِيئًا لِيَتَصَرَّفَ فِيهِ مَنْ يَأْخُذُهُ بِمَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ. كَمَا فِي الْكَفَّارَاتِ فَلَا يَكْفِي جَعْلُهُ طَعَامًا وَدُعَاءُ الْفُقَرَاءِ إلَيْهِ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي تَمَلُّكِهِ وَلَا تَمْلِيكُهُمْ لَهُ مَطْبُوخًا وَلَا تَمْلِيكُهُمْ غَيْرَ اللَّحْمِ مِنْ جِلْدٍ وَكَرِشٍ وَطِحَالٍ وَنَحْوِهَا وَلَا الْهَدِيَّةُ عَنْ التَّصَدُّقِ وَلَا الْقَدْرُ التَّافِهُ مِنْ اللَّحْمِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا كَوْنُهُ قَدِيدًا كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ. وَلَوْ تَصَدَّقَ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ وَأَكَلَ وَلَدَهَا كُلَّهُ جَازَ. وَلَوْ أَعْطَى الْمُكَاتَبَ جَازَ كَالْحُرِّ قِيَاسًا عَلَى الزَّكَاةِ وَخَصَّهُ ابْنُ الْعِمَادِ بِغَيْرِ سَيِّدِهِ وَإِلَّا فَهُوَ كَمَا لَوْ صَرَفَهُ إلَيْهِ مِنْ زَكَاتِهِ انْتَهَى وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْمُسْلِمِينَ غَيْرُهُمْ فَلَا يَجُوزُ إطْعَامُهُمْ مِنْهَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَوَقَعَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَقَوْلُهُ لِقَوْلِهِ عِلَّةٌ لِلنَّفْيِ.

قَوْلُهُ: (كَمَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا) أَيْ قَبْلَ الذَّبْحِ قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ) هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ: وَلَوْ جِلْدَهَا، وَيُمْكِنُ أَنَّهُ أَعَادَهُ لِأَجْلِ قَوْلِهِ لِخَبَرِ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (وَوَلَدُ الْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ وُجُوبُهَا بِنَذْرٍ بِأَنْ قَالَ لِلَّهِ: عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَذِهِ، أَوْ كَانَ وُجُوبُهَا بِالْجَعْلِ كَجَعَلْت هَذِهِ أُضْحِيَّةً فَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ لَوْ كَانَتْ حَامِلًا أَوْ طَرَأَ لَهَا الْحَمْلُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّ، فَإِنْ جَاءَ وَقْتُ الذَّبْحِ وَهِيَ حَامِلٌ ذُبِحَتْ وَإِنْ وَلَدَتْ قَبْلَ الذَّبْحِ ذُبِحَتْ وَذُبِحَ وَلَدُهَا وَيَجُوزُ أَكْلُ وَلَدِهَا.

وَكَذَا إذَا عَيَّنَ مَا فِي ذِمَّتِهِ فَحَمَلَتْ بَعْدَ التَّعْيِينِ وَوُلِدَ قَبْلَ الذَّبْحِ فَإِنَّهُ يُذْبَحُ أَيْضًا وَيَجُوزُ أَكْلُهُ. وَأَمَّا لَوْ عَيَّنَ حَامِلًا عَمَّا فِي الذِّمَّةِ لَا يَصِحُّ أَوْ عَيَّنَ حَائِلًا فَحَمَلَتْ وَاسْتَمَرَّ الْحَمْلُ إلَى وَقْتِ الذَّبْحِ فَلَا يَصِحُّ ذَبْحُهَا، فَكَلَامُ الشَّارِحِ يُنَزَّلُ عَلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنَّ أُضَحِّيَ بِحَامِلٍ فَعَيَّنَ حَامِلًا وَاسْتَمَرَّ الْحَمْلُ إلَى الذَّبْحِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ وَإِنْ وَلَدَتْ قَبْلَ الذَّبْحِ فَلَا يُجْزِئُ ذَبْحُهَا لِأَنَّهَا لَمْ تُوجَدْ فِيهَا صِفَةُ النَّذْرِ، وَمَحَلُّ جَوَازِ أَكْلِ وَلَدِ الْأُضْحِيَّةِ إذَا بَقِيَتْ أُمُّهُ أَمَّا إذَا مَاتَتْ فَلَا يَجُوزُ أَكْلُهُ.

قَوْلُهُ: (عَلَى سَبِيلِ التَّصَدُّقِ) أَيْ لَا عَلَى سَبِيلِ الْهَدِيَّةِ فَلَا يَكْفِي. وَالْفَرْقُ أَنَّ مَا كَانَ لِأَجْلِ الْهَدِيَّةِ يَكُونُ الْقَصْدُ مِنْهُ الْإِكْرَامُ بِخِلَافِ مَا كَانَ الْقَصْدُ بِهِ الصَّدَقَةُ فَإِنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ الثَّوَابُ.

قَوْلُهُ: (بَعْضَهَا) مَفْعُولٌ لِيُطْعِم.

قَوْلُهُ: (تَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ عَبَّرَ بِالْجَمْعِ وَيُجَابُ بِأَنَّ أَلْ لِلْجِنْسِ.

قَوْلُهُ: (وَأَكَلَ وَلَدَهَا كُلَّهُ) وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ اشْتَرَى شَاةً مَثَلًا بِنِيَّةِ الضَّحِيَّةِ، بِقَلْبِهِ أَوْ عَيَّنَهَا مِنْ مَالِهِ لِلضَّحِيَّةِ بِقَلْبِهِ أَيْضًا ثُمَّ إنَّهَا حَمَلَتْ، وَوَلَدَتْ قَبْلَ الذَّبْحِ فَلَا يُجْزِئُ ذَبْحُهَا، بَلْ يُبْدِلُهَا بِسَلِيمَةٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِثْلَ الْأُولَى قَالَ م د: دَفَعَ بِهِ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ الْمُتَطَوَّعَ بِهَا إذَا عَرَضَ لَهَا الْحَمْلُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ ضَحِيَّةٌ ثَانِيَةٌ فَيَجِبُ التَّصَدُّقُ بِجُزْءٍ مِنْهُ، أَيْ فَهَذَا التَّوَهُّمُ بَاطِلٌ.

قَوْلُهُ: (وَخَصَّهُ) أَيْ الْمُعْطِي وَقَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ إطْعَامُهُمْ وَإِنَّمَا جَمَعَ الضَّمِيرَ مَعَ رُجُوعِهِ لِلْغَيْرِ، لِأَنَّهُ اكْتَسَبَ الْجَمْعِيَّةَ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ فِي كِتَابِهِ: وَهُوَ الْإِمَامُ يُوسُفُ أَبُو يَعْقُوبَ الْبُوَيْطِيُّ نِسْبَةً إلَى بُوَيْطَ قَرْيَةٍ مِنْ صَعِيدِ مِصْرَ اهـ أج.

<<  <  ج: ص:  >  >>