تَقْرِيبًا فَأَكْثَرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ فَأَقَلُّ بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ، وَإِرْخَاءُ ذَيْلِهِ كَافٍ فِي ذَلِكَ فَهُمَا حِينَئِذٍ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَيَحْرُمَانِ فِي الْبِنَاءِ غَيْرِ الْمُعَدِّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَ (فِي الصَّحْرَاءِ) بِدُونِ السَّاتِرِ الْمُتَقَدِّمِ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» . وَفِيهِمَا: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى حَاجَتَهُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ» . وَقَالَ جَابِرٌ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِبَوْلٍ فَرَأَيْته قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، فَحَمَلُوا الْخَبَرَ الْأَوَّلَ الْمُفِيدَ لِلْحُرْمَةِ عَلَى الْقَضَاءِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ لِسُهُولَةِ اجْتِنَابِ الْمُحَاذَاةِ فِيهِ، بِخِلَافِ الْبِنَاءِ غَيْرِ الْمَذْكُورِ مَعَ الصَّحْرَاءِ، فَيَجُوزُ فِيهِ ذَلِكَ كَمَا فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانًا لِلْجَوَازِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى لَنَا تَرْكَهُ كَمَا مَرَّ. وَأَمَّا الْمُعَدُّ لِذَلِكَ فَلَا حُرْمَةَ فِيهِ وَلَا كَرَاهَةَ وَلَا خِلَافَ الْأَوْلَى
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَالِدُ شَيْخِنَا أَنَّهُ لَوْ قَضَى حَاجَتَهُ قَائِمًا لَا بُدَّ أَنْ يَسْتُرَ مِنْ سُرَّتِهِ إلَى مَوْضِعِ قَدَمَيْهِ صِيَانَةً لِلْقِبْلَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَوْرَةُ تَنْتَهِي لِلرُّكْبَةِ اهـ. ح ل.
قَوْلُهُ: (بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ) رَاجِعٌ لِجَمِيعِ مَا قَبْلَهُ.
قَوْلُهُ: (فَهُمَا) أَيْ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ حِينَئِذٍ أَيْ حِينَ إذْ كَانَ الْبِنَاءُ غَيْرَ مُعَدٍّ مَعَ السَّاتِرِ خِلَافَ الْأَوْلَى وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
قَوْلُهُ: (وَفِي الصَّحْرَاءِ) وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ ذَلِكَ فَقِيلَ؛ لِأَنَّ الصَّحْرَاءَ لَا تَخْلُو عَنْ مُصَلٍّ مِنْ مَلَكٍ أَوْ جِنِّيٍّ أَوْ إنْسِيٍّ، فَرُبَّمَا وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى فَرْجِهِ فَيَتَأَذَّى، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّ جِهَةَ الْقِبْلَةِ مُعَظَّمَةٌ فَوَجَبَ صِيَانَتُهَا فِي الصَّحْرَاءِ وَرَخَّصَ فِي الْبُنْيَانِ لِلْمَشَقَّةِ. قَوْله: (وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ الْجَوَازِ وَالتَّحْرِيمِ. قَوْلُهُ: (فَلَا تَسْتَقْبِلُوا) الْمُرَادُ بِالِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ أَوْ يَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ بِعَيْنِ الْخَارِجِ لَا بِالصَّدْرِ حَتَّى لَوْ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ وَبَالَ أَوْ اسْتَقْبَلَهَا وَثَنَى ذَكَرَهُ لِغَيْرِ جِهَتِهَا وَبَالَ، فَلَا حُرْمَةَ اهـ. ق ل خِلَافًا لِلزِّيَادِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا) لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِاسْتِدْبَارِهَا كَشْفُ دُبُرِهِ إلَى جِهَتِهَا حَالَ خُرُوجِ الْخَارِجِ مِنْهُ بِأَنْ يَجْعَلَ ظَهْرَهُ إلَيْهَا كَاشِفًا لِدُبُرِهِ حَالَ خُرُوجِ الْخَارِجِ، وَأَنَّهُ إذَا اسْتَقْبَلَ أَوْ اسْتَدْبَرَ مِنْ جِهَتِهَا لَا يَجِبُ الِاسْتِتَارُ أَيْضًا عَنْ الْجِهَةِ الْمُقَابِلَةِ لِجِهَتِهَا، وَإِنْ كَانَ الْفَرْجُ مَكْشُوفًا إلَى تِلْكَ الْجِهَةِ حَالَ الْخُرُوجِ؛ لِأَنَّ كَشْفَ الْفَرْجِ إلَى تِلْكَ الْجِهَةِ لَيْسَ مِنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَلَا مِنْ اسْتِدْبَارِهَا خِلَافًا لَمَّا يَتَوَهَّمُهُ كَثِيرٌ مِنْ الطَّلَبَةِ اهـ. شَوْبَرِيٌّ قَوْلُهُ: (بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ) عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ أَيْ لَا تَسْتَقْبِلُوهَا بِبَوْلٍ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا بِغَائِطٍ؛ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ جَعْلُ الشَّيْءِ قُبَالَةَ الْوَجْهِ، وَالِاسْتِدْبَارُ جَعْلُ الشَّيْءِ جِهَةَ دُبُرِهِ.
قَوْلُهُ: «وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» فَإِنْ قُلْت: إنْ شَرَّقْنَا اسْتَقْبَلْنَا، وَإِنْ غَرَّبْنَا اسْتَدْبَرْنَا. قُلْت: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ دَانَاهُمْ، فَإِنَّهُمْ إذَا شَرَّقُوا لَمْ يَسْتَقْبِلُوا، وَإِذَا غَرَّبُوا لَمْ يَسْتَدْبِرُوا اهـ. زِيَادِيٌّ.
قَوْلُهُ: (قَضَى حَاجَتَهُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ) أَيْ فِي غَيْرِ الْمُعَدِّ مَعَ السَّاتِرِ كَمَا قَالَهُ الْمَرْحُومِيُّ.
قَوْلُهُ: (مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ) هَذَا هُوَ مَحَلُّ الدَّلِيلِ.
قَوْلُهُ: (فَرَأَيْته قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ إلَخْ) فَإِنْ قُلْت: هَذَا الْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي النَّسْخِ فَيَقْتَضِي الْجَوَازَ مُطْلَقًا. قُلْت: هَذَا مَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ رَآهُ فِي بِنَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ أَيْ رَآهُ فِي الْمُعَدِّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ رَآهُ فِي غَيْرِ الْمُعَدِّ مَعَ السَّاتِرِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْهُودُ مِنْ حَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُبَالَغَتِهِ فِي السِّتْرِ. قَالَ فِي الْإِيعَابِ: وَدَعْوَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْخَصَائِصَ لَا تَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ. قَوْلُهُ: (فَحَمَلُوا الْخَبَرَ الْأَوَّلَ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ: إذَا أَتَيْتُمْ إلَخْ. أَيْ وَحَمَلُوا الْخَبَرَ الثَّانِي وَهُوَ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشَّامِلُ لِاسْتِقْبَالِهِ الَّذِي رَوَاهُ جَابِرٌ، وَاسْتِدْبَارُهُ الَّذِي فَعَلَهُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ عَلَى غَيْرِ الْمُعَدِّ مَعَ السَّاتِرِ وَهُوَ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْأَوْلَى، لَكِنَّ فِعْلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ كَمَا فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانًا لِلْجَوَازِ. اهـ.
قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْبِنَاءِ غَيْرِ الْمَذْكُورِ) وَهُوَ الْبِنَاءُ غَيْرُ الْمُعَدِّ مَعَ السَّاتِرِ.
قَوْلُهُ: (غَيْرُ الْمَذْكُورِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَيَحْرُمَانِ فِي الْبِنَاءِ غَيْرِ الْمُعَدِّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ. وَفِي الصَّحْرَاءِ بِدُونِ السَّاتِرِ، وَغَيْرَ الْمَذْكُورِ تَحْتَهُ صُورَتَانِ: أَنْ يَكُونَ مُعَدًّا مُطْلَقًا، وَأَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُعَدٍّ مَعَ السَّاتِرِ، لَكِنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ بَعْدُ: أَمَّا الْمُعَدُّ إلَخْ. يَقْتَضِي أَنَّهُ خَاصٌّ بِصُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الثَّانِيَةُ، وَمِنْ ثَمَّ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا الْمُحَشِّي.
قَوْلُهُ: (مَعَ الصَّحْرَاءِ) أَيْ وَمَعَ السَّاتِرِ م د.
قَوْلُهُ: (أَمَّا الْمُعَدُّ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: إذَا كَانَ فِي غَيْرِ الْمُعَدِّ فَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ