للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرُّويَانِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَ غَيْرُهُمَا الْتِزَامُ قُرْبَةٍ لَمْ تَتَعَيَّنْ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَقِبَ الْأَيْمَانِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقْدٌ يَعْقِدُهُ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ تَأْكِيدًا لِمَا الْتَزَمَهُ. وَالْأَصْلُ فِيهِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: ٢٩] وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الْبُخَارِيِّ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» وَفِي كَوْنِهِ قُرْبَةً أَوْ مَكْرُوهًا خِلَافٌ وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّهُ قُرْبَةٌ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ دُونَ غَيْرِهِ وَهَذَا أَوْلَى مَا قِيلَ فِيهِ. وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ: صِيغَةٌ وَمَنْذُورٌ، وَنَاذِرٌ.

(وَ) وَشُرِطَ فِي النَّاذِرِ إسْلَامٌ وَاخْتِيَارٌ وَنُفُوذٌ يُصْرَفُ فِيمَا يَنْذُرُهُ فَلَا يَصِحُّ (النَّذْر) مِنْ كَافِرٍ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْقُرْبَةِ وَلَا مِنْ مُكْرَهٍ

ــ

[حاشية البجيرمي]

أَيْ فَيَكُونُ لِلنَّذْرِ مَعْنَيَانِ شَرْعِيَّانِ. وَالثَّانِي أَوْلَى لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَشْمَلُ مَا كَانَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الطَّاعَةَ امْتِثَالُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ. وَالْقُرْبَةُ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ بِشَرْطِ مَعْرِفَةِ الْمُتَقَرَّبِ إلَيْهِ وَالْعِبَادَةُ مَا تَعَبَّدَ بِهِ بِشَرْطِ النِّيَّةِ وَمَعْرِفَةُ الْمَعْبُودِ فَالطَّاعَةُ تُوجَدُ بِدُونِهِمَا فِي النَّظَرِ الْمُؤَدِّي إلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى، إذْ مَعْرِفَتُهُ إنَّمَا تَحْصُلُ بِتَمَامِ النَّظَرِ، وَالْقُرْبَةُ تُوجَدُ بِدُونِ الْعِبَادَةِ فِي الْقُرَبِ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ كَالْعِتْقِ، وَالْوَقْفِ.

قَوْلُهُ: (تَأْكِيدًا) أَيْ تَحْقِيقًا وَقَوْلُهُ: لِمَا الْتَزَمَهُ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الِالْتِزَامَ سَابِقٌ عَلَى الْيَمِينِ وَالنَّذْرِ. وَلَكِنْ يَتَأَكَّدُ بِهِمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَا حَصَلَ الِالْتِزَامُ إلَّا بِهِمَا فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّ بَعْضَ أَفْرَادِ النَّذْرِ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ يُقَالُ إنَّ الْمَعْنَى تَأْكِيدٌ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَلْتَزِمَهُ وَعِبَارَةُ ع ش قَوْلُهُ: تَأْكِيدًا لِمَا الْتَزَمَهُ لَعَلَّ الْأَوْلَى تَأْكِيدًا لِمَا وَعَدَ بِهِ إذْ الِالْتِزَامُ لَمْ يَأْتِ إلَّا مِنْ النَّذْرِ إذْ الْوُجُوبُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ جِهَتِهِ.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ) وَتَسْمِيَةُ هَذَا نَذْرًا عَلَى سَبِيلِ الْمُشَاكَلَةِ وَهِيَ ذِكْرُ الشَّيْءِ بِلَفْظِ غَيْرِهِ لِوُقُوعِهِ فِي صُحْبَتِهِ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: ١١٦] وَقِيلَ: إنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الْمُشَاكَلَةِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: ٥٤] وَالْمُرَادُ بِالنَّفْسِ الذَّاتُ أَوْ عَلَى قَوْلِ: مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْأَسْمَاءَ الشَّرْعِيَّةَ تَعُمُّ الصَّحِيحَةَ وَالْفَاسِدَةَ.

قَوْلُهُ: (وَفِي كَوْنِهِ قُرْبَةً أَوْ مَكْرُوهًا خِلَافٌ) فَقَالَ الرَّافِعِيُّ: قُرْبَةٌ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ النَّوَوِيِّ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَالنَّهْيُ عَنْهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ عَدَمَ الْقِيَامِ بِمَا الْتَزَمَهُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَقِيلَ مَكْرُوهٌ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَحَكَاهُ السِّنْجِيُّ عَنْ النَّصِّ هَذَا وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ: هُوَ الْمُعْتَمَدُ م ر وَعِبَارَةُ س ل وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ مَكْرُوهٌ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ خَبَرُ إنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ وَفِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ مَنْدُوبٌ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَنُفُوذُ تَصَرُّفٍ إلَخْ) وَزِيدَ إمْكَانُ الْفِعْلِ فَلَا يَصِحُّ نَذْرُهُ صَوْمًا لَا يُطِيقُهُ وَلَا نَذْرٌ بَعِيدٌ عَنْ مَكَّةَ حَجَّ هَذِهِ السَّنَةَ س ل وَكَانَ الْوَقْتُ لَا يَسَعُ السَّيْرَ إلَى مَكَّةَ. قَوْلُهُ: (يَنْذُرُهُ) بِضَمِّ الذَّالِ وَكَسْرِهَا مَعَ فَتْحِ الْيَاءِ فِيهِمَا فَبَابُهُ ضَرَبَ وَنَصَرَ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ.

قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ النَّذْرُ مِنْ كَافِرٍ) لَا يَخْفَى أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ النَّذْرُ يَلْزَمُ فِي الْمُجَازَاةِ فَهِيَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ جُمْلَةٌ وَفَاعِلُ يَلْزَمُ ضَمِيرٌ عَائِدٌ عَلَى النَّذْرِ وَالشَّارِحُ جَعَلَ لَفْظَ النَّذْرِ فَاعِلًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ مَنْفِيٍّ وَجَعَلَ جُمْلَةَ يَلْزَمُ مُسْتَأْنَفَةً وَجَعَلَ فَاعِلَ الْفِعْلِ مَحْذُوفًا وَجَعَلَ الظَّرْفَ مُتَعَلِّقًا بِهِ وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّشْتِيتِ وَمُخَالَفَةِ الْوَضْعِ الْعَرَبِيِّ فَرَاجِعْهُ ق ل. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَلَا يَصِحُّ إلَخْ أَيْ نَذْرَ التَّبَرُّرِ دُونَ نَذْرِ اللَّجَاجِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُ وَكَانَ قِيَاسُهُ صِحَّةَ نَذْرِ التَّبَرُّرِ مِنْهُ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِيهِ مُنَاجَاةٌ أَشْبَهَ الْعِبَادَةَ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُبْطِلْ الصَّلَاةَ بِخِلَافِ نَذْرِ اللَّجَاجِ خِلَافًا لِلشَّارِحِ حَيْثُ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي عَدَمِ الْإِبْطَالِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّذْرِ وَالْوَقْفِ حَيْثُ صَحَّ مِنْ الْكَافِرِ مَعَ أَنَّهُ قُرْبَةٌ أَنَّ الْوَقْفَ وَإِنْ كَانَ قُرْبَةً لَيْسَتْ مُتَمَحِّضَةً لِأَنَّ فِيهِ نَقْلَ الْحَقِّ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ النَّذْرِ فَإِنَّهُ قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ اهـ. أج وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ وَإِنَّمَا صَحَّ وَقْفُهُ وَعِتْقُهُ وَوَصِيَّتُهُ وَصَدَقَتُهُ. مِنْ حَيْثُ إنَّهَا عُقُودٌ مَالِيَّةٌ لَا قُرْبَةُ أَيْ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا قُرْبَةً وَإِنْ كَانَتْ حَاصِلَةً فَلَا يُنْظَرُ لَهَا.

قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْقُرْبَةِ) يَرِدُ عَلَيْهِ صِحَّةُ عِتْقِهِ وَصَدَقَتِهِ قَالَ ح ل: لَمَّا كَانَ نَذْرُ التَّبَرُّرِ فِيهِ مُنَاجَاةٌ أَشْبَهَ الْعِبَادَةَ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُبْطِلْ الصَّلَاةَ بِخِلَافِ نَذْرِ اللَّجَاجِ خِلَافًا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي عَدَمِ الْإِبْطَالِ فَلَا يُنَافِي صِحَّةَ نَحْوِ عِتْقِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>