جَازَ بِالْمَاءِ مَعَ أَنَّهُ مَطْعُومٌ؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ النَّجَسَ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ. وَأَمَّا الثِّمَارُ وَالْفَوَاكِهُ فَفِيهَا تَفْصِيلٌ ذَكَرْته فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ. وَمِنْ الْمُحْتَرَمِ مَا كُتِبَ عَلَيْهِ اسْمٌ مُعَظَّمٌ أَوْ عِلْمٌ كَحَدِيثٍ أَوْ فِقْهٍ.
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْعِلْمِ بِالْمُحْتَرَمِ سَوَاءٌ أَكَانَ شَرْعِيًّا كَمَا مَرَّ أَمْ لَا. كَحِسَابٍ وَنَحْوٍ وَطِبٍّ وَعَرُوضٍ فَإِنَّهَا تَنْفَعُ فِي الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، أَمَّا غَيْرُ الْمُحْتَرَمِ كَفَلْسَفَةٍ وَمَنْطِقٍ مُشْتَمِلٌ عَلَيْهَا فَلَا، كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. أَمَّا غَيْرُ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهَا فَلَا يَجُوزُ. وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ مَنْ جَوَّزَهُ، وَجَوَّزَهُ الْقَاضِي بِوَرَقِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا عُلِمَ تَبْدِيلُهُ مِنْهُمَا. وَخَلَا عَنْ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ نَحْوِهِ، وَأُلْحِقَ بِمَا بِهِ عِلْمٌ مُحْتَرَمٌ جِلْدُهُ الْمُتَّصِلُ بِهِ دُونَ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ، بِخِلَافِ جِلْد الْمُصْحَفِ، فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ مُطْلَقًا.
وَشَرْطُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ؛ لَأَنْ يُجْزِئَ أَنْ لَا يَجِفَّ النَّجَسُ الْخَارِجُ، فَإِنْ جَفَّ تَعَيَّنَ الْمَاءُ نَعَمْ لَوْ بَالَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
فِيهِ) أَيْ وَعَدَمِهِ، فَالثُّبُوتُ يَنْبَنِي عَلَيْهِ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ، وَعَدَمُهُ يَنْبَنِي عَلَيْهِ الْإِجْزَاءُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يَدْفَعُ النَّجَسَ) أَيْ لَا يَتَنَجَّسُ أَيْ فِي الْجُمْلَةِ يَعْنِي بِالنَّظَرِ لِلْمَاءِ " الْكَثِيرِ أَوْ الْقَلِيلِ الْوَارِدِ.
قَوْلُهُ: (وَالْفَوَاكِهُ) عَطْفٌ خَاصٌّ. قَوْلُهُ: (فَفِيهَا تَفْصِيلٌ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ نَقْلًا عَنْ الْمَجْمُوعِ: وَأَمَّا الثِّمَارُ وَالْفَوَاكِهُ فَمِنْهَا مَا يُؤْكَلُ رَطْبًا لَا يَابِسًا كَالْيَقْطِينِ، فَيَجُوزُ بِهِ يَابِسًا إذَا كَانَ مُزِيلًا لَا رَطْبًا. وَمِنْهَا مَا يُؤْكَلُ رَطْبًا وَيَابِسًا. وَهُوَ أَقْسَامٌ: أَحَدُهَا: مَأْكُولُ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ كَالتِّينِ وَالتُّفَّاحِ وَالسَّفَرْجَلِ، فَلَا يَجُوزُ بِرَطْبِهِ وَلَا يَابِسِهِ. وَالثَّانِي: مَأْكُولٌ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ كَالْخَوْخِ وَالْمِشْمِشِ وَكُلِّ ذِي نَوًى فَلَا يَجُوزُ بِظَاهِرِهِ وَيَجُوزُ بِنَوَاهُ الْمُنْفَصِلِ. وَالثَّالِثُ: مَا لَهُ قِشْرٌ وَمَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ، فَلَا يَجُوزُ بِلُبِّهِ، وَأَمَّا قِشْرُهُ فَإِنْ كَانَ لَا يُؤْكَلُ رَطْبًا وَلَا يَابِسًا كَالرُّمَّانِ جَازَ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ، سَوَاءٌ كَانَ حَبُّهُ فِيهِ أَوْ لَا. فَإِنْ أُكِلَ رَطْبًا وَيَابِسًا كَالْبِطِّيخِ لَمْ يَجُزْ فِي الْحَالَيْنِ، فَإِنْ أُكِلَ رَطْبًا فَقَطْ كَالْجَوْزِ وَالْبَاقِلَّا جَازَ يَابِسًا لَا رَطْبًا.
قَوْلُهُ: (وَمِنْ الْمُحْتَرَمِ إلَخْ) وَجُزْءُ آدَمِيٍّ وَلَوْ مُهْدَرًا كَحَرْبِيٍّ وَلَوْ مُنْفَصِلًا، وَجُزْءُ حَيَوَانٍ وَلَوْ مِنْ نَحْوِ صُوفٍ وَشَعْرٍ مُتَّصِلًا، وَمِنْهُ شَعْرُ الْقُنْفُذِ فَيَجُوزُ بِهِ مُنْفَصِلًا مِنْ مُذَكَّى أَوْ حَيٍّ، وَإِلَّا فَلَا. هَكَذَا رَأَيْتُ التَّفْصِيلَ بِخَطِّ الْمَيْدَانِيِّ م د. وَفِي حَاشِيَةِ الَأُجْهُورِيُّ: التَّرَدُّدُ فِي شَعْرِ الْقُنْفُذِ هَلْ يُلْحَقُ بِالشَّعْرِ أَوْ الْعَظْمِ؟ . وَعِبَارَةُ الرَّحْمَانِيِّ وَلَا يُجْزِئُ الِاسْتِنْجَاءُ بِحَيَوَانٍ أَوْ جُزْئِهِ الْمُتَّصِلِ أَوْ الْمُنْفَصِلِ، نَعَمْ يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْحَرْبِيِّ لِقُدْرَتِهِ عَلَى عِصْمَةِ نَفْسِهِ وَتَرْكِهَا، وَلَا بِمَا كُتِبَ عَلَيْهِ اسْمٌ مُعَظَّمٌ أَوْ مَنْسُوخٌ لَمْ يُعْلَمْ تَبْدِيلُهُ، وَيَحْرُمُ عَلَى غَيْرِ عَالِمٍ مُسْتَبْحِرٍ مُطَالَعَةُ التَّوْرَاةِ إنْ عَلِمَ تَبْدِيلَهَا أَوْ شَكَّ فِيهِ، وَمِنْ الْمُحْتَرَمِ أَيْضًا كُتُبُ عِلْمٍ مُحْتَرَمٍ كَمَنْطِقٍ وَطِبٍّ خَلَيَا مِنْ مَحْذُورٍ كَالْمَوْجُودِينَ الْيَوْمَ؛ لِأَنَّ تَعَلُّمَهُمَا فَرْضُ كِفَايَةٍ لِعُمُومِ نَفْعِهِمَا وَلَيْسَ لِلْمَحْرُوقِ احْتِرَامٌ لِذَاتِهِ خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ اهـ. ابْنُ حَجَرٍ.
قَوْلُهُ: (اسْمٌ مُعَظَّمٌ) كَاسْمِ نَبِيٍّ كُتِبَ بِقَصْدِ اسْمِهِ، أَوْ أُطْلِقَ بِخِلَافِ مَا لَوْ كُتِبَ بِقَصْدِ غَيْرِهِ، وَلَا يَلْحَقُ بِعَوَامِّ الْمَلَائِكَةِ عَوَامُّ الْبَشَرِ، وَإِنْ كَانُوا أَفْضَلَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ عَوَامَّ الْمَلَائِكَةِ مَعْصُومُونَ، وَقَدْ يُوجَدُ فِي الْمَفْضُولِ مَا لَا يُوجَدُ فِي الْفَاضِلِ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهَا تَنْفَعُ فِي الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ) أَمَّا مَنْفَعَةُ الطِّبِّ فِيهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِلطَّبِيبِ فِي الْأَمْرَاضِ إذَا أَخْبَرَ الْمَرِيضَ بِأَنَّ الْمَاءَ يَضُرُّهُ تَيَمَّمَ، وَأَمَّا مَنْفَعَةُ الْعَرُوضِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ بِهِ أَنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ بِشِعْرٍ؛ لِأَنَّ الشِّعْرَ كَلَامٌ مَوْزُونٌ مُقَفًّى عَنْ قَصْدٍ، وَمَا وُجِدَ مِنْ الْآيَاتِ مَوْزُونًا فَلَيْسَ مَقْصُودًا بِهِ الشِّعْرُ.
قَوْلُهُ: (مُشْتَمِلٌ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْفَلْسَفَةِ. قَوْلُهُ: (فَلَا) أَيْ فَلَا يَحْرُمُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ) أَيْ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْ هَذَا التَّفْصِيلِ.
قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ انْفَصَلَ أَوْ لَا. وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ انْقَطَعَتْ نِسْبَتُهُ عَنْهُ أَمْ لَا، وَهُوَ كَذَلِكَ. وَيُفَارِقُ الْمَسَّ حَيْثُ جُوِّزَ إنْ انْقَطَعَتْ نِسْبَتُهُ لَهُ بِغِلَظِ الِاسْتِنْجَاءِ دُونَ الْمَسِّ. اهـ. وَعَلَى قِيَاسِهِ كِسْوَةُ الْكَعْبَةِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْمُصْحَفَ أَشَدُّ حُرْمَةً اهـ ح ل.
قَوْلُهُ: (وَشَرْطُ الِاسْتِنْجَاءِ إلَخْ) حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الشُّرُوطِ خَمْسَةٌ وَتَرَكَ سَادِسًا، وَهُوَ أَنْ لَا يَنْقَطِعُ الْخَارِجُ، وَحُكْمُهُ