للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ لَهُ فَسَبَقَهَا فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنْ حَقًّا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ لَا يَرْفَعَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا إلَّا وَضَعَهُ» وَيُكْرَهُ لِمَنْ عَلِمَ الرَّمْيَ تَرْكُهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً فَإِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ غَيْرَ الْجِهَادِ كَانَ مُبَاحًا لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ مُحَرَّمًا كَقَطْعِ الطَّرِيقِ كَانَ حَرَامًا، أَمَّا النِّسَاءُ فَصَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ بِمَنْعِ ذَلِكَ لَهُنَّ وَأَقَرَّهُ الشَّيْخَانِ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَمُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِعِوَضٍ لَا مُطْلَقًا فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: «أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - سَابَقَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»

(وَتَصِحُّ الْمُسَابَقَةُ) بِعِوَضٍ وَغَيْرِهِ (عَلَى الدَّوَابِّ) الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَالْفِيَلَةِ فَقَطْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا سَبْقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ» فَلَا تَجُوزُ عَلَى الْكِلَابِ وَمُهَارَشَةِ الدِّيَكَةِ وَمُنَاطَحَةِ الْكِبَاشِ، لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ بِغَيْرِهِ لِأَنَّ فِعْلَ ذَلِكَ سَفَهٌ وَمِنْ فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ الَّذِينَ أَهْلَكَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَلَا عَلَى طَيْرٍ وَصِرَاعٍ بَعُوضٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ آلَاتِ الْقِتَالِ.

فَإِنْ قِيلَ: قَدْ «صَارَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُكَانَةَ عَلَى شِيَاهٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. أُجِيبَ: بِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ مُصَارَعَتِهِ لَهُ أَنْ يُرِيَهُ شِدَّتَهُ لِيُسَلِّمَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمَّا صَارَعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْلَمَ رَدَّ عَلَيْهِ غَنَمَهُ. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ جَازَ. وَكَذَا كُلُّ مَا لَا يَنْفَعُ فِي الْحَرْبِ: كَالشِّبَاكِ وَالْمُسَابَقَةِ عَلَى الْبَقَرِ فَيَجُوزُ بِلَا عِوَضٍ وَأَمَّا الْغَطْسُ فِي الْمَاءِ فَإِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالِاسْتِعَانَةِ بِهِ فِي الْحَرْبِ فَكَالسِّبَاحَةِ فَيَجُوزُ بِلَا عِوَضٍ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ مُطْلَقًا.

(وَ) تَجُوزُ (الْمُنَاضَلَةُ) بِالنُّونِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

اسْمٌ لِنَاقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ حَيْثُ قَالَ: إنَّ الْقَصْوَاءَ هِيَ الْعَضْبَاءُ وَهِيَ الْجَدْعَاءُ وَقِيلَ: الْقَصْوَاءُ وَاحِدَةٌ وَالْعَضْبَاءُ وَالْجَدْعَاءُ وَاحِدَةٌ اهـ. ح ل.

قَوْلُهُ: (فَسَبَقَهَا) أَيْ وَكَانَ الْمُسَابِقُ غَيْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَوْلُهُ: (إنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ إلَخْ) أَيْ مِنْ عَادَتِهِ مَعَ خَلْقِهِ سُبْحَانَهُ أَنْ لَا يَرْفَعَ شَيْئًا أَيْ يُظْهِرَ لَهُ عِزَّةً وَشَأْنًا إلَّا وَضَعَهُ أج.

قَوْلُهُ: (غَيْرَ الْجِهَادِ) أَيْ مِنْ الْمُبَاحَاتِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَإِنْ قَصَدَ بِهِ مُحَرَّمًا إلَخْ. قَوْلُهُ: (أَمَّا النِّسَاءُ) أَيْ وَلَوْ مَعَ الرِّجَالِ وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ.

قَوْلُهُ: (سَابَقَتْ النَّبِيَّ) أَيْ عَلَى الْأَقْدَامِ وَعِبَارَةُ ح ل فِي السِّيرَةِ: «وَتَسَابَقَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ عَائِشَةَ فَتَحَزَّمَتْ بِثِيَابِهَا وَفَعَلَ كَذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ اسْتَبَقَا فَسَبَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ لَهَا: هَذِهِ بِتِلْكَ السِّبْقَةِ الَّتِي كُنْتِ سَبَقْتِينِي بِهَا» وَقَوْلُهُ بِتِلْكَ السِّبْقَةِ أَيْ بَدَلَهَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ إلَى بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فَوَجَدَ مَعَ عَائِشَةَ شَيْئًا فَطَلَبَهُ مِنْهَا، فَأَبَتْ وَسَعَتْ

فَسَعَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلْفَهَا فَسَبَقَتْهُ.

قَوْلُهُ: (لَا سَبْقَ) أَيْ لَا مَالَ وَالسَّبَقُ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْعِوَضُ وَيُرْوَى بِالسُّكُونِ مَصْدَرًا.

قَوْلُهُ: (إلَّا فِي خُفٍّ) أَيْ ذِي خُفٍّ دَخَلَ الْإِبِلُ وَالْفِيَلَةُ، وَدَخَلَ فِي الْحَافِرِ الْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ وَفِي رِوَايَةٍ أَوْ نَصْلٍ وَهِيَ السِّهَامُ وَانْظُرْ وَجْهَ دَلَالَتِهِ عَلَى السُّنِّيَّةِ سم.

قَوْلُهُ: (فَلَا تَجُوزُ) أَيْ الْمُسَابَقَةُ الشَّامِلَةُ لِلْمُغَالَبَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَمُهَارَشَةُ الدِّيَكَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا بِغَيْرِهِ) رَاجِعٌ لِغَيْرِ الْكِلَابِ أَمَّا هِيَ فَتَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ عَلَيْهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شَيْخُنَا ق ل.

قَوْلُهُ: (وَمِنْ فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ) وَمِنْ فِعْلِهِمْ أَيْضًا الضُّرَاطُ فِي الْمَجَالِسِ قَالَ السُّيُوطِيّ أَوَّلُ مَنْ أَتَى الرِّجَالَ قَوْمُ لُوطٍ، أَمَّا فِي الْإِسْلَامِ فَحِينَ كَثُرَ الْغَزْوُ، وَطَالَتْ الْغَيْبَةُ وَسُبِيَتْ الذُّرِّيَّةُ، اسْتَخْدَمُوهُمْ وَطَالَتْ الْخَلْوَةُ بِهِمْ وَأَجْرُوهُمْ مَجْرَى النِّسَاءِ وَطَلَبُوا مِنْهُمْ فَأَطَاعُوهُمْ لِشِدَّةِ الِانْقِيَادِ وَأَوَّلُ ذَلِكَ كَانَ بِخُرَاسَانَ وَلَا وُجُودَ لَهُ فِي جَاهِلِيَّةِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ ابْنِ لُقَيْمَةَ عَلَى الْبَيْضَاوِيِّ بِسُورَةِ الْأَعْرَافِ.

قَوْلُهُ: (الَّذِينَ أَهْلَكَهُمْ اللَّهُ) : بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا} [هود: ٨٢] إلَخْ. وَالْإِمْطَارُ كَانَ عَلَى الْخَارِجِينَ مِنْ قُرَاهُمْ لِيَكُونَ لَهُ فَائِدَةٌ وَالْحِجَارَةُ أَصْلُهَا طِينٌ عُجِنَ وَطُبِخَ بِالنَّارِ مَعَ الْكِبْرِيتِ ثُمَّ جُعِلَ حِجَارَةً صَغِيرَةً يَنْزِلُ الْوَاحِدُ مِنْهَا عَلَى رَأْسِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ وَيَسْرِي فِي بَدَنِهِ حَتَّى يَقْتُلَهُ. قَوْلُهُ: (وَصِرَاعٍ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَقَدْ يُضَمُّ شَرْحُ م ر وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمُخَابَطَةِ عِنْدَ الْعَوَامّ. وَالْأَكْثَرُ عَلَى حُرْمَتِهِ بِمَالٍ.

قَوْلُهُ: (بِعِوَضٍ) أَيْ لِأَجْلِ أَخْذِهِ فَيَصْدُقُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عِوَضٌ أَصْلًا أَوْ كَانَ وَلَيْسَ الْقَصْدُ أَخْذَهُ كَمَا وَقَعَ لِلنَّبِيِّ مَعَ رُكَانَةَ. قَوْلُهُ: (بِدَلِيلِ إلَخْ) فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ شَيْءٌ لِجَوَازِ أَنَّهُ رَدَّهَا إحْسَانًا وَتَأْلِيفًا وَفِي الْخَصَائِصِ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ: أَنَّهُ رَدَّهَا إلَيْهِ قَبْلَ إسْلَامِهِ عَنَانِيٌّ.

قَوْلُهُ: (كَالشِّبَاكِ) أَيْ تَشْبِيكِ الْأَصَابِعِ بَعْضِهَا مَعَ بَعْضٍ.

قَوْلُهُ: (فَكَالسِّبَاحَةِ) أَيْ الْعَوْمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>