للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِنْدَ الْوُقُوعِ فَتَعَافُهَا النَّفْسُ وَلَمْ يُحَرِّمُوهُ؛ لِأَنَّ التَّنْجِيسَ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ، نَعَمْ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا ثَمَرٌ وَكَانَ يَجْرِي عَلَيْهَا الْمَاءُ مِنْ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ تُثْمِرَ لَمْ يُكْرَهْ كَمَا لَوْ بَالَ تَحْتَهَا، ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَيْهِ مَاءً طَهُورًا، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا وَفِي غَيْرِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ بَيْنَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ.

(وَ) يُجْتَنَبُ ذَلِكَ نَدْبًا (فِي الطَّرِيقِ) الْمَسْلُوكِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ. قَالُوا وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ» تَسَبَّبَا بِذَلِكَ فِي لَعْنِ النَّاسِ لَهُمَا كَثِيرًا عَادَةً فَنُسِبَ إلَيْهِمَا بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ، إذْ أَصْلُهُ اللَّاعِنَانِ فَحَوَّلَ الْإِسْنَادَ لِلْمُبَالَغَةِ، وَالْمَعْنَى احْذَرُوا سَبَبَ اللَّعْنِ الْمَذْكُورِ، وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ: «اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَالظِّلِّ» وَالْمَلَاعِنُ مَوَاضِعُ اللَّعْنِ وَالْمَوَارِدُ طُرُقُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الثَّمَرَةِ الْمَمْلُوكَةِ وَغَيْرِهَا، وَالْكَلَامُ مِنْ حَيْثُ التَّنْجِيسُ أَمَّا مِنْ حَيْثُ دُخُولُ مِلْكِ الْغَيْرِ فَحَرَامٌ إنْ لَمْ يَرْضَ أَوْ يَعْتَقِدْ رِضَاهُ، وَالْمُرَادُ بِالثَّمَرَةِ مَا يُقْصَدُ الِانْتِقَاعُ بِهِ بِأَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ كَشَمٍّ وَدَبْغٍ وَلَوْ نَحْوَ وَرَقٍ مِمَّا تَعَافُ الْأَنْفُسُ الِانْتِفَاعَ بِهِ بَعْدَ تَلْوِيثِهِ اج. وَهَذَا فِي شَجَرَةٍ فِي مِلْكِهِ أَوْ بِأَرْضٍ مُبَاحَةٍ أَوْ مَمْلُوكَةٍ، وَأَذِنَ مَالِكُهَا أَوْ عُلِمَ رِضَاهُ، وَإِلَّا حَرُمَ، فَلَوْ كَانَتْ لَهُ وَالثَّمَرَةُ لِغَيْرِهِ اتَّجَهَ عَدَمُ الْحُرْمَةِ شَوْبَرِيٌّ، وَيُكْرَهُ مِنْ جِهَةِ الثَّمَرَةِ، وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ الْكَرَاهَةِ إذَا كَانَتْ الثَّمَرَةُ لَهُ وَالْأَرْضُ لَهُ أَوْ كَانَا مُبَاحَيْنِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الثَّمَرَةُ لَهُ دُونَ الْأَرْضِ فَإِنْ جَازَ لَهُ قَضَاءُ الْحَاجَةِ فِيهَا بِأَنْ كَانَ الْمَالِكُ يَرْضَى بِذَلِكَ، فَالْكَرَاهَةُ مِنْ جِهَةِ الثَّمَرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ جَاءَتْ الْحُرْمَةُ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ لَهُ دُونَ الثَّمَرَةِ، فَالْكَرَاهَةُ إنْ كَانَ بِإِذْنِ مَالِكِهَا، وَإِلَّا فَالْحُرْمَةُ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَإِنْ جَازَ لَهُ قَضَاءُ الْحَاجَةِ، فَالْكَرَاهَةُ لِلثَّمَرَةِ أَيْضًا.

قَالَ الْعَبَّادِيُّ: وَسَقْيُ الشَّجَرِ بِالْمَاءِ النَّجَسِ كَالْبَوْلِ أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ فَرَاجِعْهُ اهـ.

قَوْلُهُ: (الْمُثْمِرَةِ) أَيْ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُثْمِرَ وَلَوْ فِي غَيْرِ وَقْتِ الثَّمَرَةِ، فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ مُثْمِرَةً بِالْفِعْلِ، وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: وَالْمُرَادُ بِمَا يُثْمِرُ مَا مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ أَوَانُ الْإِثْمَارِ عَادَةً كَالْوَدْيِ الصَّغِيرِ.

قَوْلُهُ: (غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ) يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ وَلَا مَظْنُونَ سم.

قَوْلُهُ: (بَيْنَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ) لَكِنَّ الْكَرَاهَةَ فِي الْغَائِطِ أَشَدُّ مِنْهَا فِي الْبَوْلِ خِلَافًا لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ يَطْهُرُ بِمَاءٍ وَبِجَفَافِهِ فِي الشَّمْسِ وَالرِّيحِ فِي قَوْلٍ. بِخِلَافِ الْغَائِطِ فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ مَكَانُهُ إلَّا بَعْدَ النَّقْلِ، وَلَا يَطْهُرُ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا فِي الْغَائِطِ أَخَفُّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُرَى فَيُجْتَنَبُ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِطُهْرِهِ قَبْلَ الثَّمَرَةِ بِنَحْوِ سَيْلٍ، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ م ر فِي شَرْحِهِ.

قَوْلُهُ: (فِي الطَّرِيقِ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ مُبَاحٌ. أَمَّا الْمُسَبَّلُ وَالْمَوْقُوفُ وَمِلْكُ الْغَيْرِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْحَاجَةِ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (الْمَسْلُوكِ) ، وَإِنْ لَمْ يَكْثُرْ طَارِقُوهُ طب، وَلَوْ زَلَقَ أَحَدٌ فِي الْغَائِطِ فِي الطَّرِيقِ وَتَلِفَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْفَاعِلِ، وَإِنْ غَطَّاهُ بِتُرَابٍ أَوْ نَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فِي التَّلَفِ فِعْلًا أَيْ غَيْرَ جَائِزٍ وَمَا فَعَلَهُ جَائِزٌ لَهُ ع ش عَلَى م ر. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَالُوهُ مِنْ الضَّمَانِ بِإِلْقَاءِ الْقُمَامَاتِ كَقُشُورِ الْبِطِّيخِ فِي الطَّرِيقِ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ وُجُودَ الْغَائِطِ فِي الطَّرِيقِ إنَّمَا هُوَ عَنْ ضَرُورَةٍ قَامَتْ بِفَاعِلِهِ، بِخِلَافِ الْقُمَامَاتِ أَفَادَهُ شَيْخُنَا ح ف. وَالْعَشْمَاوِيُّ، وَمِثْلُهُ فِي ع ش عَلَى م ر. وَسُئِلَ الْعَلَّامَةُ ز ي عَمَّا لَوْ تَغَوَّطَ فِي الطَّرِيقِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُغَطِّيَهُ بِتُرَابٍ مَثَلًا أَمْ لَا؟ . فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يُغَطِّيهِ بَلْ يُبْقِيهِ بِحَالِهِ لِيُجْتَنَبَ. اهـ.

قَوْلُهُ: «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ» أَيْ اجْتَنِبُوا فِعْلَ اللَّعَّانَيْنِ أَيْ اتَّقُوا تَخَلِّي اللَّعَّانَيْنِ. «قَالُوا: وَمَا تَخَلِّي اللَّعَّانَيْنِ؟ قَالَ: تَخَلِّي الَّذِي» إلَخْ. فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ فِي هَذَا اللَّفْظِ مَجَازًا بِالْحَذْفِ أَيْ فِعْلُ اللَّعَّانَيْنِ، وَمَجَازًا عَقْلِيًّا مِنْ بَابِ الْإِسْنَادِ إلَى السَّبَبِ كَبَنَى الْأَمِيرُ الْمَدِينَةَ؛ لِأَنَّهُمَا مَلْعُونَانِ لَا لَاعِنَانِ، لَكِنْ لَمَّا تَسَبَّبَا فِي اللَّعْنِ نُسِبَ اللَّعْنُ إلَيْهِمَا، فَالْمَجَازُ الْعَقْلِيُّ فِي لَفْظِ اللَّعَّانَيْنِ، وَالْمَجَازُ بِالْحَذْفِ فِي «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ» ، فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ فِعْلُ اللَّعَّانَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ بِقَوْلِهِ تَسَبَّبَا بِذَلِكَ إلَخْ. وَأَشَارَ إلَى الْمَجَازِ بِالْحَذْفِ بِقَوْلِهِ وَالْمَعْنَى احْذَرُوا إلَخْ. قَوْلُهُ: (الَّذِي يَتَخَلَّى إلَخْ) الَّذِي يُطْلَقُ عَلَى الْمُفْرَدِ وَغَيْرِهِ فَهُوَ مُطَابِقٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} [التوبة: ٦٩] مَرْحُومِيٌّ. وَقَالَ ع ش: كَانَ الظَّاهِرُ اللَّذَانِ يَتَخَلَّيَانِ لِيُطَابِقَ قَوْلَ السَّائِلِ وَمَا اللَّعَّانَانِ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ فِي ظِلِّهِمْ) أَوْ لِلتَّنْوِيعِ، وَفِي رِوَايَةٍ أَوْ فِي مَجَالِسِهِمْ فَيَكُونُ شَامِلًا لِمَوَاضِع الشَّمْسِ فِي الشِّتَاءِ. قَوْلُهُ: (إذْ أَصْلُهُ اللَّاعِنَانِ) أَيْ أَصْلُهُ الثَّانِي فَلَا يُنَافِي أَنَّ أَصْلَهُ الْأَوَّلُ الْمَلْعُونَيْنِ.

قَوْلُهُ: (الْمَذْكُورِ) نَعْتٌ لِسَبَبٍ ق ل وَلَا يَتَعَيَّنُ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُ نَعْتًا

<<  <  ج: ص:  >  >>