للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْحُرْمَةِ مَا لَوْ كَانَتْ الرِّيحُ تَهُبُّ عَنْ يَمِينِ الْقِبْلَةِ وَشِمَالِهَا، فَإِنَّهُمَا لَا يُحَرَّمَانِ لِلضَّرُورَةِ، وَإِذَا تَعَارَضَ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ تَعَيَّنَ الِاسْتِدْبَارُ وَلَا يَحْرُمُ وَلَا يُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَلَا اسْتِدْبَارُهَا حَالَ الِاسْتِنْجَاءِ أَوْ الْجِمَاعِ أَوْ إخْرَاجِ الرِّيحِ، إذْ النَّهْيُ عَنْ اسْتِقْبَالِهَا وَاسْتِدْبَارِهَا مُقَيَّدٌ بِحَالَةِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِي الثَّلَاثَةِ.

(وَيُجْتَنَبُ) نَدْبًا (الْبَوْلُ) وَالْغَائِطُ (فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ) لِلنَّهْيِ عَنْ الْبَوْلِ فِيهِ حَدِيثُ مُسْلِمٍ وَمِثْلُهُ الْغَائِطُ بَلْ أَوْلَى،

ــ

[حاشية البجيرمي]

مُشَوَّشٌ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْخَلَاءَ تَارَةً يُعَبِّرُ عَنْهُ الْفُقَهَاءُ بِالْمُعَدِّ، وَتَارَةً يُعَبِّرُونَ عَنْهُ بِمَأْوَى الْجِنِّ، فَالْإِعْدَادُ يَحْصُلُ بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ بِالتَّهْيِئَةِ لِلْمَحَلِّ كَبُيُوتِ الْأَخْلِيَةِ، وَإِنْ لَمْ تُقْضِ فِيهَا الْحَاجَةُ بِالْفِعْلِ، وَبِقَضَاءِ الْحَاجَةِ بِالْفِعْلِ مَعَ الْعَزْمِ عَلَى الْعَوْدِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ تَهْيِئَةٌ لِلْمَحَلِّ. قَوْلُهُ: (وَلَا خِلَافَ الْأَوْلَى) أَيْ وَلَا هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى فَهُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَيَصِحُّ نَصْبُهُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ لِيَكُونَ مَحْذُوفَةً، وَأَمَّا كَوْنُهُ مَعْمُولًا لِلَا فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مَعْرِفَةٌ بِالْإِضَافَةِ، وَهِيَ إنَّمَا تُعْمَلُ فِي النَّكِرَاتِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ فِي الْخُلَاصَةِ:

عَمَلٌ إنْ اجْعَلْ لِلَا فِي نَكِرَهْ

قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُمَا لَا يَحْرُمَانِ لِلضَّرُورَةِ) أَيْ حَيْثُ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ تَنَجُّسُهُ بِالْخَارِجِ، وَإِلَّا رَاعَى الْقِبْلَةَ. اهـ. طَبَلَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا تَعَارَضَ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا ق ل: لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعَارُضَ لَا يُتَصَوَّرُ، وَإِنْ ذَكَرَهُ جَمْعٌ مِنْ الْفُضَلَاءِ وَالْعُلَمَاءِ. اهـ. وَأَقُولُ: يُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِأَنْ يَكُونَ بِمَحَلِّ لَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ غَيْرِهِمَا كَأَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ مُسْتَطِيلًا لِجِهَةِ الْقِبْلَةِ كَاللَّحْدِ، فَلَا يَدْخُلُهُ الشَّخْصُ إلَّا مُنْحَرِفًا بِجَنْبِهِ. فَإِمَّا أَنْ يَسْتَقْبِلَ، وَإِمَّا أَنْ يَسْتَدْبِرَ، وَكَانَ الْجِدَارُ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ ذِرَاعٍ، وَلَا يُمْكِنُهُ الِانْحِرَافُ إلَى غَيْرِهِمَا وَيُقَرِّبُ ذَلِكَ أَوْ يُعَيِّنُهُ مَا قَالَهُ سم أَنَّهُ لَوْ قَضَى الْحَاجَتَيْنِ لَمْ يَجِبْ السِّتْرُ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ فَقَطْ. اهـ اج. وَإِيضَاحُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ: وَإِذَا تَعَارَضَ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ أَيْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ غَيْرُهُمَا، وَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُمَكَّنًا وَصَوَّرُوهُ بِحُفْرَةٍ ضَيِّقَةٍ يَتَعَذَّرُ فِيهَا غَيْرُ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ، وَيُمْكِنُ فِيهَا كُلٌّ مِنْهُمَا، وَذَلِكَ كَاللَّحْدِ الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ الْمَيِّتُ، فَإِنَّهُمْ يَجْعَلُونَهُ بِقَدْرِ وَضْعِ جَنْبِ الْمَيِّتِ فِيهِ، فَيَتَأَتَّى فِيهِ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ وَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ غَيْرُهُمَا أَيْ: وَكَانَ جِدَارُهُ غَيْرَ عَرِيضٍ بِحَيْثُ لَا يَحْصُلُ السَّتْرُ الْمَطْلُوبُ، هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: وَإِذَا تَعَارَضَ إلَخْ. وَلَيْسَ مَعْنَى تَعَارُضِهِمَا أَنَّهُ لَمْ يُمْكِنُ إلَّا وَاحِدٌ مِنْهُمَا. اهـ.

فَرْعٌ: أَشْكَلَ عَلَى بَعْضِ ضَعَفَةِ الطَّلَبَةِ قَوْلُهُمْ: لَوْ هَبَّتْ الرِّيحُ عَنْ يَمِينِ الْقِبْلَةِ وَشِمَالِهَا جَازَ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ، فَلَوْ تَعَارَضَ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ قُدِّمَ الِاسْتِدْبَارُ، فَتَوَهَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ جَازَ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُمَا مَعَ إمْكَانِهِمَا، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِتَعَارُضِهِمَا أَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا أَحَدُهُمَا فَلَا مَعْنَى لِتَقْدِيمِ الِاسْتِدْبَارِ وَهُوَ خَطَأٌ وَاضِحٌ، بَلْ مَعْنَى قَوْلِهِمْ جَازَ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ أَنَّهُ يَجُوزُ الْمُمْكِنُ مِنْهُمَا، فَإِنْ أَمْكَنَا فَهُوَ مَعْنَى تَعَارُضِهِمَا، وَهَذَا وَاضِحٌ. لَكِنَّ الزَّمَانَ أَحْوَجُ إلَى التَّعَرُّضِ لِذَلِكَ سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ.

قَوْلُهُ: (تَعَيَّنَ الِاسْتِدْبَارُ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ أَفْحَشُ.

قَوْلُهُ: (وَذَلِكَ) أَيْ التَّقْيِيدُ بِالْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَقَوْلُهُ: (مُنْتَفٍ فِي الثَّلَاثَةِ) وَمَحَلُّ ذَلِكَ وَنَحْوِهِ مِنْ الْآدَابِ مَا لَمْ يَغْلِبُهُ الْخَارِجُ أَوْ يَضُرُّهُ كَتْمُهُ، وَإِلَّا فَلَا حَرَجَ. وَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْغَضُّ مَا لَوْ احْتَاجَ إلَى الِاسْتِنْجَاءِ مَعَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ عِنْدَ حُضُورِ مَنْ ذُكِرَ، وَقَدْ ضَاقَ الْوَقْتُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِنْجَاءُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، وَلَا يُخَالِفُ مَا أَفْتَى بِهِ وَالِدُ شَيْخِنَا فِيمَنْ خَافَ فَوْتَ الْجُمُعَةِ لَوْ لَمْ يَفْعَلْ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، بَلْ يَجُوزُ لَهُ؛ لِأَنَّ لِلْجُمُعَةِ بَدَلًا وَلَا كَذَلِكَ الْوَقْتُ قَالَهُ ح ل. قَالَ ع ش عَلَى م ر: وَيَنْبَغِي أَنَّ كَشْفَهَا وَالْحَالَةُ مَا ذُكِرَ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّ هَذَا عُذْرٌ مُجَوِّزٌ لِلتَّرْكِ، وَالْأَصْلُ فِي الْأَعْذَارِ أَنَّهَا مُسْقِطَةٌ لِلْإِثْمِ فَقَطْ، وَتَحَمُّلُ الْمَشَقَّةِ مَعَهَا أَوْلَى، وَأَيْضًا فَقَدْ قَالُوا: لَوْ عُلِمَ مِنْ قَوْمٍ عَدَمُ رَدِّ السَّلَامِ سُنَّ السَّلَامُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ أَثِمُوا فَمَا هُنَا كَذَلِكَ. اهـ بِحُرُوفِهِ.

قَوْلُهُ: (وَيُجْتَنَبُ) أَعَادَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا دُونَ مَا بَعْدَهُ إشَارَةً إلَى مُغَايَرَةِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ اجْتِنَابُ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ لِلْحُكْمِ الثَّانِي وَهُوَ اجْتِنَابُ الْبَوْلِ فِي الرَّاكِدِ وَمَا بَعْدَهُ اهـ. ع ش؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَصْدُقُ بِالْوُجُوبِ. قَوْلُهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>