وَالنَّهْيُ فِي ذَلِكَ لِلْكَرَاهَةِ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا لِإِمْكَانِ طُهْرِهِ بِالْكَثْرَةِ وَفِي اللَّيْلِ أَشَدُّ كَرَاهَةً؛ لِأَنَّ الْمَاءَ بِاللَّيْلِ مَأْوَى الْجِنِّ، أَمَّا الْجَارِي فَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ جَمَاعَةٍ الْكَرَاهَةُ فِي الْقَلِيلِ مِنْهُ دُونَ الْكَثِيرِ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ فِي اللَّيْلِ لِمَا مَرَّ، ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُحَرَّمَ فِي الْقَلِيلِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ فِيهِ إتْلَافًا عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ، وَرُدَّ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّعْلِيلِ وَبِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَسَائِرِ الْأَصْحَابِ، فَهُوَ كَالِاسْتِنْجَاءِ بِخِرْقَةٍ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِتَحْرِيمِهِ، وَلَكِنْ يُشْكِلُ بِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ الْإِنَاءِ النَّجِسِ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ هُنَاكَ اسْتِعْمَالًا بِخِلَافِهِ هُنَا.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ عَدَمِ التَّحْرِيمِ إذَا كَانَ الْمَاءُ لَهُ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ الطُّهْرُ بِهِ بِأَنْ وَجَدَ غَيْرَهُ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ كَمَمْلُوكٍ لِغَيْرِهِ أَوْ مُسَبَّلٍ أَوْ لَهُ وَتَعَيَّنَ لِلطَّهَارَةِ بِأَنْ دَخَلَ الْوَقْتُ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْمَاءُ الْعَذْبُ رِبَوِيٌّ؛ لِأَنَّهُ مَطْعُومٌ فَلَا يَحِلُّ الْبَوْلُ فِيهِ. أُجِيبَ: بِمَا تَقَدَّمَ، وَيُكْرَهُ أَيْضًا قَضَاءُ الْحَاجَةِ بِقُرْبِ الْمَاءِ الَّذِي يُكْرَهُ قَضَاؤُهَا فِيهِ لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَوَارِدِ، وَصَبُّ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ كَالْبَوْلِ فِيهِ.
(وَ) يُجْتَنَبُ ذَلِكَ نَدْبًا (تَحْتَ الشَّجَرَةِ الْمُثْمِرَةِ) وَلَوْ كَانَ الثَّمَرُ مُبَاحًا فِي غَيْرِ وَقْتِ الثَّمَرَةِ صِيَانَةً لَهَا عَنْ التَّلْوِيثِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَالْغَائِطُ) وَهُوَ أَوْلَى بِالْكَرَاهَةِ. قَوْلُهُ: (فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ) سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا إلَّا أَنْ يَسْتَبْحِرَ بِحَيْثُ لَا تَعَافُهُ الْأَنْفُسُ بِحَالٍ، وَيُكْرَهُ فِي اللَّيْلِ مُطْلَقًا جَارِيًا كَانَ أَوْ رَاكِدًا، سَوَاءٌ اسْتَبْحَرَ أَمْ لَا م ر. فَالتَّفْصِيلُ إنَّمَا هُوَ فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ فِي الْمَاءِ نَهَارًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ فِي اللَّيْلِ مُطْلَقًا وَكَذَا فِي النَّهَارِ إلَّا فِي الرَّاكِدِ الْمُسْتَبْحِرِ وَالْجَارِي الْكَثِيرِ.
فَرْعٌ: يُنْدَبُ اتِّخَاذُ إنَاءٍ لِلْبَوْلِ فِيهِ لَيْلًا لِلِاتِّبَاعِ، وَلِأَنَّ دُخُولَ الْحَشِّ يُخْشَى مِنْهُ لَيْلًا، وَالنَّهْيُ عَنْ نَقْعِ الْبَوْلِ فِي الْبَيْتِ وَتَعْلِيلُهُ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ بَوْلٌ مُنَقَّعٌ، كَمَا لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ أَوْ جُنُبٌ أَوْ صُورَةٌ لَا يُعَارِضُ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرَادَ بِالِانْتِفَاعِ طُولُ الْمُكْثِ، وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ الِاتِّخَاذِ أَوْ النَّهْيِ خَاصٌّ بِالنَّهَارِ، وَرَخَّصَ فِيهِ لَيْلًا فَتَأَمَّلْهُ طَبَلَاوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا) مُعْتَمَدٌ.
قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ يُكْرَهُ فِي اللَّيْلِ) أَيْ الْبَوْلُ فِي الْكَثِيرِ الْجَارِي.
قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ إنَّ الْمَاءَ مَأْوَى الْجِنِّ. قَوْلُهُ: (وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ) ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) جَارِيًا أَوْ رَاكِدًا. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ فِيهِ إتْلَافًا عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ إنَّ مَحَلَّهُ إذَا كَانَ مُبَاحًا أَوْ مَمْلُوكًا لَهُ.
قَوْلُهُ: (بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّعْلِيلِ) أَيْ إمْكَانُ طُهْرِهِ بِالْكَثْرَةِ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ كَالِاسْتِنْجَاءِ بِخِرْقَةٍ) أَيْ فِي أَنَّهُ يُمْكِنُ تَطْهِيرهَا بَعْدَ تَنَجُّسِهَا فَلَا يَرِدْ أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ لِحَاجَةٍ بِخِلَافِ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ فَلَا جَامِعَ بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ: (بِأَنَّ هُنَاكَ اسْتِعْمَالًا) لَوْ قَالَ بِأَنَّ هُنَاكَ تَضَمُّخًا لَكَانَ صَوَابًا. ق ل. وَالْأَوْلَى مَا قَالَهُ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ تَضَمُّخٌ بِالنَّجَاسَةِ بَلْ اسْتِعْمَالٌ.
قَوْلُهُ: (إذَا كَانَ الْمَاءُ لَهُ) أَوْ مُبَاحًا.
قَوْلُهُ: (أَوْ مُسَبَّلٍ) أَوْ مَوْقُوفٍ وَلَوْ كَانَ مُسْتَبْحِرًا كَمَا نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ سم فِي الْحِلِّ فِي الْمُسْتَبْحِرِ، وَصُورَةُ الْمَوْقُوفِ أَنْ يَقِفَ إنْسَانٌ ضَيْعَةً مَثَلًا لِيَمْلَأَ مِنْ رِيعِهَا نَحْوَ صِهْرِيجٍ أَوْ فَسْقِيَّةٍ، أَوْ أَنْ يَقِفَ بِئْرًا فَيَدْخُلُ فِيهِ مَاؤُهُ الْمَوْجُودُ وَالْمُتَجَدِّدُ تَبَعًا، وَإِلَّا فَالْمَاءُ لَا يَقْبَلُ الْوَقْفَ قَصْدًا اهـ. رَشِيدِيٌّ عَلَى م ر وع ش.
وَيَحْرُمُ أَيْضًا الِاسْتِنْجَاءُ فِي جِدَارٍ مَوْقُوفٍ أَوْ مَمْلُوكٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ الْبُصَاقُ وَالْمُخَاطُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤْذِي النَّاسَ لِاسْتِقْذَارِهِمْ ذَلِكَ طَبَلَاوِيٌّ عَلَى الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (أَوْ لَهُ وَتَعَيَّنَ لِلطَّهَارَةِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ وَلَوْ كَثِيرًا لِاحْتِمَالِ تَنَجُّسِهِ بِتَغَيُّرِهِ، وَعِبَارَةُ اج ظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَ مُسْتَبْحِرًا بِحَيْثُ لَا تَعَافُهُ الْأَنْفُسُ بِحَالٍ لَا حَالًا وَلَا مَآلًا مَعَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ فِيهِ، لَكِنْ قَالَ سم: فِي تَحْرِيمِهِ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ نَظَرٌ وَلَوْ عَافَتْهُ نَفْسُ الْمَالِكِ دُونَ غَيْرِهِ، فَالْوَجْهُ اعْتِبَارُهُ دُونَ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (أُجِيبَ بِمَا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ يَدْفَعُ النَّجَسَ عَنْ نَفْسِهِ وَلِإِمْكَانِ طُهْرِ الْقَلِيلِ مِنْهُ بِالْكَثْرَةِ. قَوْلُهُ: (يَدْفَعُ النَّجَسَ) أَيْ بِاعْتِبَارِ جِنْسِهِ أَيْ بِالنَّظَرِ لِلْمَاءِ الْكَثِيرِ، وَعِبَارَةُ الطَّبَلَاوِيَّ وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْمَاءَ الْعَذْبَ فَلَا يَحْرُمُ، وَإِنْ كَانَ رِبَوِيًّا وَفَارَقَ الطَّعَامَ بِأَنَّ لَهُ مَعَ إمْكَانِ طُهْرِهِ قُوَّةَ دَفْعِ النَّجَاسَةِ، وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ أَوْ بِاعْتِبَارِ جِنْسِهِ أَيْ بِالنَّظَرِ لِلْمَاءِ الْكَثِيرِ فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ لَا يَدْفَعُ النَّجَسَ أَيْ؛ لِأَنَّهُ يُنَجَّسُ بِهِ.
قَوْلُهُ: (تَحْتَ الشَّجَرَةِ) الْمُرَادُ بِالتَّحْتِيَّةِ مَا تَصِلُ بِهِ الثَّمَرَةُ السَّاقِطَةُ غَالِبًا عَادَةً سم. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ