للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُطَلِّقَك. أَوْ أَنْ آكُلَ الْخُبْزَ أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَدْخُلَ الدَّارَ فَإِنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةً فِي ذَلِكَ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ. أُجِيبَ: بِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ وَأَمَّا الْأَخِيرَةُ فَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ فِيهَا مِنْ حَيْثُ الْيَمِينُ لَا مِنْ حَيْثُ النَّذْرُ.

(وَ) يَلْزَمُ النَّذْرُ عَلَى فِعْلِ (طَاعَةٍ) مَقْصُودَةٍ لَمْ تَتَعَيَّنْ كَعِتْقٍ وَعِيَادَةِ مَرِيضٍ، وَسَلَامٍ وَتَشْيِيعِ جِنَازَةٍ. وَقِرَاءَةِ سُورَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَطُولِ قِرَاءَةِ صَلَاةٍ وَصَلَاةِ جَمَاعَةٍ. وَلَا فَرْقَ فِي صِحَّةِ نَذْرِ الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ بَيْنَ كَوْنِهَا فِي فَرْضٍ أَمْ لَا. فَالْقَوْلُ بِأَنَّ صِحَّتَهَا مُقَيَّدَةٌ بِكَوْنِهَا فِي الْفَرْضِ أَخْذًا مِنْ تَقْيِيدِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا بِذَلِكَ وَهْمٌ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا قَيَّدَا بِذَلِكَ لِلْخِلَافِ فِيهِ فَلَوْ نَذَرَ غَيْرَ الْقُرْبَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ وَاجِبٍ عَيْنِيٍّ كَصَلَاةِ الظُّهْرِ أَوْ مُخَيَّرٍ كَأَحَدِ خِصَالِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَلَوْ مُعَيَّنَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَوْ مَعْصِيَةٍ كَمَا سَيَأْتِي كَشُرْبِ خَمْرٍ وَصَلَاةٍ، بِحَدَثٍ أَوْ مَكْرُوهٍ كَصَوْمِ الدَّهْرِ لِمَنْ خَافَ بِهِ ضَرَرًا أَوْ فَوْتَ حَقٍّ لَمْ يَصِحَّ نَذْرُهُ، أَمَّا الْوَاجِبُ الْمَذْكُورُ فَلِأَنَّهُ لَزِمَ عَيْنًا بِإِلْزَامِ الشَّرْعِ قَبْلَ النَّذْرِ فَلَا مَعْنَى لِالْتِزَامِهِ. وَأَمَّا الْمَكْرُوهُ فَلِأَنَّهُ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد: «لَا نَذْرَ إلَّا فِيمَا اُبْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ» وَلَمْ يَلْزَمْهُ بِمُخَالَفَةِ ذَلِكَ كَفَّارَةٌ.

ثُمَّ بَيَّنَ الْمُصَنِّفَ نَذْرَ الْمُجَازَاةِ. وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ التَّبَرُّرِ وَهُوَ الْمُعَلَّقُ بِشَيْءٍ بِقَوْلِهِ (كَقَوْلِهِ إنْ شَفَى اللَّهُ) تَعَالَى (مَرِيضِي) أَوْ قَدِمَ غَائِبِي أَوْ نَجَوْت مِنْ الْغَرَقِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. (فَلِلَّهِ) تَعَالَى (عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ أَوْ أَصُومَ أَوْ أَتَصَدَّقَ) وَأَوْ فِي كَلَامِهِ تَنْوِيعِيَّةٌ (وَيَلْزَمُهُ) بَعْدَ حُصُولِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ (مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ الْتَزَمَهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (مَا يَقَعُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَإِلَّا انْعَقَدَ نَذْرُهُ فَيَكُونُ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ مَنْ قَالَ: يَنْعَقِدُ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: لَا يَنْعَقِدُ م ر وَاعْتَمَدَ ق ل أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُ شَيْخِنَا م ر: يُحْمَلُ عَدَمُ الْكَفَّارَةِ إذَا خَلَا عَنْ حَثٍّ أَوْ مَنْعٍ أَوْ تَحْقِيقِ خَبَرٍ وَإِضَافَتِهِ إلَى اللَّهِ وَإِلَّا فَفِيهِ الْكَفَّارَةُ وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ اهـ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ صُورَةٍ خَالِيَةٍ عَمَّا ذُكِرَ فَيَلْزَمُ إحَالَةُ مَا لَا كَفَّارَةَ فِيهِ فَيَبْطُلُ الْجَمْعُ الْمَذْكُورُ مَعَ أَنَّ فِي صِحَّةِ النَّذْرِ مَعَ الْحَثِّ وَنَحْوِهِ نَظَرًا وَأَيْضًا فِي جَعْلِ مَا ذُكِرَ مِنْ نَذْرِ الْمُبَاحِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ قُرْبَةٍ عَلَى تَرْكِ مُبَاحٍ أَوْ فِعْلِهِ فَهُوَ مِنْ نَذْرِ اللَّجَاجِ وَإِنَّمَا نَذْرُ الْمُبَاحِ أَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَقُومَ مَثَلًا أَوْ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَقُومَ. وَهَذَا لَا كَفَّارَةَ فِيهِ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْمَعْصِيَةِ وَالْوَاجِبِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَحَرِّرْهُ فَإِنَّهُ مِمَّا لَا وَجْهَ لِلْعُدُولِ عَنْهُ اهـ. وَلَوْ جَمَعَ فِي نَذْرَيْنِ مَا يَصِحُّ وَمَا لَا يَصِحُّ كَقَوْلِهِ: إنْ سَلِمَ مَالِي وَهَلَكَ مَالُ زَيْدٍ أَعْتَقْت عَبْدِي وَطَلَّقْت زَوْجَتِي فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ وَيَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ فِي عِتْقِ الْعَبْدِ لَا طَلَاقَ الزَّوْجَةِ ق ل. قَوْلُهُ: (أَوْ لِلَّهِ إلَخْ) هَذِهِ صِيغَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَلَيْسَ مُعَلَّقًا عَلَى مَا قَبْلَهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الرَّوْضِ وَيَدُلُّ لَهُ إفْرَادُهَا بِجَوَابٍ مُسْتَقِلٍّ.

قَوْلُهُ: (مِنْ حَيْثُ الْيَمِينُ) أَيْ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَدْخُلَ الدَّارَ فِيهِ حَثٌّ عَلَى دُخُولِ الدَّارِ؛ وَالْقَاعِدَةُ: أَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَثٌّ أَوْ مَنْعٌ أَوْ تَحْقِيقُ خَبَرٍ كَانَ يَمِينًا. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ نَذْرَ الْمُبَاحِ تَارَةً يَكُونُ حَثًّا كَإِرَادَتِهِ إلْزَامَ نَفْسِهِ بِالْفِعْلِ فَقَطْ. فَهَذَا لَا يَنْعَقِدُ نَذْرًا لَكِنْ تَلْزَمُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ يَمِينٌ لِتَعَلُّقِ الْحَثِّ بِهِ وَتَارَةً لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. كَأَنْ يُطْلَقَ فِي الصِّيغَةِ فَهَذَا لَا يَنْعَقِدُ وَلَا يَلْزَمُ فِيهِ كَفَّارَةٌ. اهـ. م ر.

قَوْلُهُ: (عَلَى فِعْلِ طَاعَةٍ إلَخْ) هَذَا مِنْ الشَّارِحِ سَهْوٌ لِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَالشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ مَعَ الْأَمْثِلَةِ إنَّمَا هِيَ فِي الْمَنْذُورِ نَفْسِهِ كَمَا فِي مَتْنِ الْمَنْهَجِ لَا فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إذَا عَلَّقَ النَّذْرَ عَلَى فَرْضٍ عَيْنِيٍّ مَثَلًا صَحَّ كَقَوْلِهِ: إنْ صَلَّيْت الظُّهْرَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ أَوْ أُعْتِقَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مَا الْتَزَمَهُ وَعَلَى كَلَامِ الشَّارِحِ يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرٍ يُنَاسِبُ كَلِمَةَ عَلَيَّ أَيْ الْمُشْتَمِلُ عَلَى فِعْلِ طَاعَةٍ إلَخْ. اهـ. شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (وَطُولِ قِرَاءَةِ صَلَاتِهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ إمَامٍ لِقَوْمٍ لَا يَرْضَوْنَ بِالتَّطْوِيلِ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ إمَامًا لِقَوْمٍ يَرْضَوْنَ بِالتَّطْوِيلِ كَانَ مَكْرُوهًا لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الطَّلَبِ وَعَدَمِهِ بِحَالِ النَّاذِرِ. اهـ. م ر. وَالْأَوْجَهُ ضَبْطُ التَّطْوِيلِ الْمُلْتَزَمِ هُنَا بِأَدْنَى زِيَادَةٍ عَلَى مَا يُنْدَبُ لِإِمَامٍ غَيْرِ مَحْصُورِينَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ م ر س ل. قَوْلُهُ: (وَصَلَاةِ جَمَاعَةٍ) وَيَخْرُجُ مِنْ عُهْدَةِ ذَلِكَ بِالِاقْتِدَاءِ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ لِانْسِحَابِ حُكْمِ الْجَمَاعَةِ عَلَى جَمِيعِهَا. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (بِأَنَّ صِحَّتَهَا) أَيْ الثَّلَاثَةِ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُعَيَّنَةً) وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إنْ عَيَّنَ أَعْلَاهَا صَحَّ نَذْرُهُ أَوْ أَدْنَاهَا فَلَا كَمَا أَفْتَى بِهِ م ر. اهـ. ز ي.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ التَّبَرُّرِ) : نَذْرِ التَّبَرُّرِ بِأَنْ يَلْتَزِمَ قُرْبَةً بِلَا تَعْلِيقٍ كَعَلَيَّ كَذَا أَوْ بِتَعْلِيقٍ بِحُدُوثِ نِعْمَةٍ أَوْ ذَهَابِ نِقْمَةٍ وَلَوْ قَالَ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>