للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهُ مِنْ جَوَانِبِهِ فَلَا تَنْجُسُ بِالشَّكِّ؛ وَلِأَنَّ هَذَا الْمَحَلَّ خُفِّفَ فِيهِ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْحَجَرِ فَخُفِّفَ فِيهِ هُنَا فَاكْتُفِيَ فِيهِ بِغَلَبَةِ ظَنِّ زَوَالِ النَّجَاسَةِ.

(فَإِذَا أَرَادَ) الْمُسْتَنْجِي (الِاقْتِصَارَ عَلَى أَحَدِهِمَا) أَيْ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ (فَالْمَاءُ أَفْضَلُ) مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْحَجَرِ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْعَيْنَ وَالْأَثَرَ، بِخِلَافِ الْحَجَرِ وَلَا اسْتِنْجَاءَ مِنْ غَيْرِ مَا ذُكِرَ، فَقَدْ نَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْ النَّوْمِ وَالرِّيحِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَلَمْ يُفَرِّقْ الْأَصْحَابُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا، وَلَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ إذَا كَانَ الْمَحَلُّ رَطْبًا لَمْ يَبْعُدْ كَمَا قِيلَ بِهِ فِي دُخَانِ النَّجَاسَةِ، وَهَذَا مَرْدُودٌ فَقَدْ قَالَ الْجُرْجَانِيِّ: إنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ. وَصَرَّحَ الشَّيْخُ نَصْرُ الْمَقْدِسِيُّ بِتَأْثِيمِ فَاعِلِهِ، وَالظَّاهِرُ كَلَامُ الْجُرْجَانِيِّ وَقَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: يَقُولُ بَعْدَ فَرَاغِ الِاسْتِنْجَاءِ: اللَّهُمَّ طَهِّرْ قَلْبِي مِنْ النِّفَاقِ وَحَصِّنْ فَرْجِي مِنْ الْفَوَاحِشِ.

(وَيَجْتَنِبُ) قَاضِي الْحَاجَةِ (اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارَهَا) نَدْبًا إذَا كَانَ فِي غَيْرِ الْمُعَدِّ لِذَلِكَ مَعَ سَاتِرٍ مُرْتَفِعٍ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَهِيَ قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ هَذَا الْمَحَلَّ إلَى إلَخْ. فَتُسْتَصْحَبُ غَلَبَةُ ظَنِّ زَوَالِ النَّجَاسَةِ، وَكَلَامُ ابْنِ حَجَرٍ هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِطَهَارَةِ الْمَحَلِّ بَعْدَ تَيَقُّنِ أَنَّ رَائِحَةَ النَّجَاسَةِ فِي الْمَحَلِّ الْمُلَاقِي لِلدُّبُرِ بَعِيدٌ.

قَوْلُهُ: (خُفِّفَ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْمَحَلِّ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ تَوَقَّفَ إزَالَةُ الرَّائِحَةِ عَلَى أُشْنَانٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَجِبْ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (الْمُسْتَنْجِي) فِيهِ حُذِفَ الْفَاعِلُ فِي غَيْرِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي جُوِّزَ حَذْفُهُ فِيهَا. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ الْفَاعِلِ الْمُسْتَتِرِ فِي الْفِعْلِ بَدَلُ كُلٍّ مِنْ كُلٍّ.

قَوْلُهُ: (وَلَا اسْتِنْجَاءَ مِنْ غَيْرِ مَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ غَيْرِ الْخَارِجِ الْمُلَوَّثِ مَرْحُومِيٌّ.

قَوْلُهُ: (كَمَا قِيلَ بِهِ) أَيْ بِنَظِيرِهِ. أَيْ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا إذَا أَصَابَ دُخَانُ النَّجَاسَةِ مَحَلًّا رَطْبًا فَإِنَّهُ يَتَنَجَّسُ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ؛ لِأَنَّ دُخَانَ النَّجَاسَةِ نَجِسٌ وَالرِّيحُ طَاهِرٌ، وَعِبَارَةُ ابْنُ حَجَرٍ: وَيُكْرَهُ مِنْ الرِّيحِ إلَّا إنْ خَرَجَ وَالْمَحَلُّ رَطْبٌ. اهـ. أَيْ فَلَا يُكْرَهُ، وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْ خُرُوجِ الدُّودِ وَالْبَعْرِ الْخَالِيَيْنِ عَنْ الرُّطُوبَةِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ؛ لِأَنَّهُمَا مَظِنَّةٌ لِخُرُوجِ الرُّطُوبَةِ اهـ. إطْفِيحِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَالظَّاهِرُ كَلَامُ الْجُرْجَانِيِّ) أَيْ الْكَرَاهَةُ مُطْلَقًا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.

قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ طَهِّرْ قَلْبِي مِنْ النِّفَاقِ) يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ نِفَاقُ الِاعْتِقَادِ أَيْ الِاعْتِقَادِ الْفَاسِدِ كَاعْتِقَادِ الْمُعْتَزِلَةِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ أَدِمْ تَطْهِيرَهُ مِنْهُ، أَوْ نِفَاقُ الْعَمَلِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ قَطِّعْ أُصُولَهُ مِنْ الْقُوَّةِ الشَّهَوِيَّةِ وَالْغَضَبِيَّةِ. اهـ. شَرْحُ الْعُبَابِ.

قَوْلُهُ: (وَيَجْتَنِبُ إلَخْ) لَوْ قُدِّمَ هَذَا عَلَى الِاسْتِنْجَاءِ لَوَافَقَ الْوَضْعُ الطَّبْعَ، وَلَعَلَّهُ خَالَفَ ذَلِكَ اهْتِمَامًا بِالْوَاجِبِ ق ل. أَيْ؛ لِأَنَّ غَالِبَ هَذَا مَنْدُوبٌ، وَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ مَنْعُ مُوَلِّيهِ مِمَّا يَحْرُمُ وَيُنْدَبُ مَنْعُهُ مِمَّا يُكْرَهُ ق ل. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا حُرْمَةُ شِرَاءِ آلَةِ اللَّهْوِ لِلْوَلَدِ الصَّغِيرَةِ، فَقَوْلُهُ: وَيَجْتَنِبُ أَيْ الْمُكَلَّفُ وَوَلِيُّ غَيْرِهِ، وَكَلَامُ الْمَتْنِ مُحْتَمِلٌ لِكُلٍّ مِنْ وُجُوبِ الِاجْتِنَابِ وَنَدْبِهِ؛ لِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ فِي غَيْرِ الْمُعَدِّ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَفِي الصَّحْرَاءِ. وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِسَاتِرٍ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَالِاجْتِنَابُ مَنْدُوبٌ، وَإِنْ كَانَ بِدُونِهِ فَالِاجْتِنَابُ وَاجِبٌ. وَكَلَامُ الشَّارِحِ لَا يَأْبَى هَذَا وَلَيْسَ قَوْلُهُ نَدْبًا تَخْصِيصًا لِلنَّدْبِ بِإِحْدَى الصُّورَتَيْنِ، بَلْ هُوَ بَيَانٌ وَتَفْصِيلٌ لِلْمُرَادِ مِنْهُ فَبَيَّنَهُ بِقَوْلِ نَدْبًا، وَبِقَوْلِهِ يَحْرُمَانِ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (قَاضِي الْحَاجَةِ) قَالَ بَعْضُهُمْ: أَيْ مُرِيدُ قَضَائِهَا. اهـ. وَالْأَوْلَى حَمْلُ الْقَاضِي عَلَى الْقَاضِي بِالْفِعْلِ، وَعَلَى مُرِيدِ قَضَائِهَا؛ لِأَنَّ بَعْضَ السُّنَنِ الْآتِيَةِ خَاصٌّ بِالْقَاضِي بِالْفِعْلِ. قَوْلُهُ: (اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ) أَيْ عَيْنَ الْكَعْبَةِ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا، قَالَ فِي الْخَادِمِ، مِنْ الْمُهِمِّ بَيَانُ الْمُرَادِ بِالْقِبْلَةِ هُنَا هَلْ هُوَ الْعَيْنُ أَوْ الْجِهَةُ فَيُحْتَمَلُ الْعَيْنُ؛ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ حَيْثُ أُطْلِقَ فِي غَيْرِ هَذَا الْبَابِ، وَيُحْتَمَلُ الْجِهَةُ لِقَوْلِهِ: «وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» اهـ. وَلَعَلَّ الْمُتَّجَهَ الثَّانِي ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَنَا م ر قَالَهُ ثُمَّ اعْتَمَدَ الْأَوَّلَ ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (لِذَلِكَ) أَيْ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ.

قَوْلُهُ: (مَعَ سَاتِرٍ) قَالَ شَيْخُنَا م ر: عَرِيضٌ بِحَيْثُ يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَخَالَفَهُ حَجّ، وَكَلَامُ الشَّارِحِ يُوَافِقُهُ وَلَوْ كَفَاهُ دُونَ ثُلُثِ ذِرَاعٍ كَفَى، أَوْ احْتَاجَ إلَى زِيَادَةٍ وَجَبَتْ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَيُشْتَرَطُ فِي عَرْضِ السَّاتِرِ أَنْ يَعُمَّ جَمِيعَ مَا تَوَجَّهَ بِهِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْقَائِمُ وَالْجَالِسُ. اهـ.

قَوْلُهُ: (مُرْتَفِعٌ) أَيْ فِي حَقِّ الْجَالِسِ، وَعَلَّلَهُ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتُرُ مِنْ سُرَّتِهِ إلَى مَوْضِعِ قَدَمَيْهِ، وَأَخَذَ مِنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>